قتلوا بقتلك التهليلا والتكبيرا
سعد العابدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سعد العابدي

أن ما عاناه مولى الموحدين من الم وغصص بعد فقد النبي الأمين لا لشيء الأ لانه كان الداعية الأكبر والمؤمن الأوحد لإنصاف الدين والإنسان...
أنصاف الدين من تحريف المبطلين وتزيف المنافقين ... وانصاف الأنسان بتحريره من عبادة الهوى وطاعة المستكبرين..
فقاتل في سبيل ذلك وصبر وهاجر وأحتسب وأوذي في ذلك اعظم الأذى .. قاتلوه لأنه حق وهم موقنين بأنه حق لاشك فيه، فليس علي من الرجال الذين الفوهم ليتنازل للباطل،
كان علي يدور في فلك الله والرسول ولا يخطئ قيد أنملة
كان مشفقا عليهم رحيما بهم .. لكن حاجز الجاهلية وعصبيتها وغرورها في أنفسهم كان حائلا دون هدايتهم وتغير حالهم،
كان ينظر لهم بعين القران وهدايته ورحمته لتزكيتهم وكمالهم، وكانوا ينظرون اليه أنه الحائل دون تحقيق احلامهم ونيلهم السلطة والمال والشهرة فزاد عدله وورعه في حنقهم وحقدهم عليه، فجيشووا جميع ما لديهم من جيوش مادية ومعنوية، تحيلوا وتحايلوا عليه وجمعوا أمرهم وكادوا كيدهم فكانت صفين نفاقهم ونهروان احقادهم وجمل شهواتهم وحبهم للسلطة، ومع هذا كله أبى علي ألا أن يكون علي وأبوا هم الا أن يكونوا دعاة الجهل ومردة النفاق وقاتلي حلم الأنبياء في إقامة دولة العدل الألهي.
فخاب سعيهم واحلامهم وهلكوا وطواهم النسيان وأن ذكرهم ذاكر فإنما للعنهم بما شاقول الله ورسوله وولاة الأمر المنصوص عليهم من بعده ، هلكوا وبقي علي
وما قتلوه، بل بقي خالدا على مدار التأريخ يدور مع لياليه وايامه حيا بنهجه وسيرته وقيمه وأخلاقه ومبادئه التي عجت بها الدنيا، فكان ملجئ كل شارد ونبعا صافيا لكل شارب،
من تذوق كلام علي لا يطيب له سماع غيره فكلامه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين، من رأى جمال علي زهد بجمال الدنيا وما فيها واغمض عينيه عما سواه، ومن ذاب قلبه وفؤاده بعشق علي لم يبال بحياة أو بموت ..
عزائنا سيدي بفقدك فقد أصبنا بك ياحبيب قلوبنا وما أعظمه من مصاب.. ولعل في حديث الاصبغ بن نباته في أخر اللحظات عند مصابك عزاء لنا، فتأمل عظيم ما جاش به فؤاد مولى الموحدين في حديثه مع الأصبغ فقد قال دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) في الليلة التي أصيب فيها فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء فلم أشعر أن وجهه أشد صفرة من العمامة أوأشد صفرة منه.. وقد نزف الدم.. واصفر وجهه.. فأكببت عليه فقبلته وبكيت. فقال لي: لا تبك يا أصبغ.. فإنها والله الجنة فقلت له: جعلت فداك إني اعلم والله انك تصير إلى الجنة، وإنما أبكي لفقدك يا أمير المؤمنين ثم دعى بابنيه الحسن والحسين وفتح يده وضمهما إلى صدره وعيناه تهملان دموعاً، ثم أغمي عليه ساعة طويلة وأفاق، وإذا هو يرفع فخذا ويضع أخرى من شدة الضربة وكثرة السم.
فقال لي: يا أصبغ أما سمعت قول الحسن عن قولي؟
قلت: بلى يا أمير المؤمنين، و لكني رأيتك في حالة فأحببت النظر إليك، وأن أسمع منك حديثا.
فقال لي: اقعد، فما أراك تسمع مني حديثاً بعد يومك هذا، اعلم يا أصبغ أني أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عائدا كما جئت الساعة فقال: يا أبا الحسن اخرج فناد في الناس: الصلاة جامعة، واصعد المنبر وقم دون مقامي بمرقاة، وقل للناس: ألا من عق والديه فلعنة الله عليه، ألا من أبقَ من مواليه فلعنة الله عليه، ألا من ظلم أجيراً أجرتَه فلعنة الله عليه. يا أصبغ: ففعلت ما أمرني به حبيبي رسول الله، فقام من أقصى المسجد رجل فقال: يا أبا الحسن تكلمت بثلاث كلمات أوجزتهن. فلم أر جوابا حتى أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت ما كان من الرجل؟قال الأصبغ: ثم أخذ بيدي وقال: يا أصبغ ابسط يدك، فبسطت يدي، فتناول إصبعا من أصابع يدي وقال يا أصبغ كذا تناول رسول الله إصبعا من أصابع يدي، كما تناولت إصبعاً من أصابع يدك، ثم قال: يا أبا الحسن ألا وإني وأنت أبوا هذه الأمة، فمن عقنا فلعنة الله عليه، ألا وإني وأنت موليا هذه الأمة، من أبقَ عنا لعنة الله عليه، ألا وإني وأنت أجيرا هذه الأمة، فمن ظلمنا أجرنا فلعنة الله عليه، ثم قال: آمين. فقلت: آمين. قال الأصبغ: ثم أغمي على الإمام فأفاق وقال لي: أقاعد أنت يا أصبغ؟ قلت: نعم يا مولاي. قال: أزيدك حديثا آخر؟ قلت: نعم، زادك الله من مزيدات الخير.
قال: يا أصبغ لقيني رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض طرقات المدينة وأنا مغموم، قد تبين الغم في وجهي قال لي: يا أبا الحسن أراك مغموما، ألا أحدثك بحديث لا تغتم بعده أبدا؟ قلت: نعم قال: إذا كان يوم القيامة نصب الله منبرا يعلو منابر النبيين والشهداء ثم يأمرني الله أن أصعد فوقه ثم يأمرك الله أن تصعد دوني بمرقاة ثم يأمر الله ملكين فيجلسان دونك بمرقاة، فإذا استقللنا على المنبر لا يبقى أحد من الأولين والآخرين إلا حضر فينادي الملك الذي دونك بمرقاة معاشر الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا رضوان خازن الجنان، ألا إن الله بمنه وكرمه وفضله وجلاله أمرني أن أدفع مفاتيح الجنة إلى محمد، وأن محمدا أمرني أن أدفعها إلى علي بن أبي طالب، فاشهدوا لي عليه. ثم يقوم الذي تحت ذلك الملك بمرقاة منادياً يسمعه أهل الموقف: معاشر الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا مالك خازن النيران، ألا إن الله بمنه وكرمه وفضله وجلاله قد أمرني أن أدفع مفاتيح النار إلى محمد، وأن محمدا أمرني أن أدفعها إلى علي بن أبي طالب، فاشهدوا لي عليه. فآخذ مفاتيح الجنان والنيران، يا علي فتأخذ بحُجْزَتي، وأهل بيتك يأخذون بحُجْزتك، وشيعتك يأخذون بحُجْزة أهل بيتك. قال الإمام: فصفقت بكلتا يدي وقلت: وإلى الجنة يا رسول الله؟ قال: إي ورب الكعبة.
ثم نظر الإمام إلى أولاده فرآهم تكاد أنفسهم تزهق من النوح والبكاء، فجرت دموعه على خديه ممزوجة بدمه قال (عليه السلام): أتبكيا علي؟ ابكيا كثيرا واضحكا قليلا، أما أنت يا أبا محمد ستقتل مظلوما مسموما مضطهدا، وأما أنت يا أبا عبد الله فشهيد هذه الأمة وسوف تذبح ذبح الشاة من قفاك وترض أعضاؤك بحوافر الخيل ويطاف برأسك مماليك بني أمية وحريم رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسبى وأن لي ولهم موقفا يوم القيامة.
وأقبلت إليه أم كلثوم وزينب وهما يندبانه ويقولان من للصغير حتى يكبر؟ ومن للكبير بين الملا يا أبتاه؟ حزننا عليك طويل وعبرتنا لا تبرح ولا ترقا. فضج من كان حاضرا بالبكاء ففاضت دموع أمير المؤمنين على خديه وهو يقلب طرفه وينظر إلى أهل بيته.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat