صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح347 سورة  غافر "المؤمن" الشريفة
حيدر الحد راوي

 السورة الشريفة من السور التي تدعى بالحواميم , التي لها فضائل وخصائص معينة كثيرة , منها ما ورد عن الامام الصادق عليه السلام انه قال : الحواميم رياحين القرآن . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" . 

بسم الله الرحمن الرحيم

حم{1} 
تقدم الكلام في الحروف النورانية المقطعة .
يروى عن الامام الصادق عليه السلام انه قال : واما حم فمعناه الحميد المجيد . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" . 

تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ{2} 
تضيف الآية الكريمة مؤكدة (  تَنزِيلُ الْكِتَابِ ) , القرآن , (  مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ ) , في ملكه , الغالب امره , (  الْعَلِيمِ ) , بجميع خلقه . 
 (الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) العزة والعلم يكملان بعضهما البعض , فلا عزة بدون علم , ولا علم بدون عزة .

غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ{3}
تستمر الآية الكريمة (  غَافِرِ الذَّنبِ ) , للمؤمنين , حيث لا يغفر الذنوب سواه جل وعلا , (  وَقَابِلِ التَّوْبِ ) , وهو جلا قابل توبة التائبين , حيث لا يقبلها سواه تبارك وتعالى , (  شَدِيدِ الْعِقَابِ ) , للكافرين ومن عصاه , (  ذِي الطَّوْلِ ) , ذو الانعام الواسعة , ذو الفضل بترك وتأجيل العقاب عن مستحقيه , (  لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) , لا يستحق الربوبية سواه , (  إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) , مصير الجميع يوم القيامة , فيجازي المطيع ويعاقب العاصي .  

مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ{4}
الآية الكريمة تخاطب النبي الكريم محمد "ص واله" (  مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ ) , بطعنها ودحضها ومحاولة تفنيدها , (  إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ) , كفار مكة بالخصوص وسائر الكفار بالعموم , (  فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ ) , طلبا للمعاش ومسير قوافلهم التجارية , فأن العذاب واقع بهم عما قريب .    
( روي عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله إن جدالا في القرآن كفر وإنما نكر لجواز الجدال لحل عقده واستنباط حقائقه وقطع تشبث أهل الزيغ به ورد مطاعنهم فيه ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ{5} 
تستمر الآية الكريمة (  كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ ) , سبق كفار مكة للتكذيب قوم نوح "ع" وكذلك الذين تحزبوا من بعدهم كعاد وثمود وغيرهم , (  وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ ) , كل امة من هؤلاء هموا برسولهم , وانشغلوا بأمره , (  لِيَأْخُذُوهُ ) , بقتله او تعذيبه , (  وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ) , جادلوا بباطلهم الذي لا حقيقة له ان يزيلوا الحق الذي جاءتهم به الرسل , (  فَأَخَذْتُهُمْ ) , بالعذاب والهلاك , (  فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ) , فأنكم تمرون على ما تبقى من مدنهم ومنازلهم وتتناقلون الحكايا عنهم وكذلك ما يخبركم به القرآن عما حلّ بهم .  

وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ{6} 
تستمر الآية الكريمة مضيفة (  وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ) , قوله جل من قائل { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ }هود119 , (  عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ) , مصيرهم اليها .   

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ{7} 
تنتقل الآية الكريمة لتضيف (  الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ) , المعروفون بحملة العرش وعددهم ثمانية { وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ }الحاقة17 , (  وَمَنْ حَوْلَهُ ) , ومن حول العرش من الملائكة , (  يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) , يذكرون الله تعالى بالتنزيه والتحميد , (  وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ) , يؤمنون بالله تعالى ببصائرهم , ذكره النص المبارك بيانا لفضل الايمان , (  وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) , يطلبون المغفرة منه تعالى للمؤمنين , يقولون :  
1-    (  رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً ) : رحمتك وسعت كل شيء , (  وَعِلْماً ) , وكذلك علمك وسع واحاط بكل شيء . 
2-    (  فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا ) : لمن طلب التوبة من الشرك والمعاصي . 
3-    (  وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ) : الصراط المستقيم . 
4-    (  وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ) , وجنبهم عذاب جهنم .        

رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{8} 
يستمر كلام حملة العرش ومن حوله في الآية الكريمة (  رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ) , الاقامة , (  الَّتِي وَعَدتَّهُم ) , لمن صلح منهم , (  وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ) , وألحق بهم اباءهم وازواجهم واولادهم ليسروا بهم , (  إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ ) , في ملكك , (  الْحَكِيمُ ) , في صنعك وتدبيرك , الذي لا يفعل الا ما تقتضيه الحكمة ومنها الوفاء بالوعد .    

وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{9}
يستمر كلام حملة العرش ومن حوله في الآية الكريمة (  وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ) , جنبهم عذاب ما اقترفوا من السيئات , (  وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ) ,  فأن من تجنبه عذاب وعقاب سيئاته ذلك اليوم فقد شملته برحمتك , (  وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) , حيث لا فوز يضاهيه .   

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ{10} 
تستمر الآية الكريمة في الموضوع (  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ ) , يوم القيامة , فترد عليهم ملائكة العذاب (  لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ) , مقت الله تعالى لكم اكبر مقتكم لأنفسكم الامارة بالسوء , (  إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ ) , في الدنيا , (  فَتَكْفُرُونَ ) , تجحدونه .   

قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ{11} 
تروي الآية الكريمة على لسان الكفار اهل النار (  قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ) , يختلف المفسرون في النص المبارك , فنطرح عدة اراء : 
1-    إماتتين . "تفسير الجلالين للسيوطي " . 
2-    عن الصادق عليه السلام ذلك في الرجعة . "تفسير القمي" . 
3-    لعل المراد أن التثنية إنما تتحقق بالرجعة أو يقولون ذلك في الرجعة بسبب الأحياء والأماتة اللتين في القبر للسؤال  . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .
4-    اماتتين الاولى انتزاع الروح والثانية للجسد . 
5-    موت الانسان وقرينه . 
6-    اماتتين الاولى الموت في الدنيا , والاخرى الموت في الاخرة بمعنى دخول جهنم , أي ان الميتة الثانية مجازية تشير الى الخلود في النار .  
7-    الميتة الاولى اشارة الى بداية تكون الانسان من النطف , أي كان الانسان ميتا قبل ان توهب له الحياة , ثم الميتة الثانية فهي الموت المعروف .  
(  وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) ,  يختلف المفسرون في النص المبارك ايضا , فيطرحون نفس ما ذكر اعلاه , (  فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا ) , اليوم وفي هذا الموقف نعترف بكفرنا وبذنوبنا وتقصيرنا , (  فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ) , فهل هناك طريقا للخلاص من العذاب كي نسلكه , او نعود الى الدنيا فنؤمن ونعمل الصالحات .     

ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ{12}
ترد الآية الكريمة عليهم (  ذَلِكُم ) , ما انتم فيه من العذاب كان سببه واستحقاقكم له (  بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ) , بالتوحيد وما يترتب عليه من اخلاص العبادة والطاعة , (  وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ) , وان اشرك به , امنتم بالإشراك , (  فَالْحُكْمُ ) , فالحكم والقضاء اليوم , (  لِلَّهِ الْعَلِيِّ ) , على خلقه , (  الْكَبِيرِ ) , العظيم , من ان يشرك به ويسوى به غيره .      
( عن الصادق عليه السلام يقول إذا ذكر الله وحده بولاية من أمر الله بولايته كفرتم وإن يشرك به من ليست له ولاية تؤمنوا بأن له ولآية ) . "تفسير القمي" .   

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ{13}
تستمر الآية الكريمة (  هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ ) , دلائل قدرته الدالة على توحيده , (  وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً ) , المطر , او اسباب الرزق الاخرى , (  وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ ) , لا يتعظ من ذلك الا من رجع عن الشرك وانكار التوحيد واقبل على الدلائل الربانية وتفكر فيها وتأملها .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/05/18



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح347 سورة  غافر "المؤمن" الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net