صفحة الكاتب : عبد الناصر السهلاني

الشهيد الصدر ودفاعه عن إمامة اﻹمام محمد الجواد
عبد الناصر السهلاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في حديث سنده معتبر يرويه الشيخ الكليني (طاب ثراه) في الكافي عن “الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن علي بن أسباط قال: رأيت أبا جعفر (عليه السلام) وقد خرج علي فأخذت النظر إليه وجعلت أنظر إلى رأسه ورجليه، لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتى قعد، فقال: يا علي إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة فقال: {وآتيناه الحكم صبيا} و {لما بلغ أشده}، {وبلغ أربعين سنة} فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبي، ويجوز أن يؤتاها وهو ابن أربعين سنة.” (ج1، ص384).

الإمام الجواد (صلوات الله و سلامه عليه) تسلم الإمامة وعمره لا يزيد على سبع سنين، وكان لهذا الأمر الملفت والغريب في حياة الأئمة (عليهم السلام) اختبار وابتلاء كبير للشيعة فلم يعهد فيمن سبقه من آبائه الكرام، من تسلم الإمامة وهو صبي، فشكك الكثير في إمامته (عليه السلام).

وقد تناول هذا الموضوع الشهيد السيد محمد باقر الصدر( قدس سره) في إحدى محاضراته ورد هذا التشكيك بطريقة حساب الاحتمالات من فرض أربعة فروض مخالفة للاعتقاد الصحيح بإمامته من قبل الشيعة، وانهم انصاعوا له بلا علم ولا دراية وقام السيد بردها.

وقد اختصرتُ هذه الفروض وردها بتصرف يسير بالعبارة وتقديم بعض الفروض على غيرها بما لا يخل بالمطلب، وهي كما يلي:

الفرض الأول: إن الطائفة الشيعية لم تكن مدركة لمفهوم الإمام والإمامة والشروط المطلوبة بل تتصور المسالة تسلسل نسبي ووراثي كما هو في القبائل.

وهذا الفرض يكذبه واقع التراث المتواتر المستفيض من أمير المؤمنين ِإلى الإمام الرضا (عليهما السلام) عن شروط الإمام وعلامات الإمام، فالتشيع ارتكز بصورة أساسية على المفهوم الإلهي المعمق للإمامة، وهو: ان الإمام إنسان فذ فريد في معارفه وأخلاقه وقوله وعمله، وهذا المفهوم بشرت به نصوص مستفيضة جدا، فكل الخصوصيات وكل التفاصيل أصبحت بالتدريج واضحة في ارتكاز الطائفة وذهنيتها ومحددة عندهم.

الفرض الثاني: المستوى العلمي والفكري العام للطائفة وقتئذ كان من الممكن ان يعبر عليه هذا الموضوع، فمن الممكن ان تصدق بإمامة طفل وهو ليس بإمام.

وهذا أيضا يكذبه الواقع التأريخي لهذه الطائفة وما وصلت إليه من مستوى علمي وفقهي، فبجهود الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) خلفا أكبر مدرسة للفكر الإسلامي على الإطلاق المدرسة التي تكونت من جيلين متعاقبين، جيل تلامذة الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) وجيل تلامذة تلامذة الإمامين (عليهما السلام) هذان الجيلان كانا على رأس هذه الطائفة في ميادين الفقه والتفسير والكلام والحديث والأخلاق وكل جوانب المعرفة الإسلامية. فمن المستبعد جدا ان تنطلي على مثل هكذا مجموعة إمامة طفل وهو ليس بإمام.

الفرض الثالث: ان الطائفة لم يتكشف لها جيدا وضع هذا الصبي ولم يكن واضحا لديهم مؤهلاته فأخذوا بإمامته مسلمين للأخبار التي وردتهم بإمامته.

وهذا الفرض مردود، لان زعامة الإمام الجواد (عليه السلام) لم تكن زعامة محوطة بالشرطة، والجيش، وأبهة الملك، الذي يحجب بين الزعيم ورعيته، ولم تكن زعامة دعوة سرية من قبيل الدعوات الصوفية التي تحجب بين رأس الدعوة وبين قواعد هذه الدعوة لكي يفترض أن هذا الرأس كان محجوبا عن رعيته مع إيمان الرعية به.

فإمام أهل البيت (عليهم السلام) كان مكشوفا أمام الطائفة وكانت الطائفة بكل طبقاتها تتفاعل معه مباشرة في مسائلها الدينية وفي قضاياها الروحية والأخلاقية، والإمام الجواد (عليه السلام) قضى اكثر عمره وهو على المسرح مكشوف أمام المسلمين وفيهم الشيعة المؤمنون بزعامته وإمامته، وقد سلطت عليه أضواء خاصة من قبل المأمون العباسي في مسالة المناظرات أمام مخالفيه.

الفرض الرابع: ان هذه الطائفة اتفقت وتبانت كذبا وزورا على إمامة هذا الصبي لمصلحة لها، وفي قرارة نفسها لم تكن مقتنعة بكونه إماما حاله حال من سبقه من آبائه (عليهم السلام).

وهذا الفرض مما لا يكذبه إيماننا الشخصي بورع هذه الطائفة فحسب بل يكذبه الظرف الموضوعي لهذه الطائفة أيضا، فلم يكن التشيع في يوم من الأيام في حياة هذه الطائفة طريقا إلى الأمجاد، إلى المال، إلى الجاه، إلى السلطان، فالتشيع طيلة هذه المدة كان طريقا إلى التعذيب، إلى السجون، إلى الحرمان، إلى الويل، كان طريقا للعيش في حياة الخوف والتقية، فلماذا يتبانى عقلاء هذه الطائفة وعلماؤها على امامة صبي باطلة وهي تكلفهم كثيرا من ألوان الحرمان؟ فالظروف الموضوعية للطائفة كانت بنفسها تشهد على اعتقاد حق بهذه الإمامة.

المصدر: كتاب أئمة اهل البيت (عليهم السلام) ودورهم في تحصين الرسالة الاسلامية) ص:(402 – 406)

والسلام على أبي جعفر محمد بن علي الجواد يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا

والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على محمد وآله ابدا.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الناصر السهلاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/02/10



كتابة تعليق لموضوع : الشهيد الصدر ودفاعه عن إمامة اﻹمام محمد الجواد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net