باكستان وتنامي ظاهرة الرفض لدعم السعودية للمدارس الوهابية
سامي رمزي

لا نكشف سرا ان قلنا ان هناك عاملين رئيسيين جعل الارهاب التكفيري يعشعش في باكستان ويصل الى هذه المديات الخطيرة ، التي تنذر بخروج المجموعات التكفيرية عن السيطرة ، وتهديدها للأمن القومي الباكستاني والنسيج الاجتماعي في هذا البلد ، الاول الدعم السعودي السخي للمدارس الوهابية في باكستان ، والتي تعتبر ماكنة تفريخ للإرهاب والارهابيين ، والثاني الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه الاستخبارات الباكستانية والمتمثل باستخدام المجموعات التكفيرية المتطرفة كورقة سياسية ضد غريمها الهند في الصراع في الكشمير.

المعروف ان السعودية وفي إطار استراتيجيتها في نشر الفكر الوهابي التكفيري في العالم، تهدف الى ايجاد خطوط دفاعية متقدمة لها، وخاصة لنظامها السياسي والديني الفريد والغريب، لامتصاص اي هجمات يمكن ان يتعرض لها هذا النظام من خلال الثورات والتغييرات الاجتماعية، التي قد يشهدها العالمان العربي والاسلامي، في إطار القوانين الاجتماعية التي تتحكم في سير تطور المجتمعات الانسانية.

ويمكن ملاحظة ثمار هذه الاستراتيجية السعودية من خلال ضرب كل الثورات العربية، وتحويلها الى صراع عدمي عبثي، عبر تحريك الجيوش الجرارة من التكفيريين الذين كانوا احدى ثمار نشر الوهابية في العالم ، كما يحدث اليوم في اليمن والبحرين ولبنان وسوريا والعراق وليبيا وحتى مصر، فكل هذه الاحداث، جاءت من اجل افشال اي تطلع شعبي من اجل التغيير، والذي قد يصل الى جزيرة العرب والنظام الغريب القائم فيها، حيث زرعت الزمر التكفيرية الفوضى في كل هذه الدول وغيرها، واخر حلقات هذه الفوضى ما نشاهده اليوم في اليمن، عندما انتفض الشعب اليمني من اجل اعادة ثورته الى مسارها الصحيح، نرى الزمر التكفيرية والجهات التي باعت نفسها للدولار النفطي السعودي، تضع العصي في عجلة ثورة الشعب اليمني، لأنها ترى اي تغيير يمكن ان يصب في صالح الشعب اليمني سيكون على حساب النظام السعودي وتركيبته العجيبة الغربية، وكذا الحال في البحرين وسوريا والعراق وباقي البلدان الاخرى.

في باكستان وجدت السعودية وللأسف الشديد في الوضع الاقتصادي ونسبة الامية في المناطق الريفية ، منافذ واسعة للتدخل في شؤون هذا البلد ، عبر تقديم مساعدات مالية ضخمة لتأسيس مدارس دينية تعمل على نشر الفكر الوهابي التكفيري في المجتمع الباكستاني ، بينما تجاهلت الحكومات الباكستانية المتعاقبة هذا الامر ، بسبب الدعم الاقتصادي الذي كانت تتلقاه من السعودية ، حيث كانت باكستان ترى في هذا الدعم نقطة قوة في مواجهتها مع الهند ، حتى ان باكستان كانت ترى في خريجي هذه المدارس ، مقاتلين بالقوة ، في صراعها مع الهند على منطقة كشمير ، لاسيما ان اهالي كشمير هم من المسلمين.

وزاد من اهمية هذه المدارس وخريجيها في باكستان الغزو السوفيتي لأفغانستان، حيث استقطبت هذه المدارس اهتمام الاستخبارات الامريكية والباكستانية والسعودية، من اجل الاستفادة منها لإعلان الجهاد على الجيش الاحمر الملحد، وهو ما حصل بالفعل، حيث خرجت طالبان افغانستان من هذه المدارس، ومنها ايضا خرجت طالبان باكستان وباقي الزمر التكفيرية الاخرى كـ "جيش جهنغوي" و "جيش الصحابة" وغيرها من هذه الزمر التكفيرية.

ولما كان الارهاب مثله مثل باقي الظاهر الاجتماعية والسياسية لا يمكن حصره والتحكم فيه ، اخذ يخرج عن سيطرة الجهات التي كانت ترى فيه وسيلة سياسية ، لاسيما عند بعض الجهات الامنية والعسكرية في باكستان ، حتى وصل الامر ان يستهدف الارهاب الجهات التي صنعته وسهرت عليه ، في باكستان ، حيث استهدف الارهاب مراكز للجيش الباكستاني ، وحتى المؤسسات المدنية التابعة له كالمدارس والمعاهد ، واخر جرائم التكفيريين ، كانت المذبحة التي ارتكبتها حركة طالبان في مدرسة يديرها الجيش وراح ضحيتها اكثر من 150 شخصا في كانون الاول/ديسمبر معظمهم من الاطفال.

اما هجمات الجماعات التكفيرية ضد المسلمين الشيعة، فوصلت الى الحد الذي لايمكن تحمله او السكوت عليه، حيث باتت الجماعات التكفيرية تصول وتجول في باكستان، دون ان تلوح في الافق اي مساع حكومية جادة يمكن ان تزرع الطمأنينة لدى الشعب، الامر الذي دفع قطاعات واسعة من ابناء الشعب الباكستاني الى رفع صوتها مطالبة بوقف الدعم السعودي للمدارس الوهابية في باكستان، باعتبارها التهديد الاكبر لباكستان والمجتمع الباكستاني.

حيث اشارت العديد من التقارير الى ان الاعلام الباكستاني اخذ يتطرق الى دور المال السعودي في نشر المدارس الوهابية في باكستان، كما اخذ وزراء في الحكومة الباكستانية بمناقشة الدعم السعودي للمدارس الوهابية المعروفة في باكستان باسم “مدارس″، وتغذيتها للتطرف العنيف، حتى ان أحد الوزراء اتهم الحكومة السعودية بزعزعة الاستقرار في العالم الاسلامي.

وردا على هذه المواقف الباكستانية الصريحة اصدرت السفارة السعودية في اسلام اباد بيانا قالت فيه ان جميع التبرعات للمدارس الدينية تحصل على موافقة من الحكومة، وردت وزارة الخارجية الباكستانية بالقول ان التمويل سيخضع لمراقبة اشد لمحاولة وقف تمويل الجماعات الارهابية.

الاتهامات الباكستانية للسعودية تعززها، تسريبات غربية وامريكية، تؤكد ان المانحين السعوديين يمولون الجماعات التكفيرية الارهابية في العالم، وجاء في برقيات دبلوماسية مسربة لوزيرة الخارجية الاميركية السابقة هيلاري كلينتون في 2009 ان المانحين السعوديين “هم أكبر مصدر لتمويل الجماعات السنية الارهابية في العالم". وذكرت البرقية ان من بين هذه الجماعات التي يصلها التمويل حركة طالبان وجماعة عسكر جنكوي.

واشار بدر علام محرر مجلة “هيرالد” الباكستانية الشهرية المرموقة الى ان موجة الانتقادات الباكستانية الاخيرة كانت "غير مسبوقة"، واضاف "في السابق لم يكن أحد يطرح اية اسئلة بأية طريقة. ولكن الان حتى الصحافة الاوردية تطرح اسئلة ".

اما نجم الدين شيخ، وزير الخارجية والسفير السابق، اعتبر الهجوم على المدرسة التي يديرها الجيش في بيشاور في كانون الاول/ديسمبر الماضي فتح الباب امام الانتقادات، وقال ان “تلك الانتقادات اثارها هجوم بيشاور والشعور القوي ان معظم الارهاب هنا يحصل على تمويل من دول خارجية".

واكد ان “دولا مثل الكويت والامارات وقطر يجب ان تبذل جهودا أكبر بكثير داخليا لمنع ذلك.

الا انه اضاف ان اية جهود لخفض التمويل الخارجي للمدارس الدينية المتطرفة يجب ان يرافقه جهود مماثلة داخل باكستان.

وقال ان ذلك يجب ان يشمل تخلي الدولة عن علاقاتها مع جماعات استخدمها الجيش الباكستاني تاريخيا لتحقيق اهداف استراتيجية في افغانستان والجزء الذي تسيطر عليه الهند من كشمير.

واضاف ان “جمع الاموال داخل باكستان لا يزال يحدث دون اية عوائق. إذا اردت ان يبذل الخارج مزيدا من الجهود عليك ان تبذل المزيد من الجهود داخل البلاد".

ان هذه الاصوات الباكستانية التي اخذت ترتفع ضد الدعم المالي السعودي للمدارس الوهابية في باكستان، وضد استخدام الجيش للمجموعات التكفيرية كورقة سياسية، وان جاءت متأخرة جدا، الا انها تعتبر مؤشرا على ان الوضع الامني في باكستان لم يعد يطاق، وان السكوت على الاسباب التي ادت الى تدهور الامن الى هذا الحد، لم يعد مقبولا، وقبل كل هذا وذاك، تيقن الباكستانيون، ان المساعدات والقروض السعودية، لم ولن وتكن نظيفة، فهي دائما ملوثة بالوهابية، التي تعتبر أخطر بكثير على الباكستانيين من الفقر.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سامي رمزي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/22



كتابة تعليق لموضوع : باكستان وتنامي ظاهرة الرفض لدعم السعودية للمدارس الوهابية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net