الصحف في القرآن الكريم (ح 6)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ ابْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: "فَاصْبِرْ كَمٰا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ" (الاحقاف 35)؟ فَقَالَ: (نُوحٌ وَ إِبْرَاهِيمُ وَ مُوسَى وَ عِيسَى وَ مُحَمَّدٌ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ). قُلْتُ:كَيْفَ صَارُوا أُولِي الْعَزْمِ؟ قَالَ: (لِأَنَّ نُوحاً بُعِثَ بِكِتَابٍ وَ شَرِيعَةٍ،وَ كُلُّ مَنْ جَاءَ بَعْدَ نُوحٍ أَخَذَ بِكِتَابِ نُوحٍ وَ شَرِيعَتِهِ وَ مِنْهَاجِهِ،حَتَّى جَاءَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالصُّحُفِ وَ بِعَزِيمَةِ تَرْكِ كِتَابِ نُوحٍ لاَ كُفْراً بِهِ، فَكُلُّ نَبِيٍّ جَاءَ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَخَذَ بِشَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ وَ مِنْهَاجِهِ وَ بِالصُّحُفِ، حَتَّى جَاءَ مُوسَى بِالتَّوْرَاةِ وَ شَرِيعَتِهِ وَ مِنْهَاجِهِ وَ بِعَزِيمَةِ تَرْكِ الصُّحُفِ، فَكُلُّ نَبِيٍّ جَاءَ بَعْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَخَذَ بِالتَّوْرَاةِ وَ بِشَرِيعَتِهِ وَ مِنْهَاجِهِ، حَتَّى جَاءَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالْإِنْجِيلِ وَ بِعَزِيمَةِ تَرْكِ شَرِيعَةِ مُوسَى وَ مِنْهَاجِهِ،فَكُلُّ نَبِيٍّ جَاءَ بَعْدَ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَخَذَ بِشَرِيعَتِهِ وَ مِنْهَاجِهِ حَتَّى جَاءَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، فَجَاءَ بِالْقُرْآنِ وَ بِشَرِيعَتِهِ وَ مِنْهَاجِهِ، فَحَلاَلُهُ حَلاَلٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَ حَرَامُهُ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهَؤُلاَءِ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمْ السَّلاَمُ).
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً" (المدثر 52)، و ذلك لتكبّرهم و غرورهم الفارغ بحيث يتوقعون من اللّه تعالى أن ينزل على كلّ واحد منهم كتابا. صحف: جمع صحيفة، و هي الورقة التي لها وجهان، و تطلق كذلك على الرسالة و الكتاب. و هذا نظير ما جاء في الآية (93) من سورة الإسراء: "وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ". و كذا في الآية (124) من سورة الأنعام حيث يقول: "قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّه". و على هذا فإنّ كلّا منهم يتنظر أن يكون نبيّا من اولي العزم و ينزل عليه كتابا خاصّا من اللّه بأسمائهم، و مع كل هذا فليس هناك من ضمان في أن يؤمنوا بعد كل ذلك. و جاء في بعض الرّوايات أنّ أبا جهل و جماعة من قريش قالوا للنّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لا نؤمن بك حتى تأتينا بصحف من السماء عليها فلان ابن فلان من ربّ العالمين، و يأتي الأمر علنا باتباعك و الإيمان بك. و لذا يضيف في الآية الأخرى: كَلَّا ليس كما يقولون و يزعمون، فإنّ طلب نزول مثل لهذا الكتاب و غيره هي من الحجج الواهية، و الحقيقة "بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ" (المدثر 53). إذا كانوا يخافون الآخرة فما كانوا يتذرعون بكل هذه الذرائع، ما كانوا ليكذبوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ما كانوا ليستهزئوا بآيات اللّه تعالى، و لا بعدد ملائكته، و من هنا يتّضح أثر الإيمان بالمعاد في التقوى و الطهارة من المعاصي و الذنوب الكبيرة، و الحقّ يقال إن الإيمان بعالم البعث و الجزاء و عذاب القيامة يهب للإنسان شخصية جديدة يمكنه أن يغير إنسانا متكبرا و مغرورا و ظالما إلى إنسان مؤمن متواضع و متق عادل. ثمّ يؤكّد القرآن على أنّ ما يفكرون به فيما يخصّ القرآن هو تفكّر خاطئ: "كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ" (المدثر 54-55). فإنّ القرآن الكريم قد أوضح الطريق، و دعانا إلى التبصر فيه، و أنار لنا السبيل.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: وفي الدر المنثور، أخرج ابن مردويه بسند رواه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله "إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ" (الواقعة 77-78) قال: عند الله في صحف مطهرة "لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ" (الواقعة 79) قال: المقربون. أقول: وتفسير المطهرين بالمقربين يؤيد ما أوردناه في البيان المتقدم، وقد أوردنا في ذيل قوله "هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ" (الجاثية 29)، حديثا عن الصادق عليهالسلام في الكتاب المكنون. وفي المجمع: في قوله تعالى "لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ" (الواقعة 79) وقالوا: لا يجوز للجنب والحائض والمحدث مس المصحف: عن محمد بن علي عليه السلام. أقول: المراد بمس المصحف مس كتابته بدليل الروايات الأخر. وفي الكافي، بإسناده عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن التعويذ يعلق على الحائض قال: نعم لا بأس. وقال: تقرؤه وتكتبه ولا تصيبه يدها. وفي الدر المنثور ، أخرج عبد الرزاق وابن أبي داود وابن المنذر عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه قال: في كتاب النبي صلى الله عليه وآله لعمرو بن حزم: ولا تمس القرآن إلا عن طهور.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat