ترك الدنيا يكون لسببين
1- من تكالبت عليه الهموم والمصائب فيكره الدنيا ويتمنى تركها والرحيل عنها عسى ان يجد مكان بعد رحيله أفضل مما هو فيه ، كحال الذي يريد السفر من بلده بعد عن اعياه الفقر وارهقته الفاقة وصرعه العناء طالبا بلدا آخرا ليستقر فيه ويسكنه لعله يرتاح . فهذا لا يُعد تارك للدنيا ومخالفا لشهواته إنما هو هارب من همومه الدنيوية ولو كانت حياته أفضل لما تمنى و أراد الرحيل عنها بل يكون متمسكا بها و ماسكا بحبائل ملذاتها . ومهما صرح بزهده بها وابتعاده عنها فهذا لا يعني شيء أبدا امام الحق سبحانه .
2- من يترك الدنيا بعد علمه انه في دار فانية أهلها متغيرٌ محلها لا تبقي احدا سعى اليها و أرادها ، فيتركها وان كانت مُقبلةٌ عليه ، وابتعد عنها وان صارت بين يديه ، واقبل ساعيا نحو معشوق لا يخذل من تمسك به ولا يترك من التجأ اليه . وهذا بطبيعة الحال يختلف جذريا عن سابقه فهو من يكون قريبا من ربه ، لانه ترك الدنيا لوجهه تعالى اما ذاك فتركها لتكالب الهموم فالفرق واضح والتباين جليّ .
وهنا لا بد من الإشارة الى نقطة مهمة الا وهي : عندما يشجع الاسلام. على ترك الدنيا وعدم الركون اليها لا يعني بذلك ان يترك اهله وعمله ويزهد فيهم ويبقى قاعدا في مقبرة ينتظر موته ! كلا وألف كلا فإن الاسلام كما يدفع نحو الزهد بالدنيا كذلك يدفع نحو العمل والكد ، فيجب الجمع بين الأمرين فيكون عاملا وساعيا لكسب رزقه ، وايضاً لا يركن الى الدنيا ، والظاهر ان المراد من عدم الركون للدنيا هو امر قلبي جوانحي لا ظاهري جوارحي ، ولا يعتقد احد انه بالأمر الهين واليسير لكنه ليس ممتنع فقد نجح به الكثير .. اللهم لا تجعل الدنيا كل همنا ولا مبلغ علمنا ...

التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!