لا يشك احد من القدماء والمعاصرين في ان : ( الشعر ديوان العرب ) وهذا يعني ان كل ثقافة العرب كانت مدونة شفاهية يحتويها هذا الديوان ، وكما يعرف المستعربون والمستشرقون ان العرب امة شاعرة وتمجد الشعر ، والعرب يمتلكون ذاكرة قوية في الحفظ بسبب هذه الشفاهية المقترنة بإنشاد الشعر وروايته ، واذا اردنا ان نصنع معجما لمفردات اللغة العربية ، فاننا لانجد غير الشعر ميدانا صالحا لاستنطاقه ، وقد فطن المؤرخون واللغويون والنحويون الى ذلك منذ زمن بعيد .
فالمؤرخون عدوا الشعر شاهدا على الواقعة التي يدونها المؤرخ كتابة ، وتصبح الشفاهية شاهدة على الكتابية ، نتيجة الموثقية العالية لهذه الشفهاية وايمانا بذاكرة العربي القوية ، وكذلك فعل اللغويون الذين جعلوا من الشعر حجة في تفسير عويص اللغة وغريبها ، واذا لم يجدوا مثالا شعريا يؤيد زعمهم ، ذهبوا الى صناعته بوصفه شاهدا ايضا ، وكذلك صنع النحويون عندما صنعوا قواعدهم من وحي الشاهد الشعري ، ولهذا فلا غرابة من ان يكون هذا المعيار الكبير شاهدا على من نفسه على نفسه لإثبات الحقائق التي عرفت عن مفردة ( الوصي) .
ان مقالا كهذا لا يمكن له ان يكون معجما لمفردة واحدة مثل ( الوصي ) لكني سأضرب بعض الأمثلة املا ان تكون شاهدا على ثبات هذه المفردة في قاموس الشعر العربي القديم منذ ان ظهرت وهي مقترنة بوصية الرسول – صلى الله عليه واله وسلم – للامام علي ( ع) بالخلافة ،
وأظن ان تتبع مفردة في مصادر موثقة من زمن تواردها الى عصر المتنبي ، يؤيد إثباتها وتكايدها في ثقافة العرب ، واذا لم يرد ذكر حديث نبوي شريف عن الوصاية في كتب الحديث التي عاش كل جامعيها في منتصف القرن الثالث الهجري ، فان مفردة ( الوصي ) لم تغب عن معجم الشعر العربي ، الأمر الذي يعزز من موثوقية المفردة اذا ما قورنت بمفردات كثيرة قد وردت في كتب الحديث ، وان كتب الأحاديث يمكن ان تطمس ولم ترو حديثا ، لكن المفردة ، تصمد بسبب صغرها ، فهي تستطيع ان تنجو بنفسها من وائديها ، محتمية في ظل ثقافة شفاهية عتيدة .
وإذا شك بعض الدارسين في المعلقات ، فان أحدا لا يستطيع ان يشك في تلك الأشعار التي قيلت في أيام العرب وحروبها ، لأنها بمثابة هوسات شعبية تتناقلها الأفواه من جيل الى جيل ، نظرا لسهولتها فهي أراجيز حماسية ، وبوصفها - أيضا – شاهدا على الواقعة ، لذلك نرى ان الأشعار التي قيلت في معركتي الجمل وصفين لا يمكن ان يدخل فيها النحل والوضع ، لان الراوي اذا أراد ان يسرد مشاهد الحرب وما يتعلق بظروفها ورجالها ، لا يمكن ان يعتني بالتفاصيل دون ان يعتني بجوهر الحكاية التي تأتي التفاصيل بعدها ، والجوهر هنا هو الأشعار ، فالشعر يمثل الثابت الأكيد ، لذلك سنعرض بعض الأشعار التي ضمت تلك المفردة بين طياتها ،وقد وردت تلك الأشعار ضمن كتاب ( ديوان أشعار التشيع الى القرن الثالث) لمقدمه ومحققه ، الطيب العشاش ، ( والصادر عن ديوان الغرب الإسلامي ، في بيروت ، عام 1997، والذي كان عبارة عن دراسة لاحراز دكتوراه دولة من جامعة السوربون في باريس )
قال زياد بن لبيد الانصاري: (63)
- كيف ترى الأنصار في يوم الكلب إنا أناس لا نبالي من عطـــــــــب
- ولا نبالي في( الوصي) من غضب وإنما الأنصار جد لا لــــــــــعب
- هذا علي وابن عبد المطــــــــــــلب ننصره اليوم على من قد كذب
من يكسب البغي فبئس ما اكتسب
وقال زحر بن قيس الجعفي : ( 114)
- أضربكم حتى تقروا لعلي خير قريش كلها بعد النبـــي
- من زانه الله وسماه (الوصي) ان الولي حافظ ظهر الولي
كما الغوي تابع امر الغوي
وقال سعد بن قيس الهمداني : (150)
- انه حرب أضرمت نيرانها وكسرت يوم الوغى مرانها
- قل (للوصي) أقبلت قحطانـها فادع بها تكفيكها همدانــــــها
هم بنوها وهم اخوانها
إن الأشعار كثيرة وقد استبعدت الاراجيز التي ليس لها قائل وقد وردت فيها مفردة الوصي ، مثلما استبعدت القصائد التي لم تأت على بحر الرجز مع احتوائها على مفردة (الوصي) ، واختصارا في القول ، سأتتبع المفردة عند بعض الشعراء الذين وظفوا هذه المفردة في أشعارهم ، وفي المصادرالمحققة أيضا ، وسابدا بابي الأسود الدؤلي الذي كان قريبا من زمان الإمام علي (ع) ، فقد (( كان أبو الأسود ممن صحب عليا ، عليه السلام ، وكان من المتحققين بمحبته ومحبة ولده ، وفي ذلك يقول :
- يقول الارذلون بنو قشير طوال الدهر لا تنسى علـــيا
- أحب محمدا حبـــا شديدا وعباسا وحمزة و(الوصـــيا)
- فان يكن حبهم رشدا أصبه ولست بمخطئ ان كان غيـــــــا
وكان نازلا في بني قشير بالبصرة ، وكانوا يرجمونه بالليل ، لمحبته لعلي وولده ، فإذا أصبح وذكر رجمهم ، قالوا : الله يرجمك ، فيقول لهم : تكذبون ، لو رجمني الله لأصابني ، وانتم ترجمون ، فلا مصيب .))(أخبار النحويين البصريين ، ابو سعيد السيرافي ،67)
وقد وردت مفردة (الوصي) بعد ذلك في شعر الكميت ، ولكن هذا لا يعني انها لم ترد في أشعار غيره من الشعراء الواقعين ضمن المدة الفاصلة بين وفاة ابي الاسؤد عام (69هـ) ووفاة الكميت عام (126هـ) ، لكنني أردت اختصار الأمثلة على الرغم من ان مفردة الوصي قد وردت أيضا في أكثر من موضع في شعر الكميت الموثق ، قال الكميت مادحا الإمام عليا (ع) : (شرح هاشميات الكميت ابن زيد الاسدي ، بتفسير ابي رياش احمد بن ابراهيم القيسي ت 339هـ ، تحقيق : د. داود سلوم و د. نوري حمودي القيسي ، عالم الكتب ، بيروت ، ط 2 ، 1986، 30) :
- و(الوصي) الولي والفارس المعـ ـلم تحت العجاج غير الكــــــــــــهام
وقال أيضا : ( 33)
- ووصي (الوصي) ذي الخطة الفـصــ ـــل ومردي الخصوم يوم الخصام
أما السيد الحميري ( ت 173هـ ) فقد وردت مفردة الوصي عشرات المرات ، نذكر بعضا منها : (ديوانه ، 55)
- محمد خير بني غـــــــــالب وبعده ابن أبـــــي طـــــــــــالب
- هذا نبــي و(وصــــــــي) لــــــه ويعــــزل العــــالم في جانــــب
وقال أيضا : (ديوانه ، 147)
- أبا حسن اني بفضلك عــــــــارف واني بحبل من هواك لممسك
- وأنت( وصي) المصطفى وابن عمه فانا نعادي مبغضيك ونتـــــرك
أما أبو الطيب المتنبي ، فقد وردت في ديوانه ( الذي شرحه ابو العلاء المعري والمسمى بمعجز احمد ) قصيدة أشار فيها الى بيعة الغدير قائلا : ( الجزء الرابع ،447)
- إني سألـــــــــــــتك بالـــذي زان الامامـــــــــــــــة (بالوصـــــــــي)
وابان في يــــــوم الغــــــديـ ــر لكــــل جبــار عــــــــــــــــــــوي
- فضـل الإمـــــــــام عليــهمـــو بولايــــــة الـــــــرب العلـــــــــــــي
- إلا قصـــــــــدت لحاجتــــــــي واعنـــت عبــــــدك يـــــــا علــــــي
أظن ان هذه الامثلة وغيرها يمكن ان تكون بداية لتوثيق كثير من الروايات والاحاديت والموضوعات المختلف عليها ...

التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!