الواقعُ الثقافي العراقي وأهمية دراسته
فرقد الحسيني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
فرقد الحسيني

المتتبع للواقع الثقافي في العراق قبل سقوط اللانظام السابق، يلاحظ وبشكل جلي، أن المشهد الثقافي، لايمثل الثقافة العراقية الحقيقية، فقد دأبَ النظامُ السابق على تعبئة هذه الثقافة بالاتجاه الذي يتوافق مع توجهاته السياسية، وبالتحديد توجهات وأفكار (القائد الرمز)، كما كان يلقب به رئيس النظام، وبذلك أصبح المثقفُ الذي يدورُ في فلك النظام هو المثقف صاحب الحظ، فيأخذ النصيب الأوفر من النشر والإعلام، إضافة الى الهبات المالية التي كان النظامُ يغدقها عليه، كونه يصفق لخساراته، ويحولها وبشكل غير أخلاقي الى انتصارات وهمية!
أما الواجهات الثقافية آنذاك، فقد أصبحت مجرد (فلاتر) لايمر من خلالها إلاّ من يجيد ثقافة التمجيد وقلب الحقائق، مع وجود نفر قليل في تلك الواجهات، حاولوا وبصعوبة بالغة المحافظة على هويتهم الثقافية، ودفع رسالتهم باستخدام الرمزية في أحيان كثيرة...
وكانت هذه المحاولات خجولة ومرتبكة وخائفة في أغلب الأحيان، لكنها لاتخلو من مسايرة الواقع نتيجة العوز المادي، خصوصاً في ظروف الحصار الصعبة، أو محاولة عدم التفريط بالجانب الوظيفي.
أما المثقف العراقي الحقيقي، فقد نأى بنفسه جانباً، ليكون بعيداً عن إملاءات النظام وتوجهاته، مع أن ثمن ذلك كان باهظاً، حيث أصبح بعيداً عن الأضواء، وعن استحقاقاته في النشر والإعلام، لكن ذلك كان رغبة منه في المحافظة على هويته الثقافية التي يجب أن تكون من أجل الإنسان وهمومه وتطلعاته، وبعيدة كل البعد عن الثمن المقابل؛ وقد دفع الكثير من هؤلاء حياته ثمناً لقصيدة أشار فيها إلى الظلم الواقع على الإنسان العراقي من جراء سياسات النظام، أو السجن والإقصاء بسبب نصّ ناطق بالحق، كتبه صاحبه شعوراً منه بأن السكوتَ عن الحق جريمة لاتُغتفر.
أمّا القسم الآخر فلم يجد بُدّاً من الهجرة الى خارج الوطن، ليُمارس رسالته الإنسانية بكل حرية، وليقول كلمة الحق بدون الالتفات إلى الوراء خوفاً من عيون وآذان الرقيب؛ وقد عاش هذا الأخير معاناة الغربة، والتي ربما فجّرت في نفسه مكامن طاقاته الثقافية، ساعده في ذلك وجود الإعلام الذي من خلاله استطاع نشر تلك الرسالة، وإيصالها إلى محطات كثيرة، ومنها محطات اخترقت جدار العزلة التي أطبقها النظامُ السابق على المواطن العراقي.
أما اليوم، وبعد التحول الكبير الذي حصل في العراق، فإننا نلاحظ المشهد الثقافي بواجهاته كافة، يعاني الإرباك الواضح، والتمزق الحاصل في الجوانب التنظيمية والقيادية للواجهات الثقافية؛ ويؤشر ذلك كثرة الانتخابات في تلك الواجهات، نتيجة تكرار عدم التوافق بين أعضاء الهيئات الإدارية والهيئات العامة، وتشكيل واجهات جديدة، تستقطب أعضاء من الواجهات السابقة. وهذه الإشكاليات تأتي نتيجة لظروف عدة منها: قلة التموين، والأمية الثقافية، وعدم تفهم البعض لرسالته الثقافية، والتي يجب أن يكون مرتكزها الأهم هو العطاء وليس الثمن المقابل. وقد شجّع على هذه السلبية، كثرة الواجهات الحزبية، والتي استقطبت البعض من تلك الواجهات الثقافية، ظنّاً منها أن تلك الواجهات ربما تستطيع التأثير في الوسط الاجتماعي، وتدفع بالمواطنين نحوها.
أما الجانب الحكومي، فقد تلكأ كثيراً في رفد الواجهات الثقافية الحقيقية في الدعم والتشجيع، لكي تنهض وبشكل واضح بالواقع الثقافي، ليكون ذلك عاملاً مهماً في الاستقرار والتقدم. أما الوزارة التي يجب أن يكون جُلّ اهتمامها تقدم الوعي، وتنشيط الجوانب الثقافية، ومراعاة الواقع الثقافي وتقويمه، فقد لعبت المحاصصة الدور المهم في ابتعاد الوزارة عن تحقيق تلك الأهداف، وهذا مايلاحظ وبشكل واضح في الفترات السابقة.
بعد هذا الاستعراض السريع للواقع الثقافي العراقي، نجد أن من الواضح أهمية دراسة هذا الواقع بشكل جِدّي وعلمي، للوقوف على متطلبات المرحلة، وما تعنيه الثقافة في التغيير نحو بناء دولة متحضرة في جميع جوانبها، ومن الضروري أن تشملَ هذه الدراسة الواقع الثقافي في عموم العراق.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat