هل التقيّة المداراتية تعني إخفاء العقيدة أم الدعوة للتعايش؟
الشيخ صالح الكرباسي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ صالح الكرباسي

التقية المداراتية مصطلح فقهي لدى فقهاء الشيعة، و يراد بهذا المصطلح الالتزام بمبدأ احترام عقائد و فقه سائر الطوائف الإسلامية و المسايرة معهم في ما يمكن حفاظاً على الوحدة الإسلامية و تجنباً عن الخلافات التي تسبب تشتت صفوف المسلمين في المجتمعات التي تتعدد فيه الطوائف و المذاهب ، رغم وجود اختلاف في الفروع و بعض الاحكام ، كل ذلك من أجل المصالح الرئيسية و العامة التي أمر أئمة أهل البيت عليهم السلام شيعتهم بالالتزام بها و إن لم يكن في تركها خطر عليهم .
والتقية المداراتية أسلوب عقلي و شرعي و من مقومات التعايش السلمي المتحضِّر مع سائر الطوائف بل و سائر الاديان ، حيث تحتفظ كل طائفة على عقائدها و أحكامها الشرعية دون التنازل عنها في الأصول ، و تكون فرصة التحاور الفكري موجودة بين الاطراف المختلفة من دون حساسيات طائفية تُثير البغضاء و العداوة و تسبب الخلافات التي لا تحمد عقباها . فقد رَوَى زَيْدٌ الشَّحَّامُ عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال : " يَا زَيْدُ خَالِقُوا النَّاسَ بِأَخْلَاقِهِمْ ، صَلُّوا فِي مَسَاجِدِهِمْ ، وَ عُودُوا مَرْضَاهُمْ ، وَ اشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ ، وَ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَكُونُوا الْأَئِمَّةَ وَ الْمُؤَذِّنِينَ فَافْعَلُوا ، فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَالُوا هَؤُلَاءِ الْجَعْفَرِيَّةُ رَحِمَ اللَّهُ جَعْفَراً مَا كَانَ أَحْسَنَ مَا يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ ، وَ إِذَا تَرَكْتُمْ ذَلِكَ قَالُوا هَؤُلَاءِ الْجَعْفَرِيَّةُ فَعَلَ اللَّهُ بِجَعْفَرٍ مَا كَانَ أَسْوَأَ مَا يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ " 1.
فالتقية المداراتية ليست إخفاءً للعقائد و الاحكام الشرعية كما يحاول البعض تصوير ذلك، و إنما هي دعوة إلى التعايش السلمي والمتحضر مع احترام افكار و عقائد الأطراف الأخرى حفاظاً على المصالح العامة للمسلمين، و حفاظاً على الوحدة الإسلامية .
الهوامش:
1. من لا يحضره الفقيه : 1 / 838 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، الطبعة الثالثة ، سنة : 1413 هجرية ، قم / إيران .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat