صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ العاشِرة (٢١)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}.

إِنَّ أَسوء أَمراض المُجتمع هو مرَض [الصنميَّة] صِناعة الأَصنام وعبادتِها.

والصنميَّةُ تتمظهَرُ في أُمورٍ؛

*هي لا تقبلُ منكَ أَن تتبنَّى رأياً أَو موقفاً أَو حتَّى تدينُ بغَيرِ دينِها قبلَ أَن تستأذنَها فهي تُفتِّشُ في عقلِكَ وتُفتِّشُ في ضميرِكَ وعقلِكَ الباطنِ وفي نواياك وفي مُعتقداِكَ،وأَنَّ محاكِم التَّفتيشِ هذهِ مُنتشِرة في كُلِّ مكانٍ، في الشَّوارعِ والطُّرُقاتِ وحتَّى في مخدعِكَ حتى لا يفلِتَ منها أَحدٌ فيشذُّ عن الجادَّة ويُحلِّقُ خارج السَّرب {قَالَ ءَامَنتُمْ لَهُۥقَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِى عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَٰفٍۢ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}.

فالصنميَّة هي وحدَها القادِرة على أَن تفكِّر بشَكلٍ صحيحٍ، وهي وحدَها القادِرة على أَن تُغطِّي كُلَّ مساحَة تفكِير الأُمَّة وفي كُلِّ شيءٍ وفي كُلِّ الأُمورِ الخاصَّة والعامَّةولذلك لا داعي لأَن يفكِّر أَحدٌ، فهي تُفكِّر بالنِّيابة عن الأُمَّة وتتَّخذ القَرار نيابةً عنِ الأُمَّة {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}.

إِنَّ الصنميَّة لا تُريدُ مُثقَّفاً أَو مفكِّراً أَو صاحب رأي ومَوقف يُناقش ويُجادل بالَّتي هيَ أَحسن قبلَ أَن يقتنعَ، وإِنَّما تُريدُ جيشاً من الدَّوابِّ تُساقُ كما تُريدُ وتُطيعُ كُلَّماتُؤمَرُ، وهي تُريدُ جيشاً مِن العِميان لا يقرأُونَ ولا يكتُبُونَ وهذا لا يتحقَّق إِلَّا إِذا مَنحَ [الصنميُّونَ] أَنفسهُم وعقولهُم وأَسماعهُم إِجازةً مفتوحةً حسبَ طلبِ [الصَّنم] {وَلَقَدْذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} وقولُهُتعالى {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} فالأَصمُّ لا يسمعُ إِلَّا من [الصَّنم] والأَبكمُ لا يقُولُ إِلَّا ما يرضى عنهُ [الصَّنم] والأَعمى لا يرى إِلَّا شكلِ [الصَّنم] وصورتهِ!.

الصنميَّة تُريدُ قطيعاً يُصدِّقُ ويُكذِّبُ حتَّىقبلَ أَن يسمعَ مِن الطَّرفَين مثلاً {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَعَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} بمعنى التَّعامُل معَ أَحكامٍ جاهزةٍ مُسبَقةٍ مُعلَّبةٍ!.

*وهي لا تُجيزُ لكَ أَن تُناقشها أَو حتَّى تُبدي رأياً في أَمرٍ ما فواجبُكَ الوحيد هو الطَّاعة حتَّى مِن دونِ نقاشٍ والذي يكونُ ثمنهُ عادةً رأسكَ! ولذلكَ فإِنَّ عليكَ أَن تحذرَغضبَها إِذا فكَّرتَ مع نفسِكَ أَو حاولتَ إِبداءَ وِجهة نظرِكَ فقد تدفَع ثمناً باهِضاً بسببِ ذلكَ {فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ۚ وَإِنَّفِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} وقولُهُ {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.

أَمَّا إِذا تصرَّفتَ من تلقاءِ نفسِكَ ولم تُطِعها ثُمَّ [تورَّطتَ] في مُشكلةٍ ما بسببِ ذلكَ، طبعاً حسبَ مقاساتِها وفهمِها للأُمورِ وطريقةِ تفكيرِها هيَ، فسترى الصنميَّة مُستعدَّةللإِستهزاءِ بكَ وتحميلِكَ المسؤُوليَّة ولومِكَ وتقريعِكَ حتَّى تشعُر وكأَنَّها الحق المُطلق وهيَ المُنقذ الوحِيد لكَ في المرَّةِ القادِمةِ {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗقُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.

*وهيَ كذلكَ تُلغي حقُوقكَ فليسَ لكَ سِوى الواجِبات التي عليكَ تنفيذَها والإِلتِزام بها، أَمَّا الحقُوق فكلُّها لـ [الصَّنم] الذي يجِب أَن يتمتَّع بِها حتى يعرِف كيفَ يُفكِّرويُخطِّط ويتَّخِذ القرار الصَّائِب في الوقتِ المُناسِب!.

هي تضحكُ على المُغفَّلينَ وتُضلِّلهُم بقولِها {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ ۖ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.

فبرأيكَ كيفَ سيكونُ حال المُجتمع إِذا تعدَّدت فيهِ [الاصنام]؟! فلِكُلِّ أُمَّةٍ صنمٌ ولِكُلِّ حزبٍ صنمٌ ولِكُلِّ تيَّارٍ صنمٌ ولكُلٍ مجموعةٍ صنمٌ!.

وإِنَّ مِن أَسوء أَنواع الصنميَّة هُو الهَوى {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَاتَذَكَّرُونَ}.

وأَسوءُ من ذلكَ عندما يكونُ الصَّنم مُتستِّراً بالمُقدَّسِ [مُقدَّسٌ بانتمائهِ وخلفيَّتهِ وتاريخهِ ولباسهِ وزيِّهِ ولحيتهِ وعِمامتهِ وعنوانهِ الدِّيني] كما يصِفهُ تعالى في كتابهِ العزيز{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} وقوله {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْمُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} وقولُهُ تعالى {وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚقَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}.

فالصَّنمُ هُنا تستَّر بعِنوانِ حمايةِ الدِّين لقتالِ نبيَّ الله مُوسى (ع) وهُو تستَّرَ بالنَّزاهةِ لتجييشِ شعبهِ وكأَنَّ الرَّسول بُعِثَ ليسعى لتَحطيمِ دينِ النَّاس أَو سرقةِ أَموالهِموالتَّجاوز على حقُوقهِم وسبي أَعراضهِم وبالتَّالي لنشرِ الفسادِ في المُجتمعِ.

هي نفس أَدوات المُومِس عندما تتحدَّث عنِ الشَّرف وتُدافع عنِ النَّامُوسِ!.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/04/12



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ العاشِرة (٢١)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net