مــا أســـوء الـيــــــوم مــنْ أمــــس
علي محمد عباس
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي محمد عباس

بالأمــسِ ، كانـت الجنّــةُ تحـت ضـلالِ السيــوفِ ، وكان سيفُ عليٍّ يتــوضـاُ قٌبَيْـلَ الفجـرِ فيتجلى
الإيمــانُ كلُّــهُ أمــام الكـفــرِ كلِّــهِ ... وبالأمــسِ كـانت نسيبــةُ ( أمُّ عمّــارة ) والخنسـاءُ والحــوراءُ
زينـبُ ، يـودعــنَ قـتــلاهــنَّ علـى أنشــودةِ السمــاءِ ( الحمــدُ للــهِ الـذي شـرّفنــي بقـتـلهــم ) لأنّ
الـقـتــلَ لهــم عــادةٌ وكـرامـتُهــم مـنَ اللــهِ الشـهــادة ... نـعــم رحلـتْ أرواحُـهُــم تـقـبّــلُ وجــــه
السمــاءِ وتـقـرعُ أبـوابَ الجنـانِ ، حيثُ مـقـاعـدُهــم مــعَ الـنّـبييـنَ والصّـديقيـنَ والشـهــداءِ وحَسُـنَ
أولائـكَ رفيقــا .. وبالأمــسِ كـانـوا يؤثـرونَ علـى أنـفـسِهِــم ولــو كـان بـهــم خصـاصـة ، تقاسمـوا
الخـبـزَ والـمـلــحَ وهمــومَ الـدّينِ والـدّنيــا ، وكـانــوا يُـقـاتلــونَ صـفــاً كـأنّـهــم بنيــانٌ مـرصوصٌ ،
بـلْ كـانــوا كـالجســدِ إذا اشتكـى منــهُ عـضــوٌ تداعـى لــهُ سـائـرُ الجســدِ بالسـهــرِ والحمـى ....
وبـالأمـسِ ، كـان ( كـلُّ الـمـسـلــمِ علـى الـمـسـلــمِ حـرام ، دمُــهُ ومـالُــهُ وعِـرضُـهُ ، فالـمـسـلـمُ
أخـو الـمـسلـمِ لايظلـمُـهُ ولايـسـلمُـهُ ولايـخـذلُـهُ ولايـكـذبُـهُ ولا يـحـقـرُهُ ) ، بـل أنّ النّـاسَ أجمعيـن ،
علـى اخـتــلافِ مشــاربِهِــم ومـضاربـهــم ، كـانـوا إمّـا أخٌ لـك فـي الـدّيـن وإمّـا نـظـيـرٌ لـك فـي
الـخـلــق ، فـكـلُّـهــم لآدمَ وآدمُ مـن تـراب .
و ( بالأمـسِ كـان ابـنُ عـبـادٍ بهــا أحـــدٌ ..... واليــوم ألــفُ ابــن عـبــادٍ ولا أحــــدُ
وكـان كـافــورُ فـرداً تسـتـقيــمُ لـــهُ ..... والـيــوم شـتـى كـوافـيــرٍ ونـنـفـــــردُ )
فـرحــمَ اللــهُ الجـواهـريَّ الـذي يـطــلُّ عليـنــا بـبـصـيـرتــهِ الـثـاقـبــةِ وكـأنّــهُ يـرى الأشـيــاءَ مـن
وراءِ حـجــاب لـيـنـيـرَ لـنــا مـا ادلـهــمّ مـن أمـرنـا ، ونـرى فـي جـواهـرِهِ الـحـقـيـقــةَ حـيــنَ
تخـتـلـطـُ عـلينــا الأسـنــةُ وتـتـداخـلُ الألــوان ... كـان ذلـك بالأمـسِ ، فـمــا أسـوء الـيــوم مـن
أمـسِ ... فـفـي الـعـراقِ وفـي سـوريـا وبـورمـا ( الـمــوتُ والـلـيـلُ فـي أزقّــةِ الـصـبـايــا ... فـي
لـيـلــــةِ الإسـراءِ فـي الـمـسـاجــدِ الـعـتيـقــة ... يـنــاطــحُ الـمـدائـنَ الـقـريـبــةَ الـبـعـيــدة ...
لـيـزرعَ الـمـقابــرْ ... ويـحـصـــدَ الأرواحَ فـي الـســواتـرْ ... فـالـشـمـسُ فـي السـمــاءِ كُـوّرتْ ...
وسـارتْ الـجـبــالُ حـيـثُ سُـيِّـرتْ ...وهـاهـي الـبـحــارُ سُـجِّـرتْ ... فـلْـتـنـفــضِ الـمـقـابـرُ
الـطـغــاةَ والـعـبـيـــدْ ... فـالـيــوم يــومُ الـوعــدِ والـوعـيــدْ ... وعُـطِّـلَ الـكــلامْ ... واسـتُـنـطــقَ
الـحــلالُ والـحــرامْ ... فـلْـتـنـشــرِ الـصـحــائـف ... لـتـفـضــحَ الـسـرائـر..... )
فـي سـوريــا وفـي الـعـراق وبـورمــا ، كـلُّ شـيءٍ مـسـتـبــاحٌ ، المـسـلـمُ ، الـمـسـجــدُ ، الـقـرآنُ ..
نـعــم ، فـبـعــدَ ذهــاب الـمـروءاتِ ومــوتِ الـنّـخــوةِ أصـبـحَ كـلّ شيءٍ مستباح ... فـــلا حُـسـيـنَ
ولاكـربــلاءَ ولا ( هـيـهــاتَ مـنّــا الـذلّـــة ) ، ولا رسـالــةَ مـن أمـيـرِ الـمـؤمـنـينَ هـارون
الـرشـيـد الـى كـلـبِ الـرومِ ( الـجــوابَ دونَ أنْ تـقـرأه ) ... ولا مـعـتـصــمَ ولا عـمـوريّـةَ ( لأنّ
الـسـيـفَ لـــم يَـعُـــدْ أصــدقَ أنـبـــاءً مـنِ الـكـتـبِ .. ولــم يَـعُـــدْ فـي حـــدّهِ الـحـــدُ بـيـن الـجـــدِ
والـلـعــبِ... ولا جـنـــودَ كـآسـادِ الـشـرى نـضـجـتْ ... جـلــودُهُــم قـبــلَ نـضــجِ الـتـيـنِ والـعـنـبِ
..... ) الـيـــوم كـلُّ شـيءٍ ضــاعَ ، فــلا حسـينَ ولا معتصـمَ ولا نـسـيـبــةَ ولاخـنـســاءَ ولا زيـنـبَ
... كـلُّـهــا ضـاعـتْ ولـكـنْ كـيـف ضـاعــتْ لـســـتُ أدري ...
ولـكـنْ ، ( لابــدّ لليــلِ أنْ ينجلــي .. ولا بــدّ للقيــدِ أنْ ينكســرْ ) وكـمــا يُـقـالُ ، لـكـلِّ فـعـلٍ ردُّ
فـعـلٍ يُـنـاسـبــهُ فـي الـقــوةِ ويُـعــاكـســهُ فـي الأتـجــاه ،حـيـثُ يـنـمــو الـضــدُّ فـي رحــمِ ضــدّهِ
فيـبــدأُ الـصـراعُ بـيـنَ الأضــدادِ ، ويـكــون حـيـنـهــا الـبـقــاءُ للأقـــوى الـذي يـتّــوافـــقُ مـع
السـيــرِ المـوضــوعي للتـأريــخِ فـي مـنـهـجِـه ومـا يـحـملُـهُ مـن مـبـاديْ سـامـيـةٍ راقيــةٍ
تتنـاغــمً مـعَ إرادةِ الخيّـريـنَ مـن عبــاد الـلــهِ في بنــاءِ حيــاةٍ كـريمــةٍ وأمـنٍ وسـلامٍ ينعــمُ فيـهِ
الجميــعُ ... وسـتـسـحــقُ عـجـلــةُ الـتأريـخِ مَـنْ يـتـقـاطــعُ مـع منـطــقِ الـتـأريـخِ بـمـنـهـجـهِ
الـمـتـدنـي ومـا يـحـمـلــهُ مـن رؤيــٍةٍ مـتـسـافـلـةٍ وضيعــةٍ عـن الـحـيـاةِ والـمـجـتـمـعِ ، حـيـثُ
يُـسـحَـقُ بأحـذيــةِ صـنّــاعِ التـأريـــخِ وصـنّــاعَ الحيــاةِ الـكـريمة ، ويـصـبــحُ نـسـيــاً مـنـسـيّــا ،
وحـينهــا يـرثَ اللــهُ الأرضَ ومَــنْ عـلـيـهــــا لعبــادهِ المـتـقـيــنَ ، وتـلـكَ سـنّــةُ اللــهِ فـي
خـلـقِـــهِ ولــنْ تـجــــدَ لسـنّــةِ اللـــهِ تبــديــــلا ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat