أمّا وقد انجلى شيءٌ من غبار الطَّفِّ، فتعال يا صاحبي أُسلِّم معك جدلا أنّ الله تعالى قد نجّى موسى من فرعون وجنوده في يومٍ يوافق العاشر من محرّم الحرام (جدّا) عندنا، وأن تقاويم اليهود توافق تقاويمنا، وإنْ لم توافقها جعلناها كذلك عنوة لأجل عينيك، فلا تغضب.
هل إفترضت معي ذلك؟ ... جيّد، هذا جيّد. هل أنصفتك يا صاحبي؟ ... الحمدلله.
ولنفترض بالمِثل أنّ القوم كانوا يصومون هذا اليوم شكرا لربّ موسى على نجاتهم مع نبيّهم، فإنّ الله لم ينجِ موسى وحده بل لقد كان معه رهطٌ من بني إسرائيل. فلو صحّ أنّهم صاموا عاشوراء فهل تعتقد أنّ عقِبَهم قد فعلوا ذلك حبّاً في موسى أم لأجل نجاتهم هم. بل لقد كان، لو أنّهم فعلوه، لأجل نجاتهم لا لنجاة غيرهم، ولو كان نبيّا؟ أَمَا قرأت تشريح نفوسهم في كتاب الله تعالى؟
ثمّ اعلم، يا هداك الله، أنّه حقيق على الله أن ينجيَ موسى من الغرق، فإنّه هو، جلّ ذكره، الذي أوحى إليه أن يضرب البحر بعصاه. فإنْ لم تعتقد بلزوم نجاة الكليم فإنّك تتّهم الله تعالى أنّه متردّد في أمر نجاة نبيّه، تعالى الله عمّا تصفون. فإنّ موسى لم يشكّ أبدًا في أنّ ربّه معه وأنّه هاديه، فَمُنجيه. ولم يكن أصحاب موسى كذلك، إذْ قالوا "إنّا لمُدرَكون". ولو شاء الله تعالى أن ينجيَ موسى دون أصحابه لَفَعل، سبحانه لا يعييه ذلك. وبذلك فإنّ الصّوم اليهوديّ المزعوم في عاشوراء، لو قد صحّ، كان احتفالا بنجاة ذلك الرّهط من بني إسرائيل الذين كانوا مع موسى، لا بنجاة موسى فإنّ نجاته ليس فيها شكّ ولا تردُّدٌ ولا بِدَاء. ونجاته لو أنّك قد تنبّهت معجزة قد خلت من قبلها معاجز أكبر منها لموسى، ففِيما الصّوم لهذه وترك الأخرى وهي أكبر؟
ثم إنّك لو قد قرأت في "الشّعراء" لعلمتَ أنّ الله تعالى قد أرْدَفَ ذكر هذه القصّة بمعجزة أخرى لنجاة إبراهيم عليه السّلام من النّار إذ ألقاه قومه فيها، وما رأيناكم تحتفلون بذلك، والحالُ أنّ العاقل يتوقّع للمرئ جواز نجاته من الماء سباحةً بنفسه ولا يتوقّع له أبدا النّجاة بنفسه من نار مؤصدة، لو قد عَقَلتها. فهل يُقَاسُ لك ذلك؟
ثم أنصفني يرحمك الله. هل إنّنا حقّاً أولى بموسى من بني إسرائيل كما في الحديث المزعوم لهذا الصّوم؟ فإنّني ما سمعت أنّ موسى تبرّأ من قومه، وقد مضى وهم على شريعته وإنّهم لم يغيّروا إلّا بعده، وهو سائقهم يوم الحشر. ولسنا بمسؤولين عن شيء من شريعته ولا من هديه، فإنّنا لم نُسأل إلّا عن إيمانٍ بِنبوّته وبكتابه، وقد فعلنا. وهم أيضا يؤمنون بذلك، إذ لم يقولوا إنّه ربٌّ. ثم إنّ الله تعالى قد نجّى المسيح عيسى بن مريم الصّدّيقة من الصّلب وما رأيناكم تحتفلون بذلك ولا قلتم إنّكم أولى به من قومه وهُمْ هُمْ أنفسهم لا غيرهم. ولا هم قتلوا موسى كما قد فعلوا بغيره. قد آمنّا بنبوّته كما آمنوا ولا نُسأل عن غير ذلك، وهم يُسألون. فأنصفني، هل إنّ موسى يأتي يوم القيامة سائقا لنا شاهدا علينا أم لليهود سائقا وعليهم شهيدا؟
الحقَّ أقول لك، لسنا أولى بموسى من قومه ولا نُدعى يوم القيامة به ولا هو يُسأل عنّا ولسنا بمسؤولين اليوم ولا غدا إذا حُشِرْنَا عن شيء من شِرعته ومنهاجه. ولو شاء الله لبعثه لهم ولنا، فإنّ الله لا يعييه ذلك لو قد علمت، تعالى جدُّ ربّنا. لا يكون من ذلك شيء ولم يقم على ذلك دليل.
فهل إنّنا نُدعى يوم حشرنا بموسى أم بالنبيّ الأمّيّ الذي قَتَلَ رهطٌ من أصحابك حفيده وأهلَ بيته وسَبوا عياله في العاشر من ذات محرّم؟ لا ينكر ذلك أحد ولو كان من قاتليه. ولقد قتلوهم وهُمْ موقنون بنسب الحسين وعيال النبيّ أكثر من يقينهم بنسب أبنائهم هُم إلى أنفسهم. فتفكّر وأنصف يرحمك الله.
فلو أنّه التقى عليك في بيتك فرح مع مصيبة لمنعتك الأخيرة من الأوّل. إلاّ أن يكون الفرح فرحك وأنّك ترى نفسك بعيدا عن صاحب المصيبة. فكيف بك لو ثبت لك اليوم أو غدا حين تُحشر أنّ المصيبة كانت لك وأنّ الفرح كان لغيرك، ويشتدّ عليك الكرب يومها إذا ما ذكرت أنّهم أشدّ النّاس عداوة للذين آمنوا وأنّك، وأنا معك، في تلمودهم "حيوانات على هيئة آدميّين".
ثمّ دونك اليهودُ إن شئت فاستفتهم أئنّهم لَيَصُومون اليوم أو أنّهم قد صاموا في ما خلى ما يوافق عاشر محرّمنا؟ إنّه ليس لهم من صيام عاشرٍ إلّا ما يسمّونه بعبريّتهم "عساره (عشرة) بطيفيت" في الشّهر الأخير أو مطلع الشّهر الأوّل من السّنة الشّمسيّة. وصومهم هذا لو أنّك قد تنبّهت قد كان حدادا منهم على حصار مدينة القدس حصارًا ممهِّدا لخراب ما يعتقدونه هيكلهم. أفإنّك لَتَحِدُّ معهم على ذلك؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat