تصلني تباعا من أحد الأخوة الكتاب مقالات يبذل فيها جهدا بحثيا واضحا , وهو يحاول إظهار السلوك القويم والخُلق السامي للسلف الصالح , كالأئمة الأطهار وغيرهم من رموز الدين , وكلما قرأتها أتساءل عن مدى قدرتنا على تطبيقها!!
ففي واقع حالنا أننا تربينا عليها كأقوال وكلمات مأثورة لا تتجاوز المسامع والأنظار , والكثير منها كتبناها على السبورة وفي دفاترنا , وحفظناها وأرشفناها في رفوف ذاكرتنا , وما تجرأنا على التعبير عنها بأعمالنا وسلوكياتنا اليومية , وهذا يعني أننا تفاعلنا معها بآليات أمية وقدرات تجاهلية , فما أصاب أمة العرب من إنقطاعات حضارية ألغت تواصل أجيالها , وتسببت في نشوء أدمغة كأنها معدومة التلافيف ومترسنة ضد المعرفة والإدراك الحضاري.
فالأمة لها تأريخ ثري لكنها تفتقد مهارات تمثله وإعتباره , وتنفر منه كنفور الغزلان من الأسود , حتى ليستغرب منها الداني والقاصي , ويحسبها أمة ذات إرادة فناء!!
والأمة تنادي أن أول كلمات الفرقان التي تجلت في غار حراء كانت " إقرأ" , وتكررت لثلاث مرات , تأكيدا على أهميتها وقيمتها وقوتها وإرادتها ومعانيها الفيحاء.
"إقرأ" التي من الواجب أن تكون فريضة جوهرية من أصول الدين , فالذي لا يقرأ , كيف سيعرف دينه , وكيف سيدرك أفكاره ودلالاته وصراطه المستقيم؟
وفي زمن صارت القراءة فيه من أولويات ومقومات الحياة , بل ومادة قانونية في معظم الأنظمة , بمعنى أن عدم تعلم القراءة يُعد جريمة يُحاسب عليها القانون الأبوين ويتهمهم بالإهمال تجاه الأطفال , تجدنا مجتمعات تسعى لتجهيل الناس وتضليلهم وخداعهم بإسم الدين , ويأنس لذلك العديد من المحسوبين على الدين أو يدّعونه , ويمارسونه كتجارة وحسب.
وكم كان بودي أن يخاطب الأخ الكاتب بمقالاته الذين أفرغوا الدين من جوهره وسماحته ورحمته وسماته الإنسانية , وحوّلوه إلى مطية لنفوسهم الساعية للسوء والبغضاء , وتُعجب الكثيرون أقوالهم التي هي من أفعالهم براء , وهم الذين يعظون الناس بفعل ما يقولونه لهم , ولا يريدونهم أن يفعلوا ما يفعلونه من مآثم وقبائح وجرائم خلف ستار الدين.
فالأمة في أمسّ الحاجة لطرْق رؤوسهم , وتهديم عروشهم , وتحرير الناس من تضليلهم وبهتانهم , وإستعبادهم الذي يصادر عقولهم ويحيلهم إلى تابعين خانعين , بلا قدرة إبداعية وعطاءات إنسانية باهرة.
نعم إن علة الأمة بالمدّعين بالدين بكافة مللهم ونحلهم وطوائفهم , فهم الذين أدخلوا الأجيال في أنفاق الظلمات , والدين يريد لهم فضاءات الأنوار المتوهجة بالمحبة والألفة والأخوة والرحمة الإنسانية, فلن تنهض الأمة ما دام الدين مفقودا وأدعياؤه يتسيّدون!!

التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!