خطباء حلّيون ( الحلقة الخامسة) الشَّيخ سلمان آل نوح الكعبيّ
د . سعد الحداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الخطيب الشَّيخ سلمان بن داود بن سلمان بن نوح بن محمَّد من آل غريب الكعبيّ الحلّيّ الكاظميّ ، من ربيعة .
ولد في الحلَّة سنة 1265هـ/1849م، وبها نشأ وترعرع , ربَّاه عمُّه الشاعر الشهير الشَّيخ حمَّادي آل نوح (المتوفى1325هـ)، فتربَّى في بيته أَحسن تربية. ولما كانت سنة 1280هـ، هاجر إلى الكاظمية معه , وكان لبقاً وذكياً فأحبّه الكاظميون, ووجدوا فيه قابلية الخطابة فطلبوا منه أَن يبقى بين ظهرانيهم فأَجابهم إلى ذلك وتوطَّن فيها. وكان خلال مكثه يختلف على رجال العلم والأَدب، وكان لعمَّه أَثر كبير في صقله وتوجيهه فبرع في وسطه الذي حلَّ فيه , وبذلك رغب في مصاهرته أُستاذه السَّيد علي عطيفة الحسنيّ (المتوفى 1306هـ)، أَحد علماء الكاظمية ووجوهها على إحدى بناته، وكان يرعاها في معظم شؤونه.
درس النحو والصرف والمعاني والبيان على السّيد علي عطيفة، ودرس الفقه والأصول على الشَّيخ محمد حسن آل ياسين (المتوفى 1308هـ)، كما درس على الشَّيخ محمد حاج كاظم (المتوفى 1314هـ)، صهر الشَّيخ آل ياسين وقرأ عليه رسائل الشَّيخ مرتضى الأنصاري في بحث خاص.
كان أَوَّل خطيب من خطباء عصره يرقى المنبر مرتجلاً من غير كتاب لعظم ذاكرته وذكائه الفطري، بينما كان الخطباء لا يرقون المنبر إلّا وبيدهم كتاب الروضة، ولذلك حصلت له الميزة والتفوق، وقد اسمع الناس كثيراً من الأشياء التي لم يسمعوها، وكان يقرأ في الكاظمية وفي بغداد، فلذلك عظمت شهرته.
نقل ابنه الشَّيخ كاظم : أَنَّ السَّيد حسن الصدر (المتوفى 1354هـ) قال له : أَنّه سأَل أَباه الشَّيخ سلمان كم تحفظ من الأَحاديث ؟
فأجابه : إنّي احفظ ثلاثة آلاف حديث بأَسانيدها، وهذا دليل على قدرته في الحفظ , وقوة ذاكرته.
أصيب الشَّيخ سلمان بمرض السِّل، ولازم الفراش مدة أَشهر حتى قضى نحبه ( رحمه الله) يوم السبت العاشر من شعبان سنة 1308هـ الموافق 21/3/1891م، أي يوم النيروز، وكانت الكاظمية مكتظة بالآلاف لزيارة الإمامين (عليهما السلام)، فلما سمعوا بوفاة الخطيب الأَوحد في ذلك العصر، حضروا تشييعه فكان تشييعاً عظيماً، وحُمل إلى النجف الأَشرف كما أَوصى، ودفن في وادي السلام قرب مقام النَّبيينِ هود وصالح ( عليهما السلام) حيث مقابر أُسرته.
وقد أعقب أربعة أولاد هم : حسن، وعبد علي، ووهاب، والشَّيخ كاظم خطيب الكاظميّة (المتوفى 1379هـ) الذي قال رثاه بهذه القصيدة :
ما للمعالي ضُعْضِعَتْ أركانُها
وانْهدَّ أخشبُها ودُكّ رعانُها
في يوم نوروز دهى خطبٌ وقد
شبَّتْ لما قد نابنا نيرانُها
يوم به أودى الخطيبُ اخو التقى
قطبُ العلى ورعُ الورى سلمانُها
هو أخطبُ الخطباء أفصحُ ناطقٍ
إن فاهَ قيل بأنه سحبانُها
إما تسنَّمَ منبراً يُلقي على
الأسماعِ ما لم يلقِهِ لقمانُها
والمؤمنون تجلّه وتحوطه
بسماعهم منه علا إيمانُها
ترك المنابر بعده تنعاهُ من
كَمَدٍ وشاعت بعده أحزانُها
درسَ الفقاهةَ والأصولَ وحكمةً
وبه المنابرُ شيَّدتْ أركانُها
قد كان فذاً في الصناعة سالفاً
وبه تعمّمَ في الورى إعلانُها
مذْ فاجأ الأجلُ المتاحُ بكتْ عليه
وتوقَّدتْ حزناً له نيرانُها
كان الإمام محمّدُ الحسنُ الذي
في عصره لأولي الهدى عنوانُها
علّامةُ العلماءِ في عصرٍ به
قد كان شيدت للعلى بنيانُها
يرقى بمجلسه ويلقي ما به
تحيي القلوبَ وتذهبنْ أشجانُها
ويصوغُ من غررِ الكلام عجائبا
ولها الورى قد أصيغت آذانُها
ما كان قبل زمانه سَمِعَ الورى
مثل الذي يلقي لهم سلمانُها
وعظاً واخلاقاً وتاريخاً به
لم يسمعن وتفتقت أذهانُها
فيه المنابرُ قد علا شأوٌ لها
وبفضله اعتدلتْ به ميزانُها
والكاظميةُ قد علا صيتٌ لها
بوجوده حسدت لها بلدانُها
صارت مزاراً للكثير ليسمعوا
غررَ الكلام متى يفِهْ لقمانُها
يا يوم نعيك والمشيّع قد نعى
سلمان فأرتفع البكا وأذانُها
تبكي عليك وفي العيون مدامعٌ
وتذيلها متدفقاً طوفانُها
فقدتك بغدادُ فأظلم جوّها
والكاظمية هدِّمت أركانُها
ونعتكَ من علمائها فضلاؤها
وبكتْ سوادُ الناس بل اعيانُها
أتعبتَ من صعدَ المنابرَ لم يطقْ
يُحْيكَ كيف ولم يُنل كيوانُها
خلّفتَ اولاداً ذكوراً أربعاً
ما وفِّقوا قد خففتْ أوزانُها
إلا فتىً منهم بفضلِ إلههِ
له ألقيت لخطابةٍ أرسانُها
ما ماتَ ذكرُ أبي سيبقى خالداً
أبداً سيبقى ما أتتْ أزمانُها
وستنزل الرحماتُ من ربيّ على
روحٍ له متوفرٌ إيمانُها
وعلى ضريحٍ حلّ فيه سحائب
منها تفيضُ ما همى هتّانُها
عزّ اصطباري يوم أودى راحلاً
أرّخت "عزّ لقد قضى سلمانُها"
شعره
قرض الشعر وهو ابن خمسة عشر عاماً، وقد أخذه عن عمِّه الشَّيخ حمَّادي. كما يقول للسيد جواد شبر.
وقال الشَّيخ أغا بزرك في طبقاته: إنَّ الشَّيخ سلمان كان يجيد نظم الشعر.
وقال الشَّيخ اليعقوبي في بابلياته: كان شاعراً مقلاً، وشعره معدود في الطبقة الوسطى ولم يدوّن على قلّته.
وقال الشَّيخ المرجاني في خطباء المنبر الحسيني: كان أَديباً لامعاً، لكنه قليل الرواية في الشعر.
ومما يؤسف له انه لم يعثر إلا على قصيدتين من شعره، وجدهما ابنه الشَّيخ كاظم في بعض المجاميع المخطوطة ،أما باقي شعره فلم يعثر عليه لأن كتبه ومخلفاته قد باعها الأوصياء من بعده لضيق الحال.
(1)
قال في قصيدة في أهل البيت (عليهم السلام):
ذهب الشيبُ بالشبابِ وولّى
والقوى قد وَهَتْ بضعفٍ أطلا
فأفقْ واتَّخذْ ليوم معاد
حبَّ آل النبي كهفاً أظلا
سادةً قادةً هداةً حماةً
طبقوا الكائناتِ جوداً وفضلا
منْ يباريهم وفيهم معانٍ
عظُمَتْ مخبراً فقامت محلا
طوعَ ايديهم القضا ليت شعري
كيف حلّ القضا بها واستقلا
كلُّ من في الوجود دون علاهم
فهم الطيبونَ فرعاً واصلا
عجباً للزمان اخنى عليهم
ورماهمْ بكلِّ دهياءَ جلّى
فقضى المصطفى وفي القلب وجدٌ
من عتاةٍ قد أضمروا الغدرَ قبلا
فعدوا بعده على آله الغرِّ
وساموهم هواناً وذلّا
هل ترى آمنتْ بأحمدَ يوماً
أو ترى صدّقتْ لأحمدَ قولا
إنْ تكنْ آمنتْ فماذا عليها
لو رعتْ للنبيِّ بيتاً وأهلا
بيته أحرقوا وآذوا بنيه
أترى الجور كان قسطاً وعدلا
ضلّ قومٌ قد أمَّروهم على الناس
لك الله منه خطباً أجلا
لستُ انسى البتولَ تطلبُ إرثا
وكتابُ الرحمن ينطقُ فصلا
فأبى حقَّها افتراءً ومكراً
وأضاع الكتابَ بغياً وجهلا
فانثنت والشجون ملء حشاها
وهي تدعو عز المجير وقلا
لم تزل بعد ذاك حتى حباها
ربما المنزل الرفيع الأجلا
وقضت نحبها وأوصت عليَّاً
أن يعفّي رسما لها ومحلا
(2)
وله قصيدة بمناسبة اكمال عمارة المشهد الكاظمي في 17 ربيع الاول سنة 1301هـ:
صاحِ مهلاً لا تكثرن ملامي
كثرة اللوم قد أهاجت غرامي
لا تخالن صبوتي لملاح
فاتكات اللحاظ فتك السهام
واعلمن أن نشوتي لا بخمر
عتّقوها من عهد سام وحامِ
بل بصحنٍ كساه ربُّ البرايا
هيبةً من بهاء سامي الدعامِ
أيّ صحنٍ لهم الملائك شوقا
قد غدت في أطوع الخدام
صحنُ قدسٍ سما على العرش قدراً
وله العرشُ دانَ بالإعظام
هو صحنٌ به المآذن ضاءت
فاستضاءتْ منها جبالُ الشام
هو صحنٌ به القباب أحاطت
بالشفيعين يوم هول القيام
أيّ صحنٍ به المصابيح أمست
نيراتٍ تزري بشهب الظلام
أوقدوها جهراً بزيت وسراً
نيرات تزري بشهب الظلام
لا تخلُ زينة القباب بتبرٍ
بل بنور سامٍ عن الأوهام
هو نورُ الإله حين تجلَّى
لابنِ عمرانَ خرَّ واهي القوام
صاحِ فأخلع نعليك وأقبل سريعاَ
إنَّ وادي طوى بوادي سلام
وإذا ما أتيت باب الجوادين
فلثماً لتربها باحترامِ
هي باب بها الحوائج تقضى
فاتزر ويك مئزر الإحرامِ
هي باب بها الحوائج تقضى
فيها بُرء الآلام والأسقام
طُفْ ثلاثاَ وأربعاً حول قبرٍ
ضلّ مَنْ قاسَه ببيت الحرامِ
فإذا ما حللت تأتي مقاما
جنة الخلد دونه في المقام
فستلقى هناك ما تشتهيه
فتناول ما فيه برء السقامِ
من طعام أزكى من المسك ريحاً
وشراب يحيي رميم العظامِ
مجلس قد زهى بأنجم علْم
بينهم بدر شرعة الإسلام
ذاك حامي الذمار حافظ دين
الله بالنفس حارس الإسلامِ
قد اتته الوفود من كل فج
ليروا ما هناك من إنعامِ
فالمحب اغتدى يطير سروراً
وقلوب العدى لذاك دوامي
دمت (فرهاد) إذ عمرت بيوتاً
هي ينبوع حكمة العلامِ
ما عسى ان اقول فيك مديحا
أنت عن مدحنا لعمرك سامِ
ليت شعري من ذا يدانيك فخرا
أنت أبهرت عقل كل الأنامِ
بصنيع أنسى صنيع ملوك الدهر
طراً وصنعة الاهرامِ
قيصر لو رآه عاد قصيراً
باعُهُ عن بِنَاهُ مع بهرامِ
نصر الله دولة أنت فيها
كعمود يقوم وسْط الخيامِ
هي والله دولة الحق أضحى
(ناصر الدين) عن حماها يحامي
ملك مالك الملوك اجتباه
وبه صان بيضة الإسلامِ
فجزاك الإله جنَّة عدنٍ
مع (مهدّينا) و (هادي) الأنامِ
لست انساهما وجرَّدا من
عزمة الفكر أيّ ماضٍ حسام ِ
قدماّ للفداء آية بدنٍ
متنها قد سمى كفرع شمامِ
فهما للملا غياث وحصن
إن اتى الدهر بالخطوب العظامِ
وهما الموقدان للضيف ناراً
طوّقا بالنوال جيد الكرامِ
إن كفيهما سحابة جود
منهما تستمد سحب الغمامِ
كان بالطيبين بدءُ نظامي
وبهم قد جعلت حسن اختتامي
سعد زال العنا بإكمال صحن
فيه ننال المنى وأقصى المرامِ
وبأقصى السعود ناديت أرّخ
(شيّعَ الآلُ فادخلوا بسلامِ)
من مصادر دراسته
موسوعة الشعراء الكاظميين 3/195-201، قال المؤلف المهندس عبد الكريم الدباغ: استفدت من رسالة عنوانها (شيخ الخطباء سلمان آل نوح) للأستاذ الدكتور جمال الدباغ، في كتابة سيرة الشَّيخ رحمه الله.
البابليات 2/186، تاريخ الحلَّة 2/193، شعراء الحلَّة 3/15، موسوعة أَعلام الحلَّة 1/130. حلَّة بابل 2/39، وفيات أَعلام الكاظمية 10, معجم خطباء الحلَّة الفيحاء (خ) للكاتب .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
د . سعد الحداد

الخطيب الشَّيخ سلمان بن داود بن سلمان بن نوح بن محمَّد من آل غريب الكعبيّ الحلّيّ الكاظميّ ، من ربيعة .
ولد في الحلَّة سنة 1265هـ/1849م، وبها نشأ وترعرع , ربَّاه عمُّه الشاعر الشهير الشَّيخ حمَّادي آل نوح (المتوفى1325هـ)، فتربَّى في بيته أَحسن تربية. ولما كانت سنة 1280هـ، هاجر إلى الكاظمية معه , وكان لبقاً وذكياً فأحبّه الكاظميون, ووجدوا فيه قابلية الخطابة فطلبوا منه أَن يبقى بين ظهرانيهم فأَجابهم إلى ذلك وتوطَّن فيها. وكان خلال مكثه يختلف على رجال العلم والأَدب، وكان لعمَّه أَثر كبير في صقله وتوجيهه فبرع في وسطه الذي حلَّ فيه , وبذلك رغب في مصاهرته أُستاذه السَّيد علي عطيفة الحسنيّ (المتوفى 1306هـ)، أَحد علماء الكاظمية ووجوهها على إحدى بناته، وكان يرعاها في معظم شؤونه.
درس النحو والصرف والمعاني والبيان على السّيد علي عطيفة، ودرس الفقه والأصول على الشَّيخ محمد حسن آل ياسين (المتوفى 1308هـ)، كما درس على الشَّيخ محمد حاج كاظم (المتوفى 1314هـ)، صهر الشَّيخ آل ياسين وقرأ عليه رسائل الشَّيخ مرتضى الأنصاري في بحث خاص.
كان أَوَّل خطيب من خطباء عصره يرقى المنبر مرتجلاً من غير كتاب لعظم ذاكرته وذكائه الفطري، بينما كان الخطباء لا يرقون المنبر إلّا وبيدهم كتاب الروضة، ولذلك حصلت له الميزة والتفوق، وقد اسمع الناس كثيراً من الأشياء التي لم يسمعوها، وكان يقرأ في الكاظمية وفي بغداد، فلذلك عظمت شهرته.
نقل ابنه الشَّيخ كاظم : أَنَّ السَّيد حسن الصدر (المتوفى 1354هـ) قال له : أَنّه سأَل أَباه الشَّيخ سلمان كم تحفظ من الأَحاديث ؟
فأجابه : إنّي احفظ ثلاثة آلاف حديث بأَسانيدها، وهذا دليل على قدرته في الحفظ , وقوة ذاكرته.
أصيب الشَّيخ سلمان بمرض السِّل، ولازم الفراش مدة أَشهر حتى قضى نحبه ( رحمه الله) يوم السبت العاشر من شعبان سنة 1308هـ الموافق 21/3/1891م، أي يوم النيروز، وكانت الكاظمية مكتظة بالآلاف لزيارة الإمامين (عليهما السلام)، فلما سمعوا بوفاة الخطيب الأَوحد في ذلك العصر، حضروا تشييعه فكان تشييعاً عظيماً، وحُمل إلى النجف الأَشرف كما أَوصى، ودفن في وادي السلام قرب مقام النَّبيينِ هود وصالح ( عليهما السلام) حيث مقابر أُسرته.
وقد أعقب أربعة أولاد هم : حسن، وعبد علي، ووهاب، والشَّيخ كاظم خطيب الكاظميّة (المتوفى 1379هـ) الذي قال رثاه بهذه القصيدة :
ما للمعالي ضُعْضِعَتْ أركانُها
وانْهدَّ أخشبُها ودُكّ رعانُها
في يوم نوروز دهى خطبٌ وقد
شبَّتْ لما قد نابنا نيرانُها
يوم به أودى الخطيبُ اخو التقى
قطبُ العلى ورعُ الورى سلمانُها
هو أخطبُ الخطباء أفصحُ ناطقٍ
إن فاهَ قيل بأنه سحبانُها
إما تسنَّمَ منبراً يُلقي على
الأسماعِ ما لم يلقِهِ لقمانُها
والمؤمنون تجلّه وتحوطه
بسماعهم منه علا إيمانُها
ترك المنابر بعده تنعاهُ من
كَمَدٍ وشاعت بعده أحزانُها
درسَ الفقاهةَ والأصولَ وحكمةً
وبه المنابرُ شيَّدتْ أركانُها
قد كان فذاً في الصناعة سالفاً
وبه تعمّمَ في الورى إعلانُها
مذْ فاجأ الأجلُ المتاحُ بكتْ عليه
وتوقَّدتْ حزناً له نيرانُها
كان الإمام محمّدُ الحسنُ الذي
في عصره لأولي الهدى عنوانُها
علّامةُ العلماءِ في عصرٍ به
قد كان شيدت للعلى بنيانُها
يرقى بمجلسه ويلقي ما به
تحيي القلوبَ وتذهبنْ أشجانُها
ويصوغُ من غررِ الكلام عجائبا
ولها الورى قد أصيغت آذانُها
ما كان قبل زمانه سَمِعَ الورى
مثل الذي يلقي لهم سلمانُها
وعظاً واخلاقاً وتاريخاً به
لم يسمعن وتفتقت أذهانُها
فيه المنابرُ قد علا شأوٌ لها
وبفضله اعتدلتْ به ميزانُها
والكاظميةُ قد علا صيتٌ لها
بوجوده حسدت لها بلدانُها
صارت مزاراً للكثير ليسمعوا
غررَ الكلام متى يفِهْ لقمانُها
يا يوم نعيك والمشيّع قد نعى
سلمان فأرتفع البكا وأذانُها
تبكي عليك وفي العيون مدامعٌ
وتذيلها متدفقاً طوفانُها
فقدتك بغدادُ فأظلم جوّها
والكاظمية هدِّمت أركانُها
ونعتكَ من علمائها فضلاؤها
وبكتْ سوادُ الناس بل اعيانُها
أتعبتَ من صعدَ المنابرَ لم يطقْ
يُحْيكَ كيف ولم يُنل كيوانُها
خلّفتَ اولاداً ذكوراً أربعاً
ما وفِّقوا قد خففتْ أوزانُها
إلا فتىً منهم بفضلِ إلههِ
له ألقيت لخطابةٍ أرسانُها
ما ماتَ ذكرُ أبي سيبقى خالداً
أبداً سيبقى ما أتتْ أزمانُها
وستنزل الرحماتُ من ربيّ على
روحٍ له متوفرٌ إيمانُها
وعلى ضريحٍ حلّ فيه سحائب
منها تفيضُ ما همى هتّانُها
عزّ اصطباري يوم أودى راحلاً
أرّخت "عزّ لقد قضى سلمانُها"
شعره
قرض الشعر وهو ابن خمسة عشر عاماً، وقد أخذه عن عمِّه الشَّيخ حمَّادي. كما يقول للسيد جواد شبر.
وقال الشَّيخ أغا بزرك في طبقاته: إنَّ الشَّيخ سلمان كان يجيد نظم الشعر.
وقال الشَّيخ اليعقوبي في بابلياته: كان شاعراً مقلاً، وشعره معدود في الطبقة الوسطى ولم يدوّن على قلّته.
وقال الشَّيخ المرجاني في خطباء المنبر الحسيني: كان أَديباً لامعاً، لكنه قليل الرواية في الشعر.
ومما يؤسف له انه لم يعثر إلا على قصيدتين من شعره، وجدهما ابنه الشَّيخ كاظم في بعض المجاميع المخطوطة ،أما باقي شعره فلم يعثر عليه لأن كتبه ومخلفاته قد باعها الأوصياء من بعده لضيق الحال.
(1)
قال في قصيدة في أهل البيت (عليهم السلام):
ذهب الشيبُ بالشبابِ وولّى
والقوى قد وَهَتْ بضعفٍ أطلا
فأفقْ واتَّخذْ ليوم معاد
حبَّ آل النبي كهفاً أظلا
سادةً قادةً هداةً حماةً
طبقوا الكائناتِ جوداً وفضلا
منْ يباريهم وفيهم معانٍ
عظُمَتْ مخبراً فقامت محلا
طوعَ ايديهم القضا ليت شعري
كيف حلّ القضا بها واستقلا
كلُّ من في الوجود دون علاهم
فهم الطيبونَ فرعاً واصلا
عجباً للزمان اخنى عليهم
ورماهمْ بكلِّ دهياءَ جلّى
فقضى المصطفى وفي القلب وجدٌ
من عتاةٍ قد أضمروا الغدرَ قبلا
فعدوا بعده على آله الغرِّ
وساموهم هواناً وذلّا
هل ترى آمنتْ بأحمدَ يوماً
أو ترى صدّقتْ لأحمدَ قولا
إنْ تكنْ آمنتْ فماذا عليها
لو رعتْ للنبيِّ بيتاً وأهلا
بيته أحرقوا وآذوا بنيه
أترى الجور كان قسطاً وعدلا
ضلّ قومٌ قد أمَّروهم على الناس
لك الله منه خطباً أجلا
لستُ انسى البتولَ تطلبُ إرثا
وكتابُ الرحمن ينطقُ فصلا
فأبى حقَّها افتراءً ومكراً
وأضاع الكتابَ بغياً وجهلا
فانثنت والشجون ملء حشاها
وهي تدعو عز المجير وقلا
لم تزل بعد ذاك حتى حباها
ربما المنزل الرفيع الأجلا
وقضت نحبها وأوصت عليَّاً
أن يعفّي رسما لها ومحلا
(2)
وله قصيدة بمناسبة اكمال عمارة المشهد الكاظمي في 17 ربيع الاول سنة 1301هـ:
صاحِ مهلاً لا تكثرن ملامي
كثرة اللوم قد أهاجت غرامي
لا تخالن صبوتي لملاح
فاتكات اللحاظ فتك السهام
واعلمن أن نشوتي لا بخمر
عتّقوها من عهد سام وحامِ
بل بصحنٍ كساه ربُّ البرايا
هيبةً من بهاء سامي الدعامِ
أيّ صحنٍ لهم الملائك شوقا
قد غدت في أطوع الخدام
صحنُ قدسٍ سما على العرش قدراً
وله العرشُ دانَ بالإعظام
هو صحنٌ به المآذن ضاءت
فاستضاءتْ منها جبالُ الشام
هو صحنٌ به القباب أحاطت
بالشفيعين يوم هول القيام
أيّ صحنٍ به المصابيح أمست
نيراتٍ تزري بشهب الظلام
أوقدوها جهراً بزيت وسراً
نيرات تزري بشهب الظلام
لا تخلُ زينة القباب بتبرٍ
بل بنور سامٍ عن الأوهام
هو نورُ الإله حين تجلَّى
لابنِ عمرانَ خرَّ واهي القوام
صاحِ فأخلع نعليك وأقبل سريعاَ
إنَّ وادي طوى بوادي سلام
وإذا ما أتيت باب الجوادين
فلثماً لتربها باحترامِ
هي باب بها الحوائج تقضى
فاتزر ويك مئزر الإحرامِ
هي باب بها الحوائج تقضى
فيها بُرء الآلام والأسقام
طُفْ ثلاثاَ وأربعاً حول قبرٍ
ضلّ مَنْ قاسَه ببيت الحرامِ
فإذا ما حللت تأتي مقاما
جنة الخلد دونه في المقام
فستلقى هناك ما تشتهيه
فتناول ما فيه برء السقامِ
من طعام أزكى من المسك ريحاً
وشراب يحيي رميم العظامِ
مجلس قد زهى بأنجم علْم
بينهم بدر شرعة الإسلام
ذاك حامي الذمار حافظ دين
الله بالنفس حارس الإسلامِ
قد اتته الوفود من كل فج
ليروا ما هناك من إنعامِ
فالمحب اغتدى يطير سروراً
وقلوب العدى لذاك دوامي
دمت (فرهاد) إذ عمرت بيوتاً
هي ينبوع حكمة العلامِ
ما عسى ان اقول فيك مديحا
أنت عن مدحنا لعمرك سامِ
ليت شعري من ذا يدانيك فخرا
أنت أبهرت عقل كل الأنامِ
بصنيع أنسى صنيع ملوك الدهر
طراً وصنعة الاهرامِ
قيصر لو رآه عاد قصيراً
باعُهُ عن بِنَاهُ مع بهرامِ
نصر الله دولة أنت فيها
كعمود يقوم وسْط الخيامِ
هي والله دولة الحق أضحى
(ناصر الدين) عن حماها يحامي
ملك مالك الملوك اجتباه
وبه صان بيضة الإسلامِ
فجزاك الإله جنَّة عدنٍ
مع (مهدّينا) و (هادي) الأنامِ
لست انساهما وجرَّدا من
عزمة الفكر أيّ ماضٍ حسام ِ
قدماّ للفداء آية بدنٍ
متنها قد سمى كفرع شمامِ
فهما للملا غياث وحصن
إن اتى الدهر بالخطوب العظامِ
وهما الموقدان للضيف ناراً
طوّقا بالنوال جيد الكرامِ
إن كفيهما سحابة جود
منهما تستمد سحب الغمامِ
كان بالطيبين بدءُ نظامي
وبهم قد جعلت حسن اختتامي
سعد زال العنا بإكمال صحن
فيه ننال المنى وأقصى المرامِ
وبأقصى السعود ناديت أرّخ
(شيّعَ الآلُ فادخلوا بسلامِ)
من مصادر دراسته
موسوعة الشعراء الكاظميين 3/195-201، قال المؤلف المهندس عبد الكريم الدباغ: استفدت من رسالة عنوانها (شيخ الخطباء سلمان آل نوح) للأستاذ الدكتور جمال الدباغ، في كتابة سيرة الشَّيخ رحمه الله.
البابليات 2/186، تاريخ الحلَّة 2/193، شعراء الحلَّة 3/15، موسوعة أَعلام الحلَّة 1/130. حلَّة بابل 2/39، وفيات أَعلام الكاظمية 10, معجم خطباء الحلَّة الفيحاء (خ) للكاتب .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat