رجال دين ضد الانتخابات
محمد رضا عباس
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد رضا عباس

اذا كان من حق مرشح الانتخابات ان يتهم منافسه بالفشل و عدم استطاعته تحقيق ما يتطلع له المنتخب العراقي , فليس من حق رجل الدين الدعوة الى مقاطعة الانتخابات بحجج واهية لا تختلف كثيرا من حجج أعداء التغيير . ان الدعوة الى مقاطعة الانتخابات القادمة ما هي الا دعوة الى الغاء دماء مئات الاف من الشهداء التي سقطت منذ اليوم الأول لبدء العمليات الإرهابية وحتى كتابة هذه السطور . الارهابيون قتلوا المواطن العراقي في المسجد والحسينية والكنيسة، في الشارع والمدرسة, في السوق وفي المستشفى , في عمله وفي داره , في الفواتح وفي الاعراس كان الهدف واحد هو خلق الياس في قلوب العراقيين , عدم دعم التغيير , ومن ثم القضاء عليه ليحل محله نظام دكتاتوري على طريقة النظام البائد او على طريقة حكم داعش في الموصل و شمال سوريا.
دعوة بعض رجال الدين مقاطعة الانتخابات دعوة حق اريد بها باطل . لا احد ينكر ان التغيير لم ينجز الكثير من الإنجازات . بل بالحقيقة ان بعض المرافق الاقتصادية قد تراجعت وتراجع معها المستوى المعاشي للمواطن . كما وهناك ظواهر اجتماعية مخربة طافت على السطح لم تكن في الحقب السابقة مثل انتشار تعاطي المخدرات , استفحال العشيرة الى درجة اصبح ان يتدخل جيش لفض نزاعاتهم , ظهور الجريمة المنظمة , انتشار البطالة بين الشباب , واستفحال الفساد المالي والإداري.
ولكن المتتبع المنصف للوضع العراقي منذ التغيير ولحد الان سوف لن يجد صعوبة من تفسير هذه الظواهر السيئة التي انتشرت في العراق , وسيجد ان جذورها هو الإرهاب المبرمج الذي استخدمه أعداء العراق واعداء التغيير . وهنا , من المفيد القول هو اني ليس في حالة دفاع عن حكومة الدكتور علاوي ولا الدكتور الجعفري ولا المالكي او الدكتور العبادي , ولكن أقول ان هؤلاء القادة قد حموا العملية السياسية من الانهيار على يد المجاميع الإرهابية ورضوا بتعطيل التحولات الاقتصادية . بكلام كله وضوح ان قادة البلاد انقذوا العملية السياسية وهم يعرفون ان هذه الحماية هي على حساب حياة و مستوى الموطن العراقي المعاشي .
وبالفعل استطاع هؤلاء القادة من دحر الإرهاب ولكن بثمن باهض , وهو دماء مئات الالاف من المواطنين الأبرياء . هل تستحق العملية الجديد كل هذه الدماء للبقاء؟ الجواب هو بكل تأكيد نعم. تذكر قول الأمير علي بن ابي طالب حين قال " شجرة الصحراء اقوى عودا" . التنمية والتقدم والتحضر الذي نشاهده في الدول المتحضرة مثل الولايات المتحدة الامريكية , بريطانيا العظمى , فرنسا, والصين لم يأتي سهلا ,لان وراء كل تقدم وازدهار في بلد متحضر كانت هناك أرواح قد زهقت . ولهذا عندما يزور الزائر شوارع المدن المهمة في هذه البلدان يشاهد كثرة النصب التي تخلد ابطالهم .
رجوعا الى قصة العراق , الإرهاب قتل الأبرياء من المواطنين و بألاف وعطل التنمية الاقتصادية مما أدى الى تراجع في كثير من القيم الجميلة والتي كان العراقيون يتميزون بها وهذا يؤسف له , لان هناك الكثير من الأشرار والذين يتحينون الفرص على الكسب السريع , خاصة وان الأجهزة الأمنية كانت مشغولة بمحاربة مجاميع اكثر خطرا وهي المجاميع الإرهابية. السارق من الممكن على الدولة القاء القبض عليه وايداعه السجن وينتهي الموضوع , ولكن الارهاب اصبح له جذور تمتد على طول البلاد وعرضه , والقاء القبض على عشرة منهم لا يعني توقف الإرهاب في منطق أخرى . انشغال الدولة بمحاربة الإرهاب فرض عليها عدم المراقبة الصارمة على دوائر الدولة , واستفاد من هذا الغياب بعض الموظفين من ضعاف النفوس , ولكن اصلاح الفساد المالي والإداري سوف لن يكون مستحيلا في ظل قوانين صارمة .
هل مرت الدول المتحضرة في مثل المرحلة التي مرت في العراق ؟ الجوب هو أيضا نعم . من يقرأ قصة "ذهب مع الريح" الامريكية سيكتشف ما جرى من ماسي وظلم في الولايات المتحدة الامريكية خلال الحرب الاهلية الامريكية بين الشمال والجنوب . ومن قراء قصة " البؤساء " سيكتشف أنواع العذاب الذي تحمله المواطن الفرنسي قبل وبعد الثورة الفرنسية . ان ما يمر به المواطن العراقي ليس غريبا عما شاهده العالم من ظلم وفقر وقتل . تذكر ان التغيير ليس سهلا على الكثير ولابد ان يجابه معارضة , في اغلب الأحيان مسلحة . وبالمناسبة التغيير ليس سهلا حتى على شركات الاعمال العملاقة , حيث ان كثيرا من الرؤساء المعروفين بنجاحاتهم السابقة قد تساقطوا بسبب معارضتهم للتغيير . لا تقدم بدون تغيير. التغيير في العراق فرصة ذهبية يستطيع العراق من خلالها و بفترة زمنية قياسية ان يكون كعبة الشرق الأوسط والعالم.
ان دعوة بعض رجال الدين بمقاطعة الانتخابات انما هي دعوة لأسقاط العملية السياسية والتي فشل الارهابيون من القضاء عليها بالسلاح . في هذا المجال يستخدم بعض رجال الدين فسحة الحرية التي جاءت مع التغيير لقتل التغيير وهو هدف فشل الارهابيون الوصول له . انهم يريدون تحقيق ما لم يستطع الإرهاب تحقيقه . هل كان واحدا منهم يتجرا اطلاق هذه الدعوة في زمن الطاغية ؟ الا يخافوا الله من دماء مئات الاف من العراقيين الأبرياء التي سقطت منذ التغيير ؟ هل هذا جزاء الشهداء ؟ الا يقول عز من قائل " وما جزاء الاحسان الا الاحسان"؟ اذا كانون يحبون الله والإنسانية , فلماذا لا يضيفوا الى دروسهم الأسبوعية حث المواطن على عمل الخير وعدم التجاوز على القانون واحترام الجيران وتحريم الفساد في دوائر الدولة ؟ اذا كانوا حنينين على العراق وأهله , لماذا اذا يسكتون على انتشار الجريمة المنظمة وانتشار المخدرات في المجتمع العراقي؟ اليس وظيفتهم هي نشر الوعي الإسلامي ؟ اليس المسلم يحتاج الى توعيه من مخاطر المخدرات ؟ اليس من واجب رجل الدين حث المواطن على احترام موظف الدولة و حماية ممتلكاتها ؟ اليس من واجب رجل الدين حماية العملية السياسية بعد ان أراد النظام البائد حتى منع الناس الذهاب الى المساجد من اجل أداء فريضة الصلاة ؟ رجل الدين يجب ان يكون رمزا للسلام والمحبة والتقوى لا ان يؤلب مواطن على اخر . ان دعوتهم الى عدم المشاركة في الانتخابات ماهي الا دعوة لزرع الكراهية والفوضى و العنف بين المواطنين , لان هذه الدعوة تدعوا الى الانقسامات بين أبناء الدين الواحد , وهو ما حرمه الله في كتابه الكريم وما حرمه الرسول الأعظم .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat