كتابات في الميزان
كتابات في الميزان

الطبائع الغابية!!

قرأت لأحد الأساتذة مقالا تحليليا يتحدث فيه عن عقلية "الغالب والمغلوب" المهيمنة على السلوك السياسي.
 
وكلما تُذكر كلمة "سياسي" , أتساءل :"هل عندنا سياسة"؟!!
 
المشكلة التي لا نصدق وجودها أن سلوك الكراسي تنطبق عليه آليات الغاب وأكثر.
 
إنه يتفوق عليها بوحشيته وإطلاقه لقدرات الشرور والجور والفجور , فالكرسي هو ميدان إنفلات النفس الأمارة بالسوء.
 
وهذا معروف على مدى العصور , والقادة الذين خلدهم التأريخ إما من الذين حاولوا لجم جماحه  وطيشه , أو من الذين ركبوه إلى أقصاه فعبّروا عن غاية الشر وذروته في أفعالهم التي ترتعب منها الأرض.
 
وهم أكثر من الذين حاولوا أن يلجموا جموح النفس الأمارة بالسوء والبغضاء , وهذا يتكرر في حياتنا التي نسميها (سياسية) , وما هي بالسياسية وإنما بالغابية.
 
البعض يرى أن في الغاب ضوابط وتقديرات متعارف عليها , كالجوع والقوة والضعف وإرادة البقاء, فالحيوانات المفترسة تصطاد ما ضعف من القطيع , وتحافظ على التوازن بتقليل الأعداد.
 
أما في عالم الكراسي فلا ضوابط ولا أحكام , وإنما إرادة الإنفلات المطلق , التي لا تعرف الحدود والوقوف عند مكان أو الإعتراف بالقناعة وتغيير الرؤية والإتجاه.
 
فالذي يسرق يتمادى بالسرقة , ومَن يقتل يتواصل في القتل , والظالم يتمادى بظلمه وهكذا دواليك.
وفي عالمنا الذي قُتِلت فيه النفس اللوامة وأُعْتقِلت النفس المطمئنة , وتسيّدت أمارة السوء التي فينا , لا يمكن القول بوجود سياسة , ولا يصح الإقتراب من الحالة بعقل ورشاد , وإنما الجنون هو القانون والإضطراب هو الدستور , مما أباح الفساد والقهر والقتل والتمادي بالسيئات.
 
فوجدتنا في عالم المحق الذاتي والموضوعي والإتلاف الحضاري المروع.
وساد الغباء السلوكي الذي أدى إلى أن تكون أفعالنا ذات صفة إنتحارية , فأما أنا موجود أو يبيد كل موجود.
 
هذا السلوك يتكرر في بلداننا ويدمر معالم وجودنا , ويدفع بنا إلى إنقراض حتمي وعلى جميع المستويات.
 
البعض يتوهم بأننا لن ننقرض, وبأننا سنكون , لكن دوام السلوك الإنقراضي سيدفع إلى حتمية الهلاك , والإبادة التامة لمعالم الوجود الذي يرتبط بنا , فلن يكون عتاة الكراسي غلبة ولن يغلب إلا الطامع فينا أجمعين.
 
وهذا قانون إمتلاك الشعوب الجديد , الذي يرفع رايات الحرية وحق تقرير المصير على لافتات سامية , ويمثلها بسلوكيات دامية.
 
وهذا ديدن الوجود فوق التراب , فما ملكنا شيئا إلا جئنا بما يناقضه , وما صنعنا شيئا إلا وسخرناه للشرور!!
 
فهل سيتأهل واقعنا للكلام عن صحة سلوك وإرادة أكون؟!! 
طباعة
2015/03/22
2,481
تعليق

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!