هل لبس تحالف( الأمراء والعلماء) قناع العلمانية.. ؟! (الجزء الاول)
عباس الكتبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عباس الكتبي

تأسست ونشأت الدولة السعودية في التاريخ المعاصر من خلال ( ثلاث نشئآت)، الأولى على يد محمد بن سعود، والثانية على تركي بن عبدالله، والثالثة على يد عبد العزيز بن سعود.
في كل نشوءآتها الثلاثة، كانت قآئمة على تحالف بين محمد آل سعود( جد العائلة الحاكمة)،مع محمد الوهابي( مؤسس المذهب الوهابي)،أطلق عليه( بتحالف الأمراء والعلماء)، وكان ذلك في القرن الثامن عشر، وعليه تقاسموا السلطة.
مشروع هذا التحالف السياسي، قآئم على آيدولوجية مؤسسة( لتكفير المحيط المجاور)، ومن ثم غزوه وسلب ونهب الممتلكات، وأرتكاب المجازر من سبي للنساء، وقتل للأطفال، و…
إذ لابد من مسوغ ومبرر شرعي لغزو الآخرين، حيث أن التحالف كان دوما شعاره العقدي( لا غزو إلا بعد تكفير)،فكان الأفتاء من العلماء، والقتل والغزو من الأمراء، هكذا تشكلت دولة آل سعود من الأول الى الثالث.
فكان هذا الأخير( عبد العزيز بن سعود)، أشد صرامة وأدهى من سابقيه، وأكثر عزيمة في تطبيق التحالف، ورفع شعاره، ونشر دعوته، وعلى يديه تأسست الدولة السعودية- الوهابية الحديثة عام 1932 وأستمرت الى الآن.
الملك( عبد العزيز)، الذي قام بشن غارات متلاحقة على منطقة نجد، والرياض، والطائف، والحجاز، وبمساعدة من الجيش العقائدي الأخواني( نشأت حركة الأخوان، بعد تأسيس أولى المستوطنات في شهر ديسمبر عام 1912 في الأرطارية، التابعة لقبيلة مطير بقيادة الشيخ عبد الكريم المغربي).
وبمساندة أيضا من أمير الكويت الشيخ( مبارك آل صباح)، الذي كان يدعمه بالمال والسلاح والجند، فكان يرسم له الخطط الحربية وهو في مدينته، فغزى ابن سعود الرياض وكان شعاره( الملك لله ثم لعبد العزيز)،ذكر ذلك صاحب كتاب (تاريخ الكويت- عبد العزيز الرشيد)، فغزوته الرياض شبيه بطريقة خالد بن الوليد على مالك بن نويرة( في قصة يحكيها المؤرخون)،فقتل أمير الرياض( أبن عجلان)،وأحتلها في عيد الفطر سنة 1319هجرية.
وينقل لنا (د.فؤاد أبراهيم)،عن السيد دحلان، في كتابه( خلاصة الكلام في بيان البلد الحرام، القاهرة ص297 قائلا:( ولمّا دخلوا الطائف قتلوا الناس قتلا عاما واسترعبوا الكبير والصغير، والمأمور والأمير، والشريف والوضيع، وصاروا يذبحون على صدر الأم الطفيل الرضيع، وصاروا يصعدون البيوت يخرجون من توارى فيها، فيقتلونهم، فوجدوا جماعة يتدارسون القرآن فقتلوهم عن آخرهم حتى أبادوا من في البيوت جميعا).
كما ينقل( د)، عن السيد أبراهيم الراوي الرفاعي، في كتابه رسالة الأوراق البغدادية في الحوادث النجدية، تركيا1976،ص3( أن عدد من العلماء قتل في غارات الوهابيين على الحجاز من بينهم، السيد عبدالله الزواوي مفتي الشافعية بمكة المكرمة، والشيخ عبدالله ابو الخير قاضي مكة، والشيخ سليمان بن مراد قاضي الطائف،…).
ويشرح المبعوث الفرنسي( دمنغو باديا أي بينج)،(أن السكان والحجاج لا يستطعيون سماع مجرد أسمهم دون أن تمتلك قلوبهم الرجفة بل أنهم لا يتلفظون أسمهم الاّ همسا)، هذا ما قام بفعله الملك عبد العزيز آل سعود محترما أتفاقية التحالف!
(انتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني بعونه تعالى). الجزء الثاني
هل لبس تحالف( الأمراء والعلماء) قناع العلمانية..؟!
عباس الكتبي
بعد أن تحدثنا في الجزء الأول عن منهجية آل سعود، فكرا وسلوكا، والتي تكونت دولتهم عليها.
نطرح سؤال: هل كانوا آل سعود فعلا مؤمنين بدين الشيخ( محمد بن عبد الوهاب)؟ أم أستخدموه أداة لتحقيق غاياتهم، من المال، والجاه، والسلطة.
قبل الأجابة عليه، ننتقل الى سؤال آخر: لماذا توقفت حركتهم على نجد والحجاز، بينما فكرهم وخصوصا أذا تعسكر، هو عابر للقارات!
نبدأ بالسؤال الاخير، يقول المختصون بعلم( الانثروبولوجيا): علم دراسة الانسان، طبيعيا، وحضاريا، وأجتماعيا، تبنى وتتحرك قواعده المعرفية ويقوم على العلوم الاجتماعية والبيولوجية.
يقولون أن الطبيعة تؤثر على سلوك وفكر الانسان،سلبا أو أيجابا، فمثلا: الأنسان الذي يعيش في البادية والقرى، يختلف عن الذي يعيش في المدن، بل حتى الاشكال الفنية تؤثر عليه، فالماء والخضرة تبعث الرأفة والرقة، والصحراء تبعث الغلظة والقسوة.
على ضوء هذا المنطق يأتي الجواب، ونقربه بمثال توضيحي: منطقة نجد تسكنها قبائل بدوية، تجوب الصحراء، ومعتادة على الصراع فيما بينها، ومتطبعة على الغزو والقتال، ومن ثم النهب، والسلب، والقتل، فتجد عندهم القسوة والغلظة؛ فعندما يأتيهم شخص مثل( ابن عبد الوهاب)، بأفكار تنسجم مع طبيعتهم، يجدون ضآلتهم عنده وهو كذلك( يعني تبادل مصالح)،وخصوصا أذا أضفى أليها طابع ديني، يزدادون شوقا ولهفى لها! من هنا صارت نجد منطلقا، للحركة الوهابية السعودية.
وأما لماذا لم تتعدى للدول المجاورة فهي لعدة عوامل منها:1- ان دولتهم فتية، 2- خوفا من التدخلات الخارجية، وقد شهدها بعينه عبد العزيز، عندما أراد أبن الرشيد، الذي كلن واليا على الحجاز، وأراد ضم الكويت الى أمارته، كيف المدفعية الأنجليزية دكت قواته ورد خاسرا أبن الرشيد.
نرجع الى السؤال الذي طرحناه، فيجيبنا عليه الكولونيل ديكسون، في كتابه( الكويت وجارتها،ج1ص93)، الذي نقل عنه( د. فؤاد ابراهيم)، في كتابه( العقيدة و السياسة الوهابية)،قال(د يكسون):( أن أحدا من الذي عرفوا ابن سعود،معرفة جيدة لا يستطيع ان يتهمه هو شخصيا بالتعصب الوهابي، أو بالهيجان والأندفاع الديني الأعمى الذي كان يحقن به أتباعه من الأخوان. فقد كان في المناسبات، وحسب ما يلائم أغراضه، يتظاهر أمام أتباعه بأن له نفس نظرتهم وأفكارهم، لا سيمّا عندما يحتك بالجنود
عشية غزوة من الغزوات...)!
كما نقل( د) عن جهيمان العتيبي عندما كتب في رسالته( دعوة الأخوان كيف بدأت وألى أين تسير)، فقال عن آل سعود ما نصّه( فهؤلاء الحكام ليسوا أئمة لأن إمامتهم للمسلمين باطلة ومنكر يجب أنكاره، لأنهم لايقيمون الدين ولم يجتمع عليهم المسلمون، وإنما أصحاب ملك سخروا المسلمين لصالحهم، بل جعلوا الدين وسيلة لتحقيق مصالحهم الدنيوية فعطلوا الجهاد، ووالوا النصارى( أمريكا) وجلبوا على المسلمين كل شر وفساد)!
(سنكمل في الجزء الثالث بمشيئته تعالى). الجزء الثالث
هل لبس تحالف( الأمراء والعلماء) قناع العلمانية..؟!
عباس الكتبي
ذكرنا في- الجزء الثاني- ما قاله( ديكسون)، و(جيهمان العتيبي)، حول آل سعود، وأنهم أتخذوا الدين ذريعة ووسيلة للوصول الى السلطة، وتحقيق أغراضهم الدنيوية، رغم أن التصريحين من الرجلين، بينهما فترة طويلة، لكن كلامهما متفق.
سنرى صحة هذا الكلام في واقعنا الخارجي، أو لعلنا نجد أسباب أخرى! بما أن آل سعود كان هدفهم السلطة، فمن الطبيعي الحفاظ عليها، بكل ما اوتوا من قوة، حتى لو كلفهم ذلك قتل أبن عبد الوهاب نفسه!
فآل سعود يعلمون جيدا( وأهل البيت أدرى بالذي فيه)،ان الفكر الأخواني- الوهابي، ليس له سلطة مركزية، وأصبح يهدد أمنهم ودولتهم، وخصوصا بعد كثرة الحركات المتطرفة في المنطقة، وباتت قريبة منهم.
ما يؤيد صحة هذا الكلام، هو أتخاذ الدولة السعودية الحالية، موقف المواجهة ضدهم، والعمل على تفتيتهم، وهذا ما نراه اليوم، من دعمهم للمعارضة السورية العلمانية، على حساب الحركات المتطرفة! التي تدعمها قطر، وكذلك دعم السيسي وإفشال حكومة مرسي، المؤيد من قبل قطر، حتى حصل خلاف شديد بين الدولتين.
قطر أرادت احتضان الحركات المتطرفة- بعد أن تخلت السعوديةعنها!!- وأستنساخ ورقة آل سعود في المنطقة، وسحب بساط الشرعية من آل سعود، حتى تكون هي صاحبة الكلمة المسموعة، ويساعدها على ذلك، كما قيل: أن العائلة الحاكمة، تربطها علاقة قبلية مع الشيخ- محمد أبن عبد الوهاب-.
نعود لموجهة السعودية للأرهاب، فقد صدرت بينات حكومية تدين داعش! بل أن بعض هيئة علماء المسلمين عندهم، حرّم الدخول في هذه الحركات، بعد أن عملوا فيها سنين طويل؟! ثم قام الجهاز الأمني الداخلي، بأعتقال العسرات من المجموعات المتطرفة، وزجهم في السجون.
وتوجد هناك أسباب قهرية أيضا، تدعوهم لمواجهة التطرف، أسباب: سياسية- أجتماعية- أقتصادية، فنظرية علم( الأنثروبولوجيا)، التي ذكرناها سابقا، تصح أيضا هنا! فأذا كانت طبيعة البدو تنسجم وتتزاوج مع فكر أبن عبد الوهاب، فاليوم العالم تغير، والمجتمع السعودي، ليس مثل قبل، آصبح يتجه الى الحداثة، بفضل العلم والتقنيات الحديثة، حتى أن هناك داخل السعودية، تيار علماني ليبرالي ينمو، وعلماء السعودية، الحاملين لفكر الشيخ، عاجزين عن رد تسآؤلآثهم وأستفساراتهم.
فمن مصلحة آل سعود، أن يتماشون مع العالم الجديد، ويسيرون مع العلمانية! لأن فكرهم المتطرف السابق، أصبح منبوذا اليوم، حفاظا على دولتهم وسلطتهم أذا كان هو هذا همهم.
ولاعجب أن يصرح الأمير فيصل( لصحيفة نيويورك تايمز)، عندما قال: ( أننا نتحرك بأتجاه مجتمع ليبرالي).
(سنكمل في الجزء الرابع والاخير بعونه تعالى) الجزء الرابع( الأخير)
هل لبس تحالف( الأمراء والعلماء) قناع العلمانية..؟!
عباس الكتبي
توقفنا في الجزء السابق على تصريح الأمير سعود الفيصل، الذي قاله لصحيفة( نيويورك تايمز، 2مارس 2010)، ومنها حديثه( عن التحلل من قيود الماضي)، وقوله( اننا نتحرك بأتجاه مجتمع ليبرالي)، وأن كان تراجع عن موقفه في صحيفة الرياض في 15 مارس 2010، نقلا عن د. فؤاد ابرهيم في مقال على( صحيفة صوت اليسار العراقي)،
وحتى تكون الصوره مكتمله، نقف قليلا عند العلمانية، ونتحدث بشيء مختصر عنها.
العلمانية مأخوذة من كلمة( secular) بمعنى الناسوتي، والدنيوي، والبشري، وأمّا في المصطلح السائد فالعلمانية تعني:( تنظيم الامور المعاشية وحياة الأنسان، من دون إقحام لسلطة الله والآخرة)، ولها أسس وقواعد فكرية، شكّلت قوامها طوال أربعة قرون، لتحل محل الأسس والمباني الفكرية لدى الكنيسة، وهي على النحو الآتي: النزعة الأنسانيةـ العقلانيةـ العلمّيةـ الليبرالية( فلسفة سياسية ظهرت في أوربا في أوائل القرن التاسع عشر، وهي تعارض المؤسسات الدينية التي تحد من الحريات الدينية.)ـ العصرانيةـ أصل النسبيةـ العقد الأجتماعي؛ نقلا عن( فلسفة النظام السياسي في الأسلام، د. عبدالله حاجي الصادقي).
نرجع الى أصل الموضوع، فتراجع الامير من تصريحه، لا ينفي الحقيقة، فقرار الملك( عبدالله)، الذي أصدره بمشاركة المرأة في مجلس الشورى، بما في ذلك المجالس البلدية، بعد أن كان يحرم عليها العمل، يثبت هذه الحقيقة، وقد بارك هذا القرار أغلب هيئة كبار العلماء، حسب تصريح وزير العدل السعودي!
على هذه ضوء المعطيات، نستطيع أن نحكم ولو ظنّاً، أن آل سعود يسيرون بهذا الأتجاه.
وما التحالف الآن بين آل سعود وبعض قيادات العرب السلفية، مع الغرب و بعض قيادات العرب العلمانية، ضد اليمن، إلأّ دليلا آخر، ولعلّه! بداية الصراع العربي ـ العربي، التي اخبرت عنه الروايات المستقبلية في قضية الظهور( صاحب الأمر، عج)، وعلى ذكر هذه القضية، نعرّج على( السفياني)، الذي يعد خروجه من العلائم الحتمية، وفق مذهب أهل البيت ـ عليهم السلام ـ نحاول نعطي فهم، او رؤية،أو أطروحة، ولعلها تخطيء، أو تصيب! ولانريد أن نفرض الحدث على الرواية!
هذا التحالف( السلفي العلماني) الحاصل الآن، لا يقتصر على اليمن! وهو ماصرح به( السيسي) في المؤتمر السادس والعشرين( بشرم الشيخ) للدول العربية، وكان أكثر الرؤساء صراحة، عندما قال: يجب علينا حل الأزمة السورية، والليبية، لأنها تهدد أمننا العربي، وأذا ضممنا أليه، تصريح أمير الكويت( أن سوريا لاتحل أزمتها ألا بالحل السلمي)تكون النتيجة: يطرحوا على بشار الأسد حل لكن وفق شروط لا يرتضيها، وبالمحصلة سيكون تحالف عسكري ضده على غرار اليمن، بقيادة سورية من الخارج أو الداخل يأتون به،وتتجمع قواتهم البرية على الحدود الاردنية السورية من جهة الوادي اليابس، يمثّل الشخصية الازدواجيةللتحالف( السلفي العلماني).
فالروايات حول السفياني تعطيه صفة أزدواجية مثل:أنه( احمر، اصفر،أزرق، لم يعبد الله قط، ولم يرى مكة ولا المدينة)ومثل: أنه( شديد الصفرة من اثر العبادة)، ومن ثم يدخل العراق تحت هذا الغطاء الشرعي.
خصوصا السعودية طالبت علنا مجلس الآمن الدولي ـ قبل بضعة أشهرـ بأدراج فصائل المقاومة الشيعيةالعراقية ضمن قائمة الارهاب، وبذلك يعيدوا أل سعود، تحالفهم السابق( الأمراء والعلماء) بتحالف( السلفي العلماني)، ومن خلال السفياني لكي يحكموا المنطقة.
( يُريدوُنَ لُيِطفؤِا نور اللهِ بأفْواهِهِم واَلله مُتمُّ نُوِرِه وَلَو كَرِهَ الكَافروُن)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat