مكامن القوة في الطود العظيم
طارق الغانمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
طارق الغانمي

رغم بُعد الأيام بإمام ربيع الأنام صاحب الزمان (عجل الله فرجه)، ورغم الأحداث والصعاب التي تُمارس على اتباع أهل البيت (عليهم السلام)؛ إلا أنّ الله تعالى قيّض للأمّة رجالاً تصونها من الضّياع والاندثار، وتشد من أزرها، وتأخذ بأيديها نحو الخير والصّلاح.
فـ(كلمّا غاب عَلَمٌ بدا عَلَمٌ، وإذا أَفَل نجمٌ طلع نجم)1 ، وهو ما يجعل هذا النهج قائم على يد ثلّةٌ مختارةٌ من المؤمنين الثقاة منذُ بداية الغيبة الكبرى وإلى يومنا هذا، وهذا واضح في وصيته (عج) إلى شيعته الأبرار: (أما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواة حديثنا فأنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله)2 . فالمراد من فلسفة تجربة السفراء والنواب بعد غيبته المباركة هو النهوض بمهمة تربية الأمة وإعدادها عملياً على مفهوم اختفاء الإمام الثاني عشر (عج) عن مسرح الحياة وتعويد الأمة على هذه الحالة. والمتتبع لحياة السفراء الأربعة أثناء الغيبة الصغرى للإمام المهدي (عج) لم يقيموا بأي أعمال أجتماعية، مما يكشف عن طابع الحذر والتكتم الذين كانوا يلتزمون بهما، في المقابل لم يذكر التاريخ على انفتاح هؤلاء على الحياة السياسية المذهبية بشكل عام.
وكان الهدف الرئيسي لمهامهم؛ هو قيام بواجبات السفارة حال الغيبة والتي تلخصت في نقطتين مهمتين، الأولى؛ تهيئة المجتمع للغيبة الكبرى وتعويدهم عليها لكيلا يتفاجؤوا بغيبته وإنكاره (عليه السلام)، أما النقطة الثانية تستدعي القيام بما يتلائم مع رأي الإمام المعصوم وتطلعاته.
أما اليوم وبعد أكثر من ألف عام على الغيبة الكبرى، لو لاحظنا في حياة المرجعية الدينية العُليا المتمثلة بسماحة المرجع الأعلى للطّائفة آية الله العظمى السّيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف)، الذي بقي مدة طويلة في النجف الأشرف بعيداً عن الأضواء والإعلام، حتى شاءت القدرة الإلهية أن يسطر للعالم المواقف الخالدة التي كانت بمثابة صمّام أمان لهذه الأمة من الفرقة وإيقاف حمامات الدم الذي أحبّ الأعداء أن يظل هادراً.
وعلى ذلك الأساس الذي خط نهجه السفراء الأربعة في الغيبة الصغرى، تتواصل اليوم المرجعية الدينية بين الناس يتم بالوضع االاعتيادي والظهور بصورة طبيعية وسهلة جداً، ويكون تعاملها مع المرحلة الراهنة على ضوء متطلباتها مع زيادة في الحيطة والحذر.
وبمرور الوقت والظروف أصبحت من مكامن قوة الأمة في العراق بإلتفاف الشيعة والسنة حول موقع المرجعية المباركة، إذ لا توجد قيادة إسلامية جماهيرية نافذة الكلمة في الملايين من المسلمين إلا قيادة المرجعية في النجف الأشرف، إذ أن لكلمتها في الأمر والنهي الموقع الأول في التأثير، ففي ظروف الحياة وجدت حنكة السيد السيستاني (دام ظله الوارف) وحكمته العميقة في كلا الميدانين السياسي والاجتماعي مجالها الملائم، فإذا هو ينتقل من تصحيح مسيرة المجتمع وأصلاحه، إلى تقويم الاتجاه السياسي في تخطيط رفض الفاسدين وتحديد هوياتهم والحفاظ على تطبيق القانون ومكافحة الرشوة بصورة عامة والمحافظة على الحريات العامة والخاصة.
الموعظة الموجهة إلى الأجيال أن تدرك حقيقة هذا الطود العظيم في النجاة وهلاك الفساد والمنحرفين، كما كان موسى (عليه السلام) في قومه لّما تمادوا على كفرهم وطغيانهم واتباعهم لجبروت فرعون، ومخالفة رسول الله وكليمه موسى بن عمران (عليه السلام) في اتباع السامريّ الذي خدعهم بطريقة مس فيها أصل التوحيد بأعتبار جعلهم يعبدون العجل، أقام الله عليهم الحجج والبينات وأراهم من خوارق العادات ما بهر الأنظار وحير العقول وهم مع ذلك لا يرعوون ولا ينتهون ولا يتعظون: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)3، وهذه آية وبرهان عظيم على قدرة الله (عز وجل) الفائقة وصدق رسوله بما أتى به عن ربه من الشريعة والمناهج المستقيمة والدلائل الواضحات، والعاقبة للمتقين.
........................................
1- بحار الأنوار عن الإمام الحجة بن الحسن (عج).
2 - الغيبة/ للطوسي.
3- سورة الشعراء – الآية 63
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat