هل من الممكن أنْ يكونَ الإنسانُ وسيلةً إعلاميةً؟! وكيف؟
يقين محمد نعمه
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يقين محمد نعمه

ولمَ لا؟
الإنسانُ في نظرِ رجالِ الإعلام نفسٌ إعلاميةٌ تتغذى بالخبر وتنمو بالفكر، فالإنسانُ الكاملُ بحدِّ ذاته وسيلةٌ إعلاميةٌ ولا يكتملُ إلا عندما يُقرُّ بالإيمان في قلبه، ومن ثم يُصدِّق به في عمله.
وتحضرني بالمناسبة حيثياتُ واقعةٍ تؤكدُ أنّ الإنسانَ وسيلةٌ إعلاميةٌ، وقد مرَّ على هذه الواقعة أكثر من ألفِ عامٍ ولا يزالُ صداها ومداها الإعلامي يستجِدُّ ويتسعُ وتعيشُ معه بكاملِ قيمتها الروحية؛ وذلك عندما خطبَ سيّدُ الشهداء ذلك الخطاب الذي ما زال يصدحُ في مسامعِ العالم: "إنّما خرجتُ لطلبِ الإصلاحِ في أمّة جدّي"، حتى يكون نتاجُ انتصارِ الدم على السيف أن "لا يومَ كيومِك يا أبا عبد الله"، وبذا خُلِّدَت حرارة في قلوبِ المؤمنين لا تنطفئ أبدًا؛ ليستجيبَ الكونُ كُلُّه إلى الإعلامِ الصادق، فأصبحتْ كُلُّ بقاعِ العالمِ: كربلاءَ، وكُلُّ أيامه عاشوراء تجديدًا لثورةِ جدِّه الإعلاميةِ الكُبرى عندما قال: "إنّما بُعِثْتُ لأُتمِمَّ مكارمَ الأخلاق" تجديدًا للإنسانية فينا جمعاء فهي حيةٌ إلى يومِنا هذا، ولكن يبقى السؤالُ:
كيفَ نُجدِّدها في سلوكياتنا وأفعالنا وسلوكيات أجيالنا القادمة؟
لنقفْ قليلًا مع استفهام:
-هل وسائلُ الإعلامِ محصورةٌ فيما هو مُتعارفٌ عليه اليومَ بين الأُمم؟
-كلا، طبعًا؛ فمن المُمكنِ جدًا أنْ يوظفَ الإنسانُ سلوكَه حتى يكونَ سلوكًا إعلاميًا ذا رسالةٍ بالمبدأ الأول، وإنْ كان في البيتِ أو العملِ أو المدرسةِ، وإنْ كان في طريق المشي.
كيف؟
لا بُدّ أنْ تكونَ قياديًا مؤثرًا في إحاطةِ الرأي العام بشكلٍ إيجابي انتهاجًا بمبدأ الإصلاحِ الحُسيني أولًا وآخرًا، فكما نعرفُ أنّ مجالَ الإعلامِ أوسعُ بكثيرٍ، والذي يهمُّنا بصورةٍ أكبر هو كيف أوظِّفُ سلوكي الإعلامي خدمةً للدين والمذهب وخصوصًا ترسيخ مبادئ وقيم القضيةِ الحُسينيةِ فيَّ وفي أفرادِ المُجتمعِ وبالأخصِّ المُجتمع المُسلم، إذ لكُلِّ مُجتمعٍ في هذه المعمورة قيَمٌ وركائزُ أخلاقية ثابتة..
ولاشكَّ أنَّ النهضةَ الحُسينيةَ هي من أهمِّ تلك القيمِ والمبادئ الكبرى التي تقومُ عليها جميعُ الأخلاقياتِ الفردية الأسرية والمُجتمعية..
ومن هُنا يكونُ المُنطلقُ في بناءِ شخصيةِ الفردِ بناءً إعلاميًا رصينًا ذا بصيرةٍ واعيةٍ لتوجيه المُحيط الذي تتعايش معه رساليًا؛ فالإنسانُ كائنٌ حي وهو مدنيٌ بطبعه كما يُقال، يتفاعلُ مع المُجتمع الذي يعيشُ فيه ويتأثرُ به ويؤثر فيه يأخذُ منه ويعطي له بشتى الوسائل..
ولو رجعنا إلى ما قبل ألفٍ وأربعمائةِ عامٍ نجدُ أنّ الثورةَ الإعلاميةَ للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في نشر ِالدينِ الإسلامي قائمةٌ على عقيدةٍ لا يشوبها شكٌ أو ريبٌ، وعلى صدقٍ لا يعتريه كذبٌ، وعلى إخلاصٍ وأمانةٍ لا يُخالطهما غشٌ أو كتمانٌ؛ فآتت تلك الدعوةُ الإعلاميةُ ثمارَها يانعةً شهيةً، وها نحن نتفيأ ظلالها على مرِّ العصور وتعاقب الليالي والأيام..
وهكذا فلابُدَّ أنْ يكونَ سلوكُنا -سواءَ أكان سلوكًا لفظيًا أم فعليًا أم مقررًا- سلوكاً إعلامياً بهدفِ الإصلاحِ، وذلك عبر الأمانةِ في النقلِ، والدقةِ في الرواية، والتثبُّت في الإخبار، والصدق في الحديث، وخصوصًا نحنُ نمرُّ بظروفٍ مُتقلِّبةٍ يومًا بعد يومٍ؛ فمن المهم جدًا أنْ نفهمَ ونعي ما يدورُ حولَنا وأنْ نُعيدَ صياغةَ سلوكياتِنا بمفاهيمَ نبيلةٍ وغاياتٍ حميدةٍ؛ لنرى ذلك الجمالَ الحقيقي اقتداءً بجبلِ الصبرِ زينب (عليها السلام) عندما قالت: "ما رأيتُ إلا جميلًا"، لنرى هذا الجمال قد خُلِّدَ في كُلِّ بقاعِ العالم "فوالله لا تمحو ذكرنا))، فيا لها من رؤيةٍ مُستقبليةٍ للعالمةِ الحوراء (عليها السلام) منبعُها قوةُ الإيمانِ والعقيدة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat