حَدِيثُ الفِرقةِ الناجِيَةِ بينَ المَجالَينِ الدُنيَوي والأُخرَوي
زعيم الخيرالله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
زعيم الخيرالله

اهتمَّ كثيرٌ منَ الباحِثينَ بحديثِ الفِرقةِ الناجيَةِ ، وَأَولَوهُ عنايةً خاصةً ، في اشباعِهِ مناقشةٍ ، سَنَداً ودِلالةً .وانا لايعنيني ان أُناقشَ هذهِ المسأَلةَ ، ولاأرى أن يجعلَ الباحثينَ هذه المسأَلةَ من اولى أَولَوياتهم .
حديثُ الفِرقةِ الناجيَةِ ، رواهُ ابوداود ، ورواه الحاكم وصححَهُ ، وَحَسَّنَهُ ابنُ حَجَر . وضَعَفَّ الشوكانيُّ زيادةَ (كُلُّها في النارِ الا واحدة ) ، وقالَ ابنُ حزمٍ عن الزيادةِ المذكورةِ :( انها موضوعة ) . وصَحَحَ الالبانيُّ هذهِ الزيادةَ ، وَرُوِيَ الحديثُ بروايةٍ اخرى :( كُلُها في الجَنَّةِ الا واحدة ) ، والحديثُ من طرقِ الاماميّةِ، رواهُ الكُلَينِيُّ ، والصدوقُ ، والشيخ المفيدُ.
كُلُّ هذا الكلام لايعنيني ، ومااريدُ ان اقولَهُ في هذا المقالِ المُختَصَرِ ، هو التفريق بينَ مَجالَينِ ، ارى التفريقَ بينهما ضرورياً.
المَجالُ الأُخروي للحديث
-----------------------
حَدِيثُ الفِرقةِ الناجيَةِ مَجالُهُ أُخروي وليس مجالُهُ دُنيوياً ، الحديثُ يتحدثُ عن ثُنائِيَةِ (النجاة- الهلاك ) ، وهذه الثُنائِيَةُ مجالُها الاخرة لا الدنيا ، والقران الكريم في اياته تحدث عن هذهِ الثُنائِيَةِ الأُخروية .
العقلُ التَكفيريُّ الاقصائيُّ ، نَقَلَ حديثَ الفِرقَةِ الناجِيَةِ من مجالِهِ الأُخروي الى المجال الدُنيَويِّ ، والأَزمةُ تكمنُ هنا ؛ ولذلك ليس مطلوباً من الباحثينَ ان تكونَ أُولى اولَوِياتِهم مُنصَبَّةً على هذا الحديثِ ؛ فهُم ليسوا مُحَدِّثين ، ولامخَرِّجي أَحاديث . أُولى اولوياتهم ينبغي ان تكون مُنصَبّةً على التفريقِ بينَ المجالَينِ الدنيوي والأُخروي ، واعداد وتأهيل العقلِ المسلمِ للتفريقِ بينهما .
في المجال الدنيوي لاتوجد ثُنائِيَةُ (النجاة - الهلاك ) ؛ فهذا مجال أُخرويٌّ ، المجالُ الدنيوي محكومٌ بفكرةِ التعايُش . وهذه الفكرةُ تحكمُ كل المجتَمعاتِ البشريّةِ ، سواء أَكانت هذه المجتمعات تؤمن بالاخرة ام مجتمعات دنيويّة لاتعرف الاخرةَ.
القران الكريم وتمييزه بين المجالين
---------------------------------
مَيَّزَ القرانُ الكريمُ بين المجالَينِ الأُخروي والدُنيَويِّ في كَثيرٍ من اياتِهِ ؛ فقد تحدثَ القرآنُ الكريمُ عن الفوزِ في الآخرةِ والنَّجاةِ من النارِ ، وهذا في المجالِ الأُخروي ، امّا في المَجالِ الدُنيَويِّ ؛ فقد حَثَّ القُرآنُ على التَعايُشِ ، والتَسامُحِ ، وقبولِ الاخرِ المختَلِف . ومن الايات التي تحدثت عن المجالِ الأُخروي ، قولُهُ تعالى :
( لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ). الحشر: الاية : 20 . وهذه الاية تتحدثُ عن المجالِ الأُخروي في عدم الاستواءِ ، وفي الهلاك والخسرانِ، والفوز والنجاة ، والا فيمكن ان يكونوا سواء في المجالِ الدُنيَوِيِّ المحكومِ بقانون التعايش . وقوله تعالى:
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ (55)) . القمر: الاية :(54-55) .ومجال الفوزِ هذا مجالٌ أُخرَوِيٌّ.
( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)). الشعراء: الاية:(88-89). وقوله تعالى :
( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ). النساء: الاية : (168-169).
( إِلَّا بَلَاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ ۚ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا).الجن : الاية : 23.وهذه الاية مجالها أُخروي ؛ لانَّ الرسولَ (ص)، لم يأمربقتلِ احدٍ من المنافقين .
المَجالُ الدُنيَوِيُّ
---------------
المَجالُ الدُنيَوِيُّ يقومُ على فكرةِ التَعايُشِ ، والتَسامُحِ ، والرَّحمةِ في العلاقات ِ الانسانيََةِ، وهذا ماأوضَحَتهُ الاياتُ القُرآنِيََةُ ، يقولُ اللهُ تعالى :
( لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). الممتحنة: الاية : 8.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) .الحج: الاية : 17.
والاية الكريمة ميّزَت بين الفصل الالهي بينهم ، ومجالُهُ أُخرَوِيُّ ، والمَجال الدُنيويِّ الذي يقوم على اساس التعايش بين كل هؤلاء المُختَلِفينَ.
والعدل قيمة في المجالِ الدُنيَويِّ ، ينبغي ان نُخضعَ لها العدوَّوالصديقَ على حدٍ سواءٍ، يقولُ اللهُ تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ). المائدة : الاية : 8
والودُّ مجال دنيوي تظهر فيه محبَّةُ الناسِ للذين امنوا وعملوا الصالحات، يقول الله تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا). مريم : الاية: 96.
والتعارف قيمة مجالُها دُنيوي ، تظهر تحت مظلة التعايُش ، يقول الله تعالى :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ). الحجرات : الاية : 13.
والعلاقات الانسانيّة التي مجالها الحياة الدنيا تتطلب دفع العداوة بالتي هي احسن ، حتى يتُمُّ تقديم افضل صورة للتعايُشِ بينَ بني الانسان، يقولُ اللهُ تعالى :
(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ). فصّلت: الاية : 34.
وخلاصةُ القَولِ :انّ الازمة ليست في الاعتقاد أنَّ هناك فرقةً ناجيةً في الواقع ونفس الامر ؛ لانَّ هذا الاعتقاد مجالُهُ الاخرة ، ولاعلاقةَ لهُ بالحياة الدنيا التي مجالها يقوم على اساس التعايُشِ بين المختلفينَ؛ فلابدَّ من التفرقة بين المجالينِ الدُنيوي والاخروي.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat