لكل حركة زمن تقضيه وتنتهي إلى حيث السكون.
الحركة قد تكون فيزيائية أو فكرية أو عقائدية وفنية , وغيرها الكثير من مشارب وتصورات ونوازع وتطلعات النفوس الأمّارة بالسوء والبغضاء , التي تنهض في أعماق البشر وتستحوذ على وعيهم وتستعبدهم , فيدورون في فلكها كالمخمورين السكارى بما يعصف في كياناتهم المُصادرة , وعواطفهم وإنفعالاتهم المتأججة.
والتأريخ يؤكد ظهور الحركات الدينية المتتابع , ولفترات تتناسب وقدراتها التواصلية والتحشيدية والنمائية , لكنها جميعا تسلك ذات الطريق المعفر بالخطايا والآثام , التي تقترفها بدعوى أنها تنفذ إرادة ربها , وتقيم عدله وهي قضاءه وقدره.
وقد كان هولاكو يتحدث بذات المنطق في جميع رسائله إلى ملوك وأمراء البلدان التي فتك بها , ومن عباراته : "باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء....أنّا نحن جند الله في أرضه , خَلَقنا من سُخطه وسَلّطنا على مَن حلّ به غضبه....وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون....وقد ثبت عندكم أنْ نحن الكفرة , وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة , وقد سَلّطنا عليكم مَن له الأمور المقدّرة والأحكام المدبّرة" (من رسالة هولاكو إلى السلطان قطز سلطان مصر).
ومن رسالته إلى المستعصم بالله : " إن الله الأزلي رفع جنكيز خان ومنحنا وجه الأرض كله من الشرق إلى الغرب , فكل مَن سار معنا وأطاعنا واستقام قلبه ولسانه , تبقى له أمواله ونساؤه وابناؤه , ومَن يفكر في الخلاف والشقاق لا يستمتع بشيئ من ذلك".
وهكذا يبدو في منطق هذه الحركات أنها تعيش حالة الوهم الكبير الذي يتسيّد عليها , ويصيبها بإضطرابات في التفكير والعواطف والإنفعالات , فتندفع كالعواصف الهوجاء , حتى تهدأ بغتة وقد أصيبت بمقتل.
ولا تخلو حقبة زمنية من هذه التوجهات التدميرية البشعة , التي تحل بالأرض وكأنها الزلازل والبراكين الثائرة , لكنها رغم وحشيتها ودمويتها تزول وتمضي الحياة وفقا لسياقاتها الابدية , ولن يدوم فيها إلا ما ينفع الناس.
وبما أن هذه الحركات لا تقدم إلا الضرر والأذى , فأنها وفقا للقانون الكوني العام لابد لها أن تزول , لأنها تتسبب في صناعة آليات وقدرات القضاء عليها , وفقا لقانون "لكل فعل رد فعل , يساويه في المقدار ويعاكسه في الإتجاه" , وكلما إزدادت بشاعة سلوكياتها فأنها تحقق إختصارا كبيرا لأعمارها.
ولهذا فأن بعض الحركات التي توهّمت بأنها تمكنّت وتسيّدت , وراحت تقوم بأعمال مناهضة للقيم والأعراف الإنسانية والسلوك الآدمي , قد وضعت نفسها في زوايا خانقة لا مخرج لها منها , وأن نهاياتها ستكون قريبة حتما , إلا إذا كانت هناك قدرات أخرى تؤازرها وتديم زخمها وتعزز قوتها التدميرية من أجل مصالح بعيدة المدى , ووفقا لفلسفات ونظريات الحرب العالمية الرابعة , التي تدور رحاها في بلدان الدول الفاشلة , والتشظيات الغافلة.
و"إنّا من المجرمين مُنتقمون" السجدة:22
و " إنّ الله يمهل ولا يُهمل".
وتلك قوانين التواصل السرمدي فوق أرض تدور ويتبدل ما عليها , والكون ثابت المقادير ودقيق الخطى ومنضبط الحركة , ولن يتمكن مَن يدور في أفلاكه الصغرى أن يغيّر نواميسه الكبرى المطلقة القدرات.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat