سياحة فكرية ثقافية (7 ) الكفر والفرق الاسلامية
علي جابر الفتلاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الكفر في اللغة موجود قبل ظهور الاسلام ، وكأصطلاح عرف مع ظهور الاسلام وآيات كثيرة ذكرت الكفر والكافرين والايمان والمؤمنين ، والكفر كأصطلاح هو نقيض الايمان ، والكافرون يطلق على من لا ينتمي الى الدين الاسلامي من باب التصنيف او الفصل بين المسلمين وغير المسلمين (( وفي كل دين توجد هذه الحالة من التفكيك بين المؤمن والكافر ، فكل من يلتزم بدين معين يسمى باسم خاص في مقابل الاشخاص الذين لا يلتزمون بذلك الدين ولهم اسم اخر )) عبد الكريم سروش والكافرون ايضا هم من وقفوا بوجه الدين الاسلامي واعلنوا عداءهم للنبي والاسلام والكافر ايضا من يعلن عداءه لله تعالى ويجحد نعمه عليه ، ويحاول تغطية آيات ونعم الله تعالى ، وتناولت الفرق الاسلامية بعد وفاة النبي (ص) الكفركمفهوم حتى ان بعض الفرق كفرت مسلمين من فرق اخرى ، بل بعض الفرق كفرت المسلم لمجرد انه يرتكب خطيئة ، وفي عصرنا الحاضر شاعت كلمة الكفر كثيرا واخذت تلصق بالاخر المختلف مع الفرقة التي تلصق تهمة الكفر بالاخرين ، واليوم الحركات المتطرفة التي تدعي الاسلام كا لقاعدة وطالبان والمجموعات المتطرفة الاخرى ، وكلها تستمد فتاواها التكفيرية من بعض رجال المذهب الوهابي ، المعتمد على فقه ابن تيمية ، هؤلاء التكفيريون يكفرون جميع المسلمين المختلفين معهم ، ويتصرفون وكأن الاسلام ملك لهم وحكر عليهم ، وطريقة فهمهم للاسلام هي الحق وهي الصحيحة وغيرهم الباطل والخطأ،وهم في الجنة وجميع من يختلف عنهم في النار ، لذا يجيزون قتلهم لانهم كافرون ، وبكلامهم هذا اعطوا الشرعية للحركات التي تدعي الاسلام وتجيز قتل المسلمين الاخرين المختلفين معهم في الاجتهاد وطريقة الفهم ، وتحول مفهوم الكفر عند هؤلاء من العداء لله والرسول ، الى المختلف معهم في فهم الاسلام ،وبذلك شوهوا الاسلام واعطوه صورة دموية عدوانية متخلفة ، واصبح مفهوم الكفر عند المسلمين اكثر تداولا في عصرنا الحاضر ، خاصة عند بعض رجال الحكم الذين يدعون ان حكمهم اسلامي ، واصبحت كلمة الكفر جزءا من سياستهم ووظفت لخدمة السلطان ، وبدأت هذه الظاهرة عند المسلمين بالظهور منذ ايام الحكم الاموي وما اعقبه من حكومات تدعي انها اسلامية وتمثل الله في الارض وفي عصرنا الحاضر اختلط اصلاح الكفر بالسياسة حتى اصبحت تهمة الكفر سهلة يسيرة عند حركات سياسية تدعي انها اسلامية ، اذ تحولت فتوى الكفر الى سلاح يمارس ضد الاخر المختلف . فالمعيار عند هؤلاء المتطرفين للتكفير هو الاختلاف معهم ، لكن الى جانب معيارالمتطرفين ، توجد معايير معتدلة ومتنوره للمسلمين الاخرين ، اذ يوجد مفكرون اسلاميون متنورون لا يعتبرون الانسان كافرا كونه مختلف عن الاخرين او كونه غير مسلم ، بل معيار الكفر عندهم معيار واقعي ،بحيث يتخذ الانسان موقفا واعيا وعمليا وسلبيا مع الله حتى يعد كافرا ، وان كان صاحب الموقف السلبي من الله متيقنا من وجود الله تعالى ، لان المتيقن من وجود الله تعالى لايعد مؤمنا بمجرد اليقين بالله سبحانه ، بل الذي يحدد الايمان هو الموقف العملي من الله تعالى ان كان سلبيا اوايجابيا ،فالكافر عند هؤلاء المفكرين نوع من الموقف فمن لا (( يتخذ موقفا سلبيا من الله والدين فلا يمكن اعتباره كافرا، والشخص الذي لم يصل اليه خبر عن الله والاسلام وكان يعيش خالي الذهن عن العقائد الآلهية فلا يحسب كافرا ،وعندما نطلق عليهم اسم الكافر فأن ذلك من اجل فصلهم عن دائرة المسلمين )) عبد الكريم سروش
ويعتبرهذا المفهوم ان الكافر هو من لا يحب الله حتى وان كان عالما ومتيقنا من وجوده ،(( والقرآن الكريم يشير الى ذلك ، وهي ان الايمان لا يتلخص باليقين الذهني بل لابد معه من العلاقة العاطفية والخضوع والتوجه الى ذلك المحبوب ، يقول الله تعالى بالنسبة للكفار والمنافقين (( واذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالاخرة واذا ذكر الذين من دونه اذا هم يستبشرون )) الزمر 45 فلم يقل ان هؤلاء يشكون في وجود الله تعالى أي لا يتحدث عن علمهم او عدم علمهم ، بل الاية تتحدث عن فئة من الناس لا يحبون الله تعالى ويودون ان لا يكون مثل هذا الأله الجبار القاهر (( نعوذ بالله )) ، وعلى هذا الاساس فالايمان والكفر يرتبطان بعلاقة المحبة والكراهية ، ولا يتلخصان باليقين والشك والانكار )) سروش ووفق هذا المفهوم للكفر تضيق مصاديق الكفر ويقل عددهم في الواقع لان من يحب الله تعالى ويدين له بالمحبة والشوق والخشوع لا يمكن تصنيفه كافرا ، حتى وان كان غير مسلم ،وفي هذه الحالة اعتبار غير المسلمين كافرين انما هو من باب التصنيف والفرز بين المسلم وغيره ،لأن من لم يصل اليه خبر الاسلام لا يعد كافرا وهو محب لله تعالى ، كذلك من لم يهديه عقله وفكره الى الاسلام لايعد كافرا ان كان محبا لله تعالى ، لأن سوء النية غير متحقق في هذا الصنف من الناس لانهم اعملوا عقولهم وفكرهم لكنهم لم يتوصلوا الهداية للاسلام ، فهم غير قاصدين للكفر ، بل الكافر من يقصد العداوة لله او الرسول او الاسلام عن قصد وسوء نية ، هذا المفهوم عن الكفر الذي يستثني صنف من الناس لا هم من المؤمنين ولا هم من الكافرين ، بل هم من القاصرين والمستضعفين كما سماهم القران الكريم (( ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين )) النساء 97 هؤلاء المستضعفون يسمون ايضا ب (( مرجون لأمر الله )) قال تعالى في كتابه المجيد (( وآخرون مرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم والله عليم حكيم ))التوبة 106 يقول العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان (( ان الله سبحانه يعد الجهل بالدين وكل ممنوعية عن اقامة شعائر الدين ظلما لا يناله العفو الالهي ثم يستثني المستضعفين ويقبل منهم معذرتهم )) والمستضعفون هم القاصرون عن الوصول الى تعاليم الدين لمختلف الاسباب ومنهم مثلا من (( لم يهتد فكره اليه ( أي الى الدين ) مع كونه ممن لا يعاند الحق ولا يستكبر عنه اصلا بل لو ظهر عنده حق اتبعه لكن خفي عنه الحق لشئ من العوامل المختلفة الموجبة لذلك )) يقول الشهيد مطهري (( وردت روايات متضافرة تعتبر الناس القاصرين لعلل مختلفة من جملة المستضعفين )) العدل الالهي قال الامام الصادق (ع) : (( لو ان العباد اذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا )) هذا هو موقف الاسلام من الكفر والكافر لكن للاسف بعض الفرق الاسلامية استخدمت الكفر كسلاح ضد الفرق الاسلامية الاخرى ، واول من استخدم الكفر كسلاح في الاسلام هم الخوارج في معركتهم ضد امير المؤمنين علي (ع) في واقعة صفين على اثر حادثة التحكيم سنة 37 هج فقد (( اوجدوا بعض المعتقدات الخاصة في اصول الدين وربما كانوا اول من صدرت عنهم بعض المعتقدات حول الامامة ، وتكفير الفاسق ، وتكفير من انكر عقائدهم )) مطهري ثم ظهر المعتزلة الذين قالوا بعدم تكفير الفاسق وهو مرتكب الكبيرة فهو عندهم لا مؤمن ولا هو كافر ، فالفسق وسط بين الكفر والايمان واطلقوا اصطلاح المنزلة بين المنزلتين ، فكان المعتزلة حالة الوسط بين الخوارج والمرجئة الذين وقفوا بالضد من الخوارج وقالوا (أي المرجئة ) المهم في الايمان هو مجرد الاعتقاد القلبي قلا تأثير لارتكاب المعاصي على ايمان الشخص (( فالايمان القلبي عندهم هو كفارة السيئات ، فمهما كان الذنب عظيما فأنه لا يضر بالايمان وبذلك يكون مرتكب الكبيرة مؤمنا ، فعادت هذه العقيدة بالنفع لصالح الجهاز الحاكم ، لانها تؤدي الى عدم استياء الناس من فسق الخليفة وفجوره ، واعتباره – برغم ماله من المساوئ – من اهل الجنة ، وقد صرح المرجئة بوجوب اطاعة الخليفة وصحة الصلاة خلفه مهما بلغ فجوره ، الامر الذي دعا خلفاء الجور الى دعم المرجئة )) مطهري اما الشيعة فقد اتفقوا في الرأي مع الاشاعرة في ايمان الفاسق ، ويعتبر الاشاعرة من جماعة اهل الحديث مع التحرر بعض الشئ عنهم في امور معينة لان مؤسس المذهب الاشعري ابو الحسن المتوفى سنة 330 هج (( اوجد مذهبا فكريا يحضى بدقة نسبية واجاز البحث الاستدلالي واستخدم المنطق في اصول الدين )) مطهري على خلاف اهل الحديث القدماء كأحمد بن حنبل الذي حرم علم الكلام وابن تيمية الحنبلي الذي حرم المنطق . اما الوهابيون وهم اتباع محمد بن عبد الوهاب (( المتأثر بأفكار ابن تيمية الحنبلي الشامي ، ادعوا ان بعض المعتقدات لدى المسلمين من قبيل الشفاعة والتوسل بالانبياء والاولياء تخالف اصل التوحيد في العبادة )) مطهري لذا فقد كفروا كل مسلم يعمل بهذه المعتقدات بل توسعوا في الصاق الكفر بالمسلمين لمجرد اختلافهم عنهم في بعض الفروع او الاجتهادات ، بل يكفرون كل مسلم لا يتفق معهم في تفسير اية ما او حديث نبوي معين ، حيث يعتقدون ان تفسيرهم هو الصحيح وغيرهم الخطأ ومن لا يتفق معهم في ذلك فهو كافر في عرفهم ، وقد ذكر الباحث حسن المالكي في كتابه ( داعية وليس نبيا ) عدة ملاحظات استقاها من مؤلفات الشيخ ( محمد بن عبد الوهاب ) حيث ذكر العشرات منها يثبت فيها الشيخ الكفر الى المسلمين ، لا لشئ الا ان المسلمين يختلفون عنه في الرأي ، واضاف الشيخ حسن المالكي في خاتمة كتابه : ان التكفير في منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب ثابت في مؤلفاته ورسائله وفيما ينقله المعارضون عنه ، وفيما دونه المؤرخون عن تلك المرحلة ، هذه نبذة سريعة عن الكفر وموقف الفرق الاسلامية منه ، والذي اصبح سلاحا يفتك بالمسلمين بعضهم الى بعض ، وهذا انجاز كبير لاعداء الله والاسلام الذين يديرون المعركة ويغذون الافكار من تحت الستار ، ويديرون المعركة وهم يتفرجون اذ يجدون ادعياء الاسلام من الجهلة والمتخلفين وانصار الخرافة اذ يجدونهم وهم يديرون المعركة ضد المسلمين الاخرين نيابة عنهم
A_fatlawy@.yahoo.com