"وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً" ما المقصود بالازواج الثلاثة في سورة الواقعة (ح 6)؟
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

ان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان قدوة للازواج في التعامل مع زوجاتهم فكان يحترمهن بالاضافة الى تطبيق الشريعة في وجوب الانفاق على الزوجة والعدالة بين الزوجات. يقول الامام علي عليه السلام (سُبْحَانَكَ خَالِقاً وَمَعْبُوداً بِحُسْنِ بَلَائِكَ عِنْدَ خَلْقِكَ خَلَقْتَ دَاراً وَجَعَلْتَ فِيهَا مَأْدُبَةً مَشْرَباً وَمَطْعَماً وَأَزْوَاجاً وَخَدَماً وَقُصُوراً وَأَنْهَاراً وَزُرُوعاً وَثِمَاراً ثُمَّ أَرْسَلْتَ دَاعِياً يَدْعُو إِلَيْهَا فَلَا الدَّاعِيَ أَجَابُوا وَلَا فِيمَا رَغَّبْتَ رَغِبُوا وَلَا إِلَى مَا شَوَّقْتَ إِلَيْهِ اشْتَاقُوا أَقْبَلُوا عَلَى جِيفَةٍ قَدِ افْتَضَحُوا بِأَكْلِهَا وَاصْطَلَحُوا عَلَى حُبِّهَا وَمَنْ عَشِقَ شَيْئاً أَعْشَى بَصَرَهُ وَأَمْرَضَ قَلْبَهُ فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَيْنٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ وَيَسْمَعُ بِأُذُنٍ غَيْرِ سَمِيعَةٍ قَدْ خَرَقَتِ الشَّهَوَاتُ عَقْلَهُ وَأَمَاتَتِ الدُّنْيَا قَلْبَهُ).
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: أن الآيات التي تذكر إيتاء الكتاب بالشمال وهي التي في سورة الواقعة والحاقة وفي معناها ما في سورة الإسراء أيضا ـ تخص إيتاء الكتاب بالشمال بالكفار ويظهر من مجموع الآيات أن الذين يؤتون كتابهم بشمالهم هم الذين يؤتونه من وراء ظهورهم. وقال بعضهم من الممكن أن يؤتوا كتابهم من وراء ظهورهم ويكون قوله "فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً" (الانشقاق 8) من قبيل وصف الكل بصفة بعض أجزائه. وفيه أن المقام لا يساعد على هذا التجوز فإن المقام مقام تمييز السعداء من الأشقياء وتشخيص كل بجزائه الخاص به فلا مجوز لإدغام جمع من أهل العذاب في أهل الجنة. على أن قوله : "فَسَوْفَ يُحاسَبُ" (الانشقاق 8) إلخ وعد جميل إلهي ولا معنى لشموله لغير مستحقيه ولو بظاهر من القول. نعم يمكن أن يقال: إن اليسر والعسر معنيان إضافيان وحساب العصاة من أهل الإيمان يسير بالإضافة إلى حساب الكفار المخلدين في النار ولو كان عسيرا بالإضافة إلى حساب المتقين. ويمكن أيضا أن يقال إن قسمة أهل الجمع إلى أصحاب اليمين وأصحاب الشمال غير حاصرة كما يدل عليه قوله تعالى "وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9) وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)" (الواقعة 7-11) فمدلول الآيات خروج المقربين من الفريقين ، ومثلهم المستضعفون كما ربما يستفاد من قوله تعالى "وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ" (التوبة 106). فمن الجائز أن لا يكون تقسيم أهل الجمع إلى أصحاب اليمين وأصحاب الشمال تقسيما حاصرا لجميعهم بل تخصيصا لأهل الجنة من المتقين وأهل الخلود في النار بالذكر بتوصيفهم بإيتاء الكتاب باليمين وبالشمال لمكان الدعوة إلى الإيمان والتقوى ونظير ذلك ما في سورة المرسلات من ذكر يوم الفصل ثم بيان حال المتقين والمكذبين فحسب وليس ينحصر الناس في القبيلين ، ونظيره ما في سورة النبإ والنازعات وعبس والانفطار ، والمطففين وغيرها فالغرض فيها ذكر أنموذج من أهل الإيمان والطاعة وأهل الكفر والتكذيب والسكوت عمن سواهم ليتذكر أن السعادة في جانب التقوى والشقاء في جانب التمرد والطغوى.
ذكر القرآن الكريم آيات عديدة عن أزواج النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم منها في سورة التحريم. جاء في کتاب أحاديث أم المؤمنين عائشة للسيد مرتضى العسكري: بسم الله الرحمن الرحيم "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ" (الاحزاب 28-33) حيث ابتدأ السيد العسكري كتابه بهذه الآيات المباركة كون عنوان الكتاب فيه اسم زوجة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وآله: نبدأ بحوث الكتاب بإذنه تعالى ببيان حكمة تعدد زوجات الرسول في ما يأتي: قال الله سبحانه في سورة الاحزاب: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (50) تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ ۖ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا (52)" (الاحزاب 50-52). شرح الكلمات: أ - أجورهن: مهورهن. ب أفاء: أفاء عليه فيئا، أي جعل له الغنيمة التي لم تلحق فيها مشقة له. ج - وهبت نفسها للنبي: أي طلبت من الرسول أن يتزوجها بلا مهر. د - حرج، الحرج: الضيق في باب النكاح. ه - ترجي: ترجي هنا بمعنى تنحي عنك من تشاء. و - تؤوي: تؤوي هنا بمعنى تضم إلى نفسك من تشاء منهن. ز - الحلم: الحلم في اللغة: الاناة وضبط النفس عند الغضب مع القدرة، وفي المصطلح الاسلامي: من أسماء الله الحسنى، أي لا يعاجل بالعقوبة ويصفح. ح - رقيبا: الرقيب في اللغة: الحافظ المراعي، وفي المصطلح الاسلامي: من أسماء الله الحسنى، أي الحافظ الذي لا يغيب عنه شئ. تفسير الآيات: في آيات خبر تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من سورة الاحزاب، فإن الله سبحانه أخبر فيها أنه كان قد أحل لخاتم أنبيائه من آتاهن مهورهن من أقاربه وغيرهن من المؤمنات اللاتي هاجرن معه، ثم أخبر تعالى أنه أحل له الزواج بغيرهن من المؤمنات وأحل له امرأة مؤمنة طلبت منه أن يتزوجها ووهبت له مهرها إن أراد النبي أن يستنكحها. وإن هذا الحكم خاص بالنبي من دون المؤمنين، وقد علم الله، أي عين ما فرض عليهم في أزواجهم وفي نساء ملكوها بشراء وغيره. تنحي عنك من تشاء ممن وهبت نفسها لك وتضم إلى نفسك من تشاء منهن أو يكون المعنى تؤخر من تشاء من أزواجك فلا تضاجعها، أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء، ولعل المقصود إحلال كل ذلك لخاتم الانبياء صلى الله عليه وآله وسلم. وقد جاء في أصول الكافي في تفسير الآيات بسنده: عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ" (الاحزاب 50) كم احل له من النساء ؟ قال: ما شاء من شئ. وفيه بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال، قلت: "لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ" (الاحزاب 52)؟ فقال: لرسول الله صلى الله عليه وآله أن ينكح ما شاء من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته وأزواجه اللاتي هاجرن معه، وأحل له أن ينكح من عرض المؤمنين بغير مهر وهي الهبة، ولا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله، فأما لغير رسول الله فلا يصلح نكاح إلا بمهر، وذلك معنى قوله تعالى: "وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ" (الاحزاب 50).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat