لصقت بدلتي بجلدي؛ منذ يومين لم أرَ الراحة، عدد الوافدين كبير والكادر الطبي قليل بالنسبة لهذا الكم الكبير، تلك الأقنعة التي نضعها على وجوهنا كادت أن تنفد -لا شيء أحوج للإلجام أكثر من ألسنتنا- تكثر تردداتي في تلك الردهات التي يدلي الموت ساقيه من فوق اسطحها مكشراً عن أنيابه، ليتلهم ما لذّ له وطاب، من أطفال ونساء ومشايخ! كم مرة تطلع فيّ؟ كم لاك لسانه ليستذوقني؟
دفعني زميلي لغرفة الاستراحة، خذ قسطاً من الراحة، فالحرب لم تذكِ اوارها بعد، لتنشط في السجالات القادمة، القيت جسدي المنهك على الأريكة، كانت وجوه المرضى تستعرض أمامي تفاصيل تلك التقلصات التي تعتريها من اعراض تلك اللعينة! شعرت بخيوط شبكة الموت تزحف حولي ببطء! الساقان ما زالتا تتدليان من السقف، وتلك الضحكة المستفزة لا تفارق محياه.
ضيق في التنفس ينتابني، وكأن شباك الموت بدأت تلتف حول رقبتي، كلاهما يتدليان، ساقاه وقنينة الأوكسجين..!
لا أدري كم ساعة رقدت، ومتى وضعت لي تلك الانبوبة المتدلية من قنينة الأوكسجين! الغرفة موحشة، لوحدي ارقد هنا، امس كنت أعالِج الناس، والآن أنا أعالَج! صراخ يعلو في تلك الغرفة المجاورة لي، خطوات مسرعة، قلوب لهثى، خطواتي لا تحملني إليهم. استندت إلى الجدار حتى وصلت، المنظر رهيب؛ طفل يعارك الموت لينجو، ولا توجد قنينة أوكسجين! أنا طبيب وإن كنت مصاباً، نزعت تلك الفوهة، البستها له، تشعبت الشباك حولي، وكبر فم الموت، أنا لست ميتاً، أنا ولدت من جديد؛ حين وهبتُ حياتي لذاك الطفل.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat