الطلاق ... بين المشكلة والحل
ميثم المعلم
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ميثم المعلم

كلنا يعرف إن الطلاق يفكك الأسرة ، ويوجد الحقد ، وينشر البغضاء، وينمي الكراهية ، ويخلق المشكلات ، ويعقد الحياة ، ويقلق الآباء ، ويحزن الأمهات ، ويخيف الأولاد ، ويؤلم الأقرباء ، ويرهق المجتمعات ، ويضعف الثقة بالنفس ، ويربك الحياة العاطفية ، ويوتر العلاقات بين الأسر ، ويشجع العصبيات بين العوائل ، ويشيع السلبيات بين الناس ، ويزعزع الأمن الاجتماعي ، ويوجد المشاكل النفسية والصحية والفكرية والتربوية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية.
قال الإمام الصادق عليه السلام : ((إن الله عز وجل يحب البيت الذي فيه العرس، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق، وما من شيء أبغض إلى الله عز وجل من الطلاق )) . ميزان الحكمة ج2 .
وهنا أسئلة تطرح نفسها ما هي أسباب ظاهرة الطلاق ؟ وما هي الحلول الممكنة لعلاج ظاهرة الطلاق ؟ وماذا يفعل الإنسان قبل أن يتخذ قرار الطلاق ؟ ومتى يكون الطلاق هو الحل المناسب ؟ ومتى يكون الطلاق آمنـــًا ؟ وما هي خطوات التكيف مع الحياة بعد الطلاق ؟
أسباب ظاهرة الطلاق كثيرة أهمها :
1- إبليس الرجيم .
يلعب إبليس الرجيم دورًا كبيرًا و محوريـــًا في إثارة المشكلات الزوجية ، فهو يضخم الأخطاء البسيطة في ذهن الزوجين ، ويشعل المشاعر السيئة في قلبيهما ، ويزين لهما بأن العناد قوة ، وأن الجدال ذكاء ، وأن الإصرار على المواقف الخاطئة محافظة على كرامة النفس ، ويخدعهما بأن العفو والتسامح مذلة وضعف ، ويمنيهما بحلاوة الحياة بعد الانفصال، حتى يرديهما في براثن ومصائب الطلاق.
قال تعالى : (( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًا )) . سورة فاطر آية 6
2- ضعف الثقافة الزوجية .
هناك كثير من الأزواج لم يقرؤوا كتابــًا واحدًا عن الحياة الزوجية ، ولم يأخذوا دورة واحدة في العلاقة الزوجية ، ولم يطلعوا على كيفية التعامل مع المشاكل التي تواجه الحياة العائلية، مما سبب ضعفـــًا شديدًا في الثقافة الزوجية لدى الزوجين ، و أدى إلى كثرة حالات الطلاق بين الزيجات الحديثة.
3- عدم التوافق في السمات الشخصية بين الزوجين .
من الأسباب الرئيسية للانفصال وانتشار ظاهرة الطلاق بين الزيجات الحديثة هو عدم التوافق بين الزوجين في السمات الشخصية كالفكر والثقافة والعاطفة والأخلاق والطباع والعادات والتقاليد ، مما يؤدي إلى تباين كبير وفجوة واسعة بين الطرفين .
4- تدخل الوالدين والأقرباء والأصدقاء في حياة الزوجين .
عندما يفقد الوالدان الحكمة المناسبة ، ويفقد الأقرباء النصيحة الطيبة ، ويفقد الأصدقاء التوجيه السليم ، بالتالي يفقد الجميع الأسلوب الأمثل في كيفية التعاطي مع المشاكل العائلية ، مما يؤدي إلى تصعيد الخلاف بين الزوجين وتضخيمه بشكل كبير.
5- الغضب والانفعال .
من أخطر الأمور عندما يصبح الغضب والانفعال جزءًا من شخصية أحد الزوجين ، ويتحول إلى إمر طبيعي في التعامل اليومي في الحياة الأسرية ، فتصبح الحياة العائلية جحيمــًا لا يطاق، فيفقد أحد الزوجين الصبر، فيقع ما لا يحمد عقباه .
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : ((إياك والغضب، فأوله جنون وآخره ندم)) ميزان الحكمة ج3
6- فقدان ظاهرة الحوار بين الزوجين .
السبب الرئيسي لأي مشكلة أسرية تحدث بسبب فقدان ظاهرة الحوار بين الرجل والمرأة ، مما ترتب عليه كثرة المشكلات وتراكمها وتعقيدها. وعندما تغيب ظاهرة الحوار بين الطرفين يفقد كلا الزوجين القدرة على التواصل و التفاهم وتقريب المسافات بينهما .
7- الدور السلبي للتقنية الحديثة .
الإنترنت والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي بجميع أنواعها ، تسببت بشكل كبير وملحوظ في المشاكل العائلية بين بعض الزيجات ، حيث تنامت حالة الشك والريبة والاتهام وسوء الظن ، مما أضعف حالة الثقة بين الزوجين .
8- عدم التغاضي عن الأخطاء .
هناك الكثير من الزوجات لا يتغاضين عن أخطاء أزواجهن لأنهن يتصورن أنها حالة من حالات الضعف والذل ، وكذلك هناك الكثير من الأزواج لا يتغاضوا عن أخطاء زوجاتهن لأنهم يتصورا إنها سمة من سمات الشخصية الساذجة والفاشلة .
وهناك الكثير من الأسباب لظاهرة الطلاق كالإهمال العاطفي ، والخيانة الزوجية ،والبخل ، والفقر ،، وشرب الكحول، والمخدرات ، والتهور، والغرور ، والغيرة المفرطة ، والعقد النفسية ، والعنف الأسري، وعدم التهيئة المناسبة للشاب والشابة للحياة العائلية ، وعدم الالتزام بالواجبات الأسرية كما ينبغي .
وأما الحلول الممكنة لظاهرة الطلاق ، فهناك عدة حلول :
1- الطلب من الله بشكل دائم السعادة الزوجية .
إن أهم نجاح في حياة الإنسان هو النجاح العائلي ، والنجاح العائلي يتطلب توفيقـــًا عظيمـــًا من الله تعالى ، فالله هو مصدر لكل سعادة في حياتنا وبالخصوص السعادة الزوجية ، وهو مصدر لكل خير في حياتنا العائلية ، وهو مصدر لكل سرور في حياتنا الأسرية ، فعلينا أن نطلب من الله تعالى بشكل دائم السعادة الزوجية ، وأن نطلب منه أن يساعدنا في إيجاد الحلول لمشاكلنا الزوجية والتربوية . يجب علينا أن لا ننسى الله في أمور الخير ، فهو الموفق لكل خير وسعادة .
2- تنمية الثقافة الزوجية بشكل مستمر .
لكي يستطيع الزوجان التغلب على المشكلات والأزمات والتحديات التي تواجه الحياة العائلية يحتاجان إلى التنمية الثقافية الزوجية بشكل مستمر ، وذلك عبر القراءة المكثفة عن الحياة العائلية ، والالتحاق بدورات تأهيلية في الحياة الزوجية ، ومتابعة أنشطة وفعاليات وإصدارات مراكز متخصصة في تنمية الحياة الأسرية ، كمركز البيت السعيد بصفوى على سبيل المثال لا الحصر، الذي يمتلك الخبرة المتميزة في إيجاد الحلول للمشكلات الأسرية ، حيث حقق المركز نجاحــًا كبيرًا وباهرًا في تنمية الجيل الجديد المقبل على الزواج ، عبر الدورات والندوات والحملات التثقيفية التي يقوم بها بشكل دائم ومستمر .
3- الالتزام الديني الواعي .
عندما يمتلكان الزوجان التزامــًا دينيـــًا واعيـــًا كالتقوى مثلا ً ، فإنهما يمنعان الكثير من المشاكل الأسرية أن تقع بينهما ، لأنهما يحرصان كل الحرص على أن لا يظلما بعضهما البعص ، لأنهما يخافان من الله خوفـــًا شديدًا أن يكونا من الظالمين .
جاء رجل إلى الإمام الحسن عليه السلام )) يستشيره في تزويج ابنته؟ فقال: زوجها من رجل تقي، فإنه إن أحبها أكرمها ، وإن أبغضها لم يظلمها )) . مكارم الأخلاق .
4- الالتزام الأخلاقي .
الذي يديم العشرة بين الزوجين هو حسن الخلق ، وعندما يلتزم الزوجان بالجانب الأخلاقي فيما بينهما ، فإن 80% من المشاكل الزوجية تختفي بشكل أبدي ، ولا يشعران بها على الاطلاق ، لأنهما يراعيان بشكل كبير مشاعر بعضهما البعض في الكلمات والأفعال والمواقف .
5- القدوات الناجحة في الحياة الزوجية .
من الضروري جدًا للشاب والشابة أن يتخذان قدوة صالحة وناجحة في الحياة الزوجية ، لكي يتعلما منها كيفية النجاح في الحياة الأسرية ، ويتعلمان منها كيفية التغلب على الصعوبات التي تواجه الحياة العائلية .
6- الاعتبار من حالات الطلاق .
يذكر مركز البيت السعيد بصفوى في حملته التثقيفية الأخيرة ، التي كانت بعنوان ((حماية الأسرة من الطلاق وتداعياته )) ، أن 24% من المطلقين شعروا بالندم والحزن بعد الطلاق ، وأن 72% من حالات الطلاق لم تتم بالتفاهم والتراضي ، وأن 71% من المطلقين لم يأخذوا استشارة عند الطلاق ، وأن 41% من حالات الطلاق تقع في السنوات الأولى من الزواج ، وأن المرأة هي الأكثر تأثرًا من الرجل في عملية الطلاق ، وأن الأطفال هم المتضرر الأكبر من حالة الطلاق حيث يعانون من الحرمان من الحب ، والتأخر الدراسي ، والقلق والاكتئاب ، والغضب والعدوانية ، والتشرد والضياع ، والتعرض للانحراف .
عندما يقرأ الإنسان هذه الاحصائيات والأرقام يشعر بالحزن والأسى الشديدين ، لأن الطلاق يترك أثارًا سيئة على الأطفال والنساء ، مما يؤدي إلى إضعاف المجتمع ويهدد سلامته وتقدمه . لذا علينا جميعــًا أن نأخذ العبرة من حالات الطلاق .
وهناك عدة حلول أخرى لعلاج ظاهرة الطلاق عبر تكثيف الحملات الإعلامية بمختلف وسائل الإعلام ، وعقد الندوات وورش العمل ، ودعم المراكز المتخصصة في حماية الأسرة ، ودراسة ظاهرة الطلاق بشكل علمي من قبل المفكرين والمثقفين والمصلحين الأسريين .
و أما ماذا يفعل الإنسان قبل أن يتخذ قرار الطلاق ؟
يقول رئيس مركز البيت السعيد بصفوى سماحة الشيخ صالح آل إبراهيم في حملته التثقيفية الأخيرة ، التي كانت بعنوان ((حماية الأسرة من الطلاق وتداعياته )) قبل أن تتخذ قرار الطلاق عليك أن تتعرف على طبيعة المشكلات الزوجية والأسباب المؤدية إلى الطلاق ، وأن تقوم بتقييم أسباب الطلاق ، وهل هي مقبولة أم لا ، وفكر بالخيارات البديلة والممكنة لحل المشكلات الزوجية ، وفكر في تبعات الطلاق وعواقبه ، وتأنى وخذ الوقت الكافي لاتخاذ القرار ، وتحمل مسؤولية اتخاذ القرار وتبعاته ، واستفد كافة الحلول للمشكلات قبل اتخاذ أي قرار، وقم بدراسة النتائج الإيجابية والسلبية للطلاق ووازن بينهما ، واتخذ القرار بذهنية صافية وليس تحت الضغوط النفسية أو أي تأثير خارجي .
وأما متى يكون الطلاق هو الحل المناسب ؟
يذكر سماحة الشيخ صالح آل إبراهيم عدة أمور :
إذا استفحلت المشاكل واستعصت على الحل ، وإذا كان الاستمرار في الزواج أشد ضررًا من إنهائه ، وإذا كان الشريك يجبر على القيام بأفعال غير أخلاقية ، وإذا كان الشريك يخون العلاقة دون توقف ، وإذا لم يلتزم الشريك بالواجبات والحقوق الزوجية ، وإذا كان الشريك مدمنـــًا على المخدرات أو شرب الخمر ، وإذا وجد الشريك أن البقاء على العلاقة تشكل خطرًا على حياته.
ولكي يكون الطلاق آمنــــًا ؟
يذكر سماحة الشيخ صالح آل إبراهيم عدة أمور :
التسريح بمعروف وإحسان ، والتصرف بنضج وحكمة وخلق ، والحفاظ على أسرار الآخر ، وتجنب اللجوء إلى الشرطة والمحاكم قدر الإمكان ، والابتعاد عن الابتزاز العاطفي والمادي ، وتجنب استخدام الأبناء وسيلة للانتقام والإساءة للآخر ، وتهيئة الأبناء نفسيــًا للطلاق ، وتمكين الأطفال من التواصل مع الوالدين والأقرباء ، والحفاظ على السلطة المعنوية لكلا الوالدين على الأبناء ، وإظهار الاحترام للآخر ، والاتفاق على خطوات الطلاق وتسهيل أموره ، والاتفاق على إجابة موحدة ومناسبة لمن يسأل عن أسباب الطلاق .
وأما خطوات التكيف مع الحياة بعد الطلاق ؟
يقول رئيس مركز البيت السعيد بصفوى سماحة الشيخ صالح آل إبراهيم في حملته التثقيفية الأخيرة ، التي كانت بعنوان ((حماية الأسرة من الطلاق وتداعياته )) عدة أمور :
التخلص من مشاعر الحزن والخوف والغضب ، وتقبل الأمر الواقع والتأقلم معه ، والعناية بالنفس من جديد ، وبناء الصورة الذهنية السليمة عن الطلاق ، والتبصر بكيفية مواجهة الضغوط الذاتية والبيئية ، وتعلم خلق العفو والصفح عن الآخرين ، وتنمية تطوير الذات ، وتكوين فريق داعم من الآسرة والأصدقاء ، واستئناف الدور الوالدي واستمراريته ، وتعظيم الموارد الذاتية كالتفاؤل والمرونة ، وإدراك التغيرات التي ستطرأ على المكانة والأدوار والمسؤوليات .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat