أول أهداف الثورة الحسينية
هاشم الصفار
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هاشم الصفار

إن مثل هذا الهدف يرسم ملامح الغاية من السعي لمواجهة البغاة ونيل كرامة الشهادة من اجل الإسلام وتوعية المسلمين وإصلاح المجتمع من خلال إحياء السنة النبوية والسيرة العلوية لإنهاء الاستبداد وتحرير إرادة الأمة وإقامة الحق وتوفير القسط والعدالة لإنشاء مدرسة تربوية رفيعة، وإعطاء المجتمع شخصيته ودوره، فالتعبيرات الخطابية رسمت ملامح الموقف أو ما هو مخطط ومرسوم لهذه الثورة الجبارة إذ كتب عليه السلام إلى وجوه أهل البصرة: (أنا ادعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، فان السنة قد أميتت والبدعة قد أحييت فان تسمعوا قولي أهدكم سبيل الرشاد) (1)
نلاحظ تدرج الفاعلية التاريخية فاللحظة التاريخية لساعة احتضان الثورة مدت جذورها المُحكمة من كتاب الله وسنة نبيه من اجل أن تعانق الأمل المستقبلي المشروط بالمثابرة لنيل الرشاد، وجميع هذه الخطوات تنصب لخدمة المنحى السلوكي، ومحور خطابات الحسين (ع) تشكل لنا انطباعات تحمل دلالات الموقف الإصلاحي وتبين مساعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك حملت رسالة الحسين (ع) إلى أهل الكوفة التي أرسلها مع مسلم بن عقيل تقول:
(ما الإمام إلا العامل بالكتاب الآخذ بالقسط والدائن بالحق) ومن هذا الإدراك الدقيق لمعنى الإصلاح الثوري والتغيير الأسمى نحو الجذر الإسلامي، يعني إن الوضع العام كان يخلو من معاني الرشاد ويحتاج إلى إصلاح جذري حملت رايته الثورة الحسينية فخطب الحسين ليؤازر الأنصار ويكشف لهم عمق الجهاد الذي يخوضونه:
(ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به والى الباطل لا يـُتناهى عنه) ...
ومن واقع هذا التضاد المعاش نجد إن الملحمة المعطاءة قد خلقت ثقافة إنسانية يحصنها من الجور والطغيان فهي قد اعتبرت الجور اليزيدي من اكبر المنكرات الاجتماعية، ولابد من محاربته من اجل إحقاق الحق ودحر السلطة الغاشمة، فكان الوقوف ضدها يعتبر معروفا عظيما، وكان مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الأسباب الكامنة وراء انطلاق هذه الملحمة الفدائية الطف، وقد اقترن هذا المفهوم بدلالات النضوج الفكري العام الذي استوعبها ليؤكدها ضمن مفردات الزيارة، فما إن يقف الزائر وعلى مر الأجيال ليدلي بشهادته التاريخية:
(اشهد انك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وجاهدت في سبيل الله حتى أتاك اليقين) ...
ومن واقع الخطاب الحسيني لابد أن نلاحظ اقتران الأمر بالمعروف بالتضحية والاستعداد للشهادة مقترنة بالجمل نفسها:
(إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما) ونجد بالمقابل مقولة الأمر بالمعروف عند الوعي العام تقترن بمفردات التضحية: أمرت بالمعروف ـ جاهدت في سبيل الله ـ أتاك اليقين ـ وهذا يدل على إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهاد في جميع السياقات الخطابية الواردة من سيد الشهداء الحسين عليه السلام، لتعكس مدى هذه الفريضة العقائدية التي تبرز وسط الجهاد الدامي، وتمنح مفهوم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بعداً يجعله يمتد في الواجبات والمحرمات الجزئية والفرعية والفردية حتى يشمل الاجيال القادمة، من اجل اقامة القسط وتخليص الأمة من كافة منافذ الجور، وتغيير انظمة الفساد، ولابد للمرتكز البحثي من دقة الاستشهادات بمأساوية الواقع الحسيني في مناجاته عند قبر جده الرسول(ص): (اللهم أني احب المعروف وانكر المنكر) تمنحنا العقيدة هذا الفرض حسب المفهوم الحسيني قيما سلوكية تجعلنا اكثر معرفة بالله واكثر وعيا لحياتنا، ولابد لهذا الفرض المقدس من تشخيصات فكرية ثقافية تتدرج في مواقع المعرفة الانسانية، فلا يمكن ان يقدم الانسان معروفا يجهله وينهى عن منكر لايعرف سلبياته. ولهذا اعتبر الكثير من النقاد والمؤرخين ان الثورة الحسينية بلورت الدعوة الى الله بواسطة هذا الفرض المهمل ورسمت للاجيال نهضتها الروحية ـ فكانت احدى مناجاته المعروفة والتي استلهمها الامام السجاد في صحيفته السجادية: ( اللهم وفـِّقنا لاتباع السنن ومجانبة البدع والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وحياطة الاسلام) فالامر والنهي عنوانان يتحركان في خط الواقع المنحرف الذي يترك فيه المعروف. فغاية الامام الحسين (ع) في نهضته الكبرى تتمثل في اصلاح الانحراف الذي حدث في الامة بعد قيام الدولة الاموية، وبعث الروح الرسالية المتقدة الى جسد الأمة التي أخذت بالإنهيار منذ تركت هذا الفرض المقدس. وكل حركة يراد بها التصحيح والاصلاح لابد ان تتسلح بروح نضالية تسعى لتثبت قيم الاسلام وتعاليمه على الارض والعمل بالعدل والاحسان والامر بالمعروف والنهي عن المنكر لتؤسس المجتمع المسلم ارضية صلبة لكونها تنطلق من اطروحة إلهية سمحاء.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat