صفحة الكاتب : سمير داود حنوش

الوير العراقي في خليجي البصرة
سمير داود حنوش

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

على هامش شُهرته بأكلة السمك المسكوف والكباب المشوي تتزامن معها عادة موروثة من تقاليد المجتمع البغدادي لازالت تُسجّل حضوراً بالرغم من تغيير الأزمنة والأنظمة السياسية.

عندما تتسوّق من البقّال وأردت أن تدفع له ثمن التسوّق يقول لك (خليهه علينه) وإذا صعدت في تكسي وأوصلك إلى حيث تُريد ومددت يدك إليه بِثمن الأُجرة خاطبك السائق (خليهه على حِسابي).

أينما ترحل أو ترتحل في أسواق ومقاهي وسيارات الأُجرة في العراق تجد ذلك الكرم الحاتمي الذي يأبى أن يُغادر شخصية العراقي وأخلاقه.

ربما لايعرف الكثير من إخواننا (الخلايجة) معنى كلمة (الوير) التي يمتاز بها العراقيون وهي تعني أن يُسدّد الرجل ثمن الطعام أو الشراب الذي يتناوله أصدقائه من حِسابه الخاص.

وكثيراً ما كان الصُراخ بهذه الكلمة في المقاهي يتعالى عندما يدخل شخص إلى مقهى ويُقَدّم له الشاي ليجد أحد أصدقائه قد صاح (وير) بما معناه أن ثمن إستكان الشاي سيكون على حِساب ذلك الصديق، وطالما إشتّد التنافس بين الحاضرين في المقهى بالأسبقية في الدفع.

ومن طرائف الوير في المجتمع البغدادي أنَّ المرحوم الشيخ ضاري شيخ قبائل زوبع كان جالساً ذات يوم في أحد مقاهي الكاظمية عندما سَمِعَ الجالسون يصيحون (وير) كُلّما دخل أحد أصدقائهم، حيث لم يكن الشيخ يَعهد بذلك من قبل لِقلة إرتياده المقاهي، فسأل عن معنى الوير، ولمّا عرف معناها هتف يُخاطب صاحب المقهى (أنا أخو فاطمة...ورور على الحاضرين كُلّهم) ولم يُغادر المقهى حتى دفع حِساب جميع مَن كان هُناك.

مِن ذِكريات زمن الحِصار الذي فَرَضَ على العراقيين ظروفاً إقتصادية صعبة وحياة معيشية أقسى، أنَّ تاجراً عربياً زار صديقاً له في بغداد من أيام ذلك الزمن للإطمئنان عليه والإتفاق على بعض الأعمال التجارية، حين تفاجئ أن صاحبه البغدادي قد سافر لِعدة أيام خارج البلد لأغراض التجارة، لم يَكد الضيف يُطيل التفكير في كيفية قضاء وقته ببغداد حتى بادره أحد الموظفين العاملين في محلات صاحبه بدعوته إلى وليمة غداء في بيته المتواضع، إستجاب لها الوافد، رد الفِعل كان الدهشة والإستغراب من ذلك الكرم لِرجل بإمكانيات مُتواضعة كانت تتوسّط مائدته أكلة السمك المسكوف وبعض المُسمّيات البغدادية من الأكلات، ظل الضيف حابساً مشاعره إلى أن أكمل وجبته حينها قال لِصاحب الوليمة إذا كانت هذه وليمتك فكيف تكون وليمة ربّ عملك.

كان هذا الكرم في ظل ظروف قاسية لايُمكن تخّيل صعوبتها عندما كان العراقيون يأكلون الرز المخلوط بنوى التمر المطحون، حين لم يُغادر الكرم الحاتمي حياتهم مع ضيوفهم.

يستغرب أهلنا في الخليج وهم يزورون البصرة الفيحاء بِمُناسبة خليجي البصرة لِكُرة القدم من كل ذلك السخاء والكرم والإيثار في العطاء لإهل البصرة وهم يعلمون جيداً أن شعباً مثل العراقيين لم يبخل على إخوته العرب بِدماء أبنائه وتضحياتهم في سبيل الأرض والعروبة في معارك التحرير لِيهون بعده أيُّ سَخاء.

ما يتحدّث به الضيوف الذين يزورون البصرة من كرم وشهامة أهلها وتنافسهم من أجل الظفر بِضيافة الضيوف إنعكاس للوير العراقي الذي يأبى أن يترك موطنه.

أحلى ما في الوير العراقي أنّك تجد أن أهله يتصارعون، يتخالفون، وربما يتعاركون من أجل التسابق لِتقديم الكرم وهو أجّود أنواع الأخلاق التي تُقدّم لإخوة عرب تربطهم أوآصر دم وإخوّة ومصير مُشترك.

يا ضيفنا إن زُرتنا لوجدتنا نحنُ الضيوف وأنت صاحبُ الدارِ... كم أنت مُوَروِر ياعراق.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سمير داود حنوش
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/01/09



كتابة تعليق لموضوع : الوير العراقي في خليجي البصرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net