فن تشكيلي  (الشرق في لوحات الغرب)
حسين الشيخ       

الاستشراق أو رسم لوحات المستشرقين، ظواهر متكررة ومتوفرة في سوق بغدادي في شارع الأصفر حيث منطقة (الكرادة - داخل) يختص معظم رساميه وأصحاب المحال برسم لوحات المستشرقين، أي نسخها حرفيا من قبل رسامين عراقيين، ومن ثم بيعها للسائحين أو لمن يعجبه اقتناء مثل هذه الأعمال. 
كوني أمارس مهنة الرسم، وأتابع الحركة التشكيلية بكل مدارسها، استوقفتني لوحات كثيرة تابعة لمدرسة الاستشراق، وهي عبارة عن لوحات رسمتها أيادي وعقول غير عربية، وكان الجدل قائما بين أروقة الشباب من الرسامين العراقيين، حول عبقرية أولئك المستشرقين الذين لم يتركوا شاردة ولا واردة إلا ووضعوها على سطوح لوحاتهم المنمنمة حيث الزخارف والدقة في رسم السجاد والجدران الإسلامية والمساجد وغيرها من المناظر التي تعكس صورا عن البيئة الشرقية، لايُنكر أحد بأن لوحات المستشرقين (الأصلية) متقنة من حيث المنظور والبُعد والإبداع في التخطيط واللون واختيار الموضوع وغيره، لكننا إذا ما تعمقنا في تأريخ أولئك الرسامين القادمين من الغرب إلى أرض العرب، فسنجد أن لكل واحدٍ منهم حكاية وظرفا معينا، ولكن بالمحصلة عندما تتأمل تلك اللوحات بنوع من التبصر والإدراك نجد أن هنالك أهدافا وغايات أكبر من عملية البحث عن الجمال الشرقي، وأكبر من مجرد دراسة للواقع الشرقي من خلال ريشة فنان... 
الأمر يفوق ذلك بكثير، فمن خلال اطلاعنا على مواضيع لوحاتهم المتقنة، وجدناها ترمز إلى الكثير من القضايا التي تنال من أصالة العرب والمسلمين، رب سائل يسألني بأنني قد أكون غير منصف بطرحي هذا أو متجنٍ على أولئك الدهاة في عالم الرسم؛ والحقيقة تقف وراء مواضيع لوحاتهم التي تترجم الرصد للحالات السلبية التي تحدث في العالم الشرقي، أتخطر هنا إحدى اللوحات التي شاهدتها لرسام أجنبي يدعى "جيروم" حيث رسم مسجدا فيه مجموعة من طلبة العلم، ويظهر في اللوحة رجل كبير كان يحمل بين أصابع يده اليمنى مصحفا أو كتابا دينيا، وبجانبه حذاء بذات اليد!! أو لوحة أخرى فيها منسوجات عربية وعليها أثر النجمة السداسية!! أو في لوحات أخرى يكون لعلامة الصليب نصيب في ذلك...!! 
من هنا عندما يركز المشاهد على هكذا أعمال، فسيجد أن الكثير من هذه الأعمال جاءت منسجمة مع عمليات التنصير والتبشير التي تم التركيز عليها فيما مضى.. يعتصرنا الألم وتصيبنا الدهشة! عندما نجد أن مبدعينا يبيعون كفاءاتهم من خلال نسخ تلك الأعمال التي تهدف إلى تعطيل وتشويه حضارة العرب والمسلمين، مقابل بضعة نقود لا تسد حاجة قوتهم ليومين فقط، نعم إن الفنان والأديب العربي والعراقي - تحديدا - تقع على عاتقه مسؤولية النقد والتقويم لإصلاح ما أفسده الدهر بمجتمعه، وهذا من الحرص والشعور بالانتماء. لكن أن يوظف إبداعه ليسخره للآخرين للنيل والانتقاص من قيمة ومقام تأريخه وحضارته، فهذا ما لا نرتضيه، ويجب أن نعي تماما أن الآفاق قد توضحت، والإنسان العراقي بدأ يتحرر من تلوث الأمس، وبدأنا نشعر ونلمس عمق المؤامرات التي كانت ولا تزال تُحاك وتُدبر بليل.. وعلينا أن ندرك أن زمن النوم والغفلة قد ولى وبدأ زمن التقصي والبحث.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسين الشيخ       

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/02



كتابة تعليق لموضوع : فن تشكيلي  (الشرق في لوحات الغرب)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net