صفحة الكاتب : زيد شحاثة

عندما يكون نقص الإدراك.. نعمة
زيد شحاثة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

هل تعرفون كم هو متعب, أن تكون ذكيا؟ وتكون واعيا ومدركا لما يجري من حولك؟ أليس  كونك مع هذ الإدراك, بلا حول ولا قوة لتغييره, هو أشد أذى؟.
في يوم من أيام, حكم نظام البعث, وكنا نؤدي الخدمة العسكرية, التي تفرض على كل العراقيين, وكنا للتو قد أكملنا دراستنا الجامعية, ويعرف من مر بتلك الفترة, كم هي قاسية ومؤلمة.. وخصوصا لمن يملك مؤهلا علميا أو ثقافا وأدبيا.
إمتازت تلك الفترة, بوجود فارق فكري وثقافي وعقلي, بين الضباط والجنود, وبين الجنود أنفسهم, بين من يلتحقون بالخدمة لبلوغهم عمر الثامنة عشرة, ولم يكملوا دراستهم, ومن يلتحقون بعد إكمالهم دراستهم الجامعية.
خلال فترة سابقة, جيء لنا بمجموعة من الجنود, وأذكر أنهم كانوا من صنف المدرعات, لحماية الموقع الذي كنت أخدم فيه, وتُركوا دون مسؤول عنهم.. ومنهم جندي صغير السن, مقارنة بأعمارنا نحن خريجي الكليات, يسكن ريف إحدى محافظاتنا الغربية, وكان ضحوكا بسيطا, يتميز بصوت جميل نسبيا, حين يرتل القرآن, فكنا نحن الكبار, وعند حلول المساء, نجلسه معنا, فيقول أنتم " كأعمامي" فنلاطفه, فنطلب منه أن يرتل لنا, ونستمتع بصوته وبسماع القران.. فكل شيء ممنوع, وضد النظام.
في اليوم المشؤوم, حضر ضابطهم المسؤول لنقلهم إلى مكان أخر, ولسبب لم أعرفه حتى, قام بصفع هذا الصغير.. صفعة جعلته يسقط أرضا, لكن سرعان ما نهض.. لحظتها توقف الزمن عندي, وكأنما أنا من تلقى الصفعة.. إختنقت وأختفى الهواء, وكدت أموت, حاول أصدقائي التخفيف عني, فلم يفلحوا.
حضر الصغير بعد قليل, وكان الغروب قد حل, وكنت أتلوى, وقال بلهجته الغربية البسيطة " أشبيك عمي, أنا ما ضجت وإذا ضربني ..عادي" , نظرت بوجه صامتا, ثم إنفجرت ببكاء هستيري, فاجأ الجميع.. بكاء لم أستيقن حتى أنا سببه.. هل هو بكاء من أهين, ولم يستطع أن يرد إهانته؟ أم هو بكاء لسوء حظي, كوني أفهم وأعرف حقي وإنسانيتي؟!
هدأت بعدها , فقد فرغت كل إنفعالاتي بدموعي, ولكن.. حينها لعنت الشهادة العليا التي درست لأجلها, والثقافة التي تعبت لأجلها, فهما سبب تعاستي.. فما العيب في أن تعيش على هامش الحياة, لا تدري.. ولا تدري انك لا تدري؟! 
ألا نتمنى أحيانا, لو كنا جهلاء وبلا وعي ولا إدراك؟
ألن تكون في قمة الراحة والسعادة, ولن يضايقك أي حدث أو شيء؟! أليست نعمة؟ مالي وللشهادة والثقافة؟
سيقال عنك بليد وأبله وبلا إحساس.. أو ليست نعمة, في هذا الزمن الأغبر؟


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


زيد شحاثة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/05/25



كتابة تعليق لموضوع : عندما يكون نقص الإدراك.. نعمة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net