من سورة البقرة
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ{87} وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ{88} وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ{89} بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ{90} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{91} وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ{92} وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ{93} قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{94} وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ{95} وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ{96}
يذكر الله عز وجل بني اسرائيل بموسى (ع) وكتابه , والرسل الذين من بعده , انتهاءا بعيسى (ع) والبينات وروح القدس , وكلما جاءهم رسول كذبوه او قتلوه , حتى اصبح بنو اسرائيل اكثر الشعوب تقتيلا للانبياء (ع) , وتكذيبا للرسالات والكتب السماوية , لا لشيء , الا ان تلك الرسالات والكتب السماوية تتعارض مع مصالحهم الشخصية , واهوائهم الشيطانية .
وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ{88}
واتهم بني اسرائيل قلوبهم , على انها غلف , لا تستوعب الرسالات والكتب , او بطيئة الفهم , او قليلة الخشوع , وما شابه ذلك , لكنها غير الحقيقة , الحقيقة هي ان من يلعنه الله تنزل اللعنة على قلبه فتغلفه بالسواد , طبعا الباطني , فتعمى بصيرته , ويثقل فهمه وتدبره في ايات الله البينات , وهذا لا يشمل بني اسرائيل فقط , بل كل الامم ! .
ايما انسان لا يجد الخشوع في قلبه , والخوف من ربه , رغم تواتر الايات البينات , او عند سماع القرآن الكريم , فليعلم ان قلبه اغلف .
وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ{89}
يروي القرآن الكريم من ان بني اسرائيل كانوا ينتظرون نبي اخر الزمان , ويدعون الله تعالى ان ينصرهم به وبرسالته , وكانوا يهددون العرب والاقوام المجاورة لهم به , وانهم سيقاتلونهم بمجرد ظهوره , فلما جاءهم ما وعدهم الله عز وجل , وعرفوه , بما موجود لديهم في التوراة , كفروا به , بل حاربوه , ورفضوا بعثته ورسالته , كون هذا النبي عربي و من ذرية اسماعيل (ع) , وليس كما تمنوا , ان يكون عبراني من ذرية يعقوب واسحاق (ع) .
حتى لو كان هذا النبي عبراني , من ذرية يعقوب واسحاق (ع) , فأنهم سوف يكفرون به , كعادتهم مع كل الانبياء والرسل , فحقت عليهم لعنة الله .
بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ{90}
ما احقر واتفه ما باعوا به انفسهم , عندما يكفرون بنبي اخر الزمان , محمد ( ص واله ) , بغضا للعرب , من ذرية اسماعيل (ع) , متناسين ان بعثة الانبياء والرسل هي من فضل الله , و الله يؤتي فضله من يشاء من عباده .
نال بني اسرائيل نوعين من الغضب الالهي , الاول : عندما كذبوا وقتلوا أنبياءهم , وتحريفهم التوراة .. الخ , والثاني : تكذيبهم بنبي اخر الزمان , محمد (ص واله) .
كأن النوع الثاني من الغضب يعادل كافة جرائم بني اسرائيل قبل بعثة النبي محمد (ص واله) , الشيء الباهر في الموضوع , ان الغضب الاول على بني اسرائيل كاد ان يرفع عنهم بنبوة محمد (ص واله) , فلم يفلحوا , ولم يوفقوا للايمان , فأكتنفهم الغضب الثاني , الذي سيستمر معهم الى يوم القيامة ! .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{91}
يحتج الله تعالى عليهم ( بني اسرائيل ) , حيث اذا قيل لهم آمنوا بما انزل الله , فكان جوابهم اننا نؤمن بما انزل علينا فقط , فأذا كنتم حقا تؤمنون بما انزل عليكم , فلماذا كذبتم انبيائكم وقتلتموهم , وحرفتم التوراة , حذفتم منها نصوصا كثيرة وادخلتم فيها ما يتناسب مع اهوائكم وغيرتم شعائر الله , وبدلتم سننه ؟ .
وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ{92}
ومن ذلك ما جاءكم به موسى (ع) من البينات , واتخذتم العجل من بعده (ع) .
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ{93}
ومن ذلك ايضا , اخذ الميثاق عليهم , ورفع الطور فوقهم , وامره تعالى لهم , (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ) , لكن للعجل تأثير خاص على قلوبهم المريضة , واحلامهم البذيئة , فاي ايمان تقصدون ؟ , أي ايمان يأمركم بمثل ذلك ؟ .
قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{94}
يخاطبهم الله تعالى بلسان نبيه المصطفى (ص واله) , ان كان حقا ما تقولون , ان لكم الدار الاخرة خالصة لكم , دون غيركم من الناس , فالموت هو السبيل الوحيد للوصول اليها , فتمنوه , ان كانت دعواكم هذه حقا , فالاولى بالانسان ان يسارع الى الدار الافضل , والمكان الاكثر نعيما , بأي وسيلة كانت , وان كانت الموت نفسه ! , فيستراح اانسان من العناء الذي يلاقيه في هذه الدنيا , من حرّ وبرد , الم وشقاء , فقر وبؤس .... الخ .
لكننا نجد العكس ,فبني اسرائيل اشد حرصا على هذه الدنيا الفانية , واكثر الامم خوفا ورعبا وهلعا من الموت والحياة الاخرة , فما المبرر لكل ذلك , اذا كنتم تدعون ان الدار الاخرة خالصة لكم دون غيركم من الناس ! .
وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ{95}
يخاطب الله تعالى نبيه الكريم محمد (ص واله ) وكافة المسلمين , بانهم لن يتمنوه ابدا , لانهم على يقين تام من كذب ادعاءاتهم , ويعرفون ان محمدا (ص واله) هو اخر انبياء الزمان , كمعرفتهم بأبائهم وابناءهم , او ربما اكثر .
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ{96}
يستمر الخطاب الالهي للنبي محمد (ص واله) , لكنك (يا محمد ) تجدهم اشد الناس حرصا على هذه الحياة الدنيا , بل يود احدهم لو يعمر الف عام , او ان يخلد , وحتى لو عمّر الف عام , فأن ذلك لا يعطيه الحصانة من العذاب .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat