صفحة الكاتب : محمود كريم الموسوي

مأساة الحسين .. ذكرى تتجدد كل عام
محمود كريم الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

منـذ أن صرخت العقيلـة ( زينب بنت عـلي بن أبي طالب ) عليهم السلام ، وهـي ترى جسد شـقيقها الإمام الحسين عليه الســلام ، ممـزقاً فـي العـراء ، وأجساد إخوتها ، وأبنائهم ، وأصحاب سيد شباب أهل الجنة ، متناثرة على الأرض ، فـي واقعـة ألطف ، في العاشر من محرم سنة (61هـ) ، التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا 0

أقول منذ أن صرخت ، تخاطب جــدّها الرســول الكــريم صلى الله عليه وآلــه  : ( يا محمــداه 00 يا محمــداه 00صلى عليك ملائكة السماء ، هــذا حســيناً في العراء ، مزمل بالدماء ، مقطع الأعضاء00 يا محمـداه بنـاتـك سـبايا ، يا محمـداه ) ، حتى بدأت مسيرة استذكار الواقعة تتجدد كل عام  ، بأساليب متنوعة ، وفعاليات متصاعدة 0 

وبرغم كل ما قامت به الحكومات ، من جــور ، وقهـر ، وتعسف ، في منع إحياء ذكرى استشهاد الحسين عليه السلام ، وملاحقة محبيه والداعين لإحياء ذكـراه  ، إلا أن جذوة المشاعر تزداد اتقادا ، ونور الذكرى يزداد بريقا ، لما أنتجتــه ثـورة الحسين مـن قيم عظيمة ، وأخلاق فاضلة ، وإيمان في الحق  ، وثبات على المبادئ ، فيقول الزعيـــم الهندي غاندي : ( لقــد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين شــهيد الإسـلام الكبير ، ودققت النظر في صفحات كربلاء ، واتضـح لي أن الهنـد إذا أرادت إحراز النصر ، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الإمام الحسين )0

ويعبّر أهالي الحلة الأصلاء ، عن حبهــم لآل البيت ، وتأسيهم بمأســاة كـربلاء ، بأساليب مختلفة ، وفعاليات متنوعة،تبدأ من اليوم الأول من محرم الحرام في كل سنة ، وتتصاعد حتى تصل ذروتها في ليلة التاسع منه التي تسمى ( ليلة الطبگ ) ، ثم تستمر بوتائر متباينة ، لتصل ذروتها مرة أخرى في أربعينية الاستشهاد (20 صفر) 0 

ومن وسائل إحياء الذكرى في الحلة بعد نشر معالم الحــداد ، المواكب الحسينية ، ومجالس التعزية ، وتوزيع الأطعمة والاشربة 0

 

المواكب الحسينية    

وهي مواكب رجالية راجلة ، تسمى باسم المحلة أو الحي التي تنشأ فيه ، أو باسـم مـن الأسـماء المباركة ، يمّول الموكب مالياً مـن تبرعات أهـالي المحلة أو الحي التي تجمع طيلة أيام السنة ، وتصب هذه المواكب نشاطاتها في فعاليات ثلاث هي :  

مواكب الزنجيل : تبدأ من اليوم الأول من محرم إلى اليوم التاسع، للذكور فقط ومـن كل الأعمار ،يرتدي المشاركون الملابس السود ، وينتظمون برتلين متوازيين متباعدين مسافة عرض الشارع الذي يسيرون فيه ، وقد حمل كل واحد منهم (زنجيلا) مكون من مجموعة سلاسل متساوية الطول لايزيد طولها على خمسة عشر سنتمترا تجتمع بماسك خشبي  ، وعدد السلاسل تحدده الإمكانية الجسدية للمشارك يتم الضرب بها على الظهر على وفـق إيقاع الطبـول و(الطوس) الحزائـني ، التي تكـون في نهاية الموكب ،   و يتقدم الموكب  في المسافة المحصورة بين بدايتي الرتلين حملة الرايات ، أكبـرها رايــة المحلة أو الحي ويسمونها (بيرغ الطرف) ، فيقوم المتبرعون أو أصحاب النـذور بتثبيت  أوراق نقدية فيه بدبابيس ، كلما توقف الموكب عن المسير 0    

  ويتوسط المسافة بين الرتلين (الراد ود) وهو يقرأ قصائد في رثاء الحسين عليـه السلام ، وقد حمل لاقطة متصلة بمكبرة صوت أمامه على بعــد مسافة ، وأخــرى خلفه حملتا على أعمدة طويلة ، لنشر الصوت في أوسع مساحة 0 

تنطلق المواكب من أماكن تجمعها ، بعد صلاة العصر ، وبأوقات متفاوتة ليكــون استعراضها بالتعاقب ، ثم يتفـرق المشاركون عنـد الوصول إلـى المكان المتفـق عليـه ، وكان الشارع الرئيسي في الحلة (شارع المكتبات)، هو الشارع الذي تسير فيه المواكب تباعاً ، أما ألان فان انطلاق المواكب وسـيرها أصبح في أكثر من شارع ، و منطقة 0 

بعض هذه المواكب ، له الإمكانية في مسرحة الواقعة ، أمام المحتشدين من الناس يسمونها (التشابيه) ، أي القيام بما يشبه ما وقع من مصائب في واقعة الطف0 ويكون ذلك في الساحة المقابلة الى مديرية الشرطة القريبة من السوق الكبير آنذاك ، والتي حلت ساحة الاحتفالات محلها الآن 0

مواكب اللطم  : تبدأ من اليوم الأول إلى اليوم التاسع مـن محرم ، يتكون كل موكب من مجموعة كراديس (جـوگات) من الــرجال ، تنطلق بعد صلاة العشــاء ، مـن أماكن انطلاق مواكب الزنجيل، مستخدمين إنارة حسب إمكانية كل موكب ، فمن المواكب من يستخدم إنارة كهربائية ، بواسطة ماكنة توليد تسحب خلف الموكب،فيتقدم الموكب إنارة  كبيرة بمصابيح عديدة منصوبة على هيكل حديدي يسمى (هودج )،وإنارة بين  كردوس  وآخر ، بمصابيح رفعت على أعمدة ، ومن المواكب ما يستخدم إنارة بسيطة (لوكس)0

يكــون اللطـم على الصدور مع أبيات رثائية (مستهلات) متاعقبة بين الكراديس ، وقد انتهى العمل بهذه المواكب ، بعــد أن أخــذت مواكب المحلات ، والأحياء ، بنصب سرادق في الطرق الرئيسية ، للتواجد فيها ، وتقديم خدماتها لحين زيارة الأربعين 0

مواكب التطبير  : وتكون من الرجال الذين يشاركون في مواكب الزنجيل ، وتظهر في ساعات متأخـرة من ليلـة الثامن والتاسع من محرم ، وكل مشارك لبس كفنـه وحمل سيفاً (قامة) ، يضرب بها على رأسه أفقياً ، وقد أمسك بحزام الذي أمامه ليكوّن سـلسـلة متماسكة ، وتكون الضربات على وفق الإيقاع : ( ططوط 00 ططوط 00ططوط ) و بصوت جهـوري وحماسي يقولون (حيدر )  مـع كل ضربة على الرأس 0

فجر يوم العاشر ، يجري ضرب فروة الرأس ، بعد أن أزيل شـعرها ، بضـربات حقيقية ، كل حسب قابليته الجسمية ، ورغبتـه ، ثم يخـرج الموكب فجـراً إلـى الشارع ، بالطريقة نفسها ، والدماء تسيل ، ملطخة الأكفان 0 

 

مجالس العزاء الحسينية

وهـي مجالس عــزاء تقام  في البيوت بالنسبة للنساء ، وفي البيوت ، والحسينيات و المساجد بالنسبة للرجال ،  وفي الطرقات أو الشوارع للمزدحمة من مجالس الرجال، يتبنى تكاليفها القائم بها ، موكبا ،أو فرداً ، أو جماعة ، إما لقليد سـنوي ،  وإما ايفاءا لنذر ، وتكون ليوم واحد ، أو لثلاثة أيام ، أوخمسة ، أوعشرة ، تذكر فيها مصيبة الحسين وآل بيته الأطهار ، وتوعية دينية ، وتتخلل مجالس النساء لطم على الوجوه ، والصدور مـع إيقاع القصائد الرثائية ومعانيها ، التي تؤديها (الـگوالة) ، أو (الملّة ) بصـوت حـزائني يلهب المشاعر ، والأحاسيس ، وتستمر هذه المجالس بالتزامن والتعاقب الى زيارة الاربعين 0 

 

توزيع الأطعمة والاشربة                        

تنوعت الأطعمة التي يقوم بتوزيعها محبوا آل البيت من الحليين ، ولكن المشهور منها : (تمن وقيمه) ، و(تاچينة) ، و(هريسة) ، ويطبخ منها كميات كبيرة حسب إمكانية القائم بها مالياً ، وتستخدم قدور كبيرة  موقوفة لهذا الغرض ، إضافة إلى توزيع الأكلات السفرية و الفواكه على المارة في السرادق التي نصبت على الشوارع والطرقات لتقديم الخدمات للمسافرين الى كربلاء مشيا على الإقدام ، ولباقي الاهالي الذين يقصدون البركة من تلك الاطعمة 0

أما الأشربة فتسمى (السبيل) ، فكانوا يضعون الماء المبرد، إذا كان الجو صيفاً في أحواض كبيرة ، وقد وضعت الأقداح على لوح من الخشب فوقها ،وعطّرت المياه بماء الورد ، والهيل ، منادين :  سبيل 00 سـبيل ياعطشان 00 اشــرب الماء واذكــر عطش الحســين وقد كتب على واجهة تلك الاحواض : ( شيعتي مهما شربتم عذب ماء فاذكروني ) ، والآن اســتعاضوا عـن ذلك باســتخدام الماء المعقــم ، بقناني خاصة به ، أو بحافظات كبيرة (ترامز) 0

وهناك من يوزع الشاي الذي يسمونه (چاي العباس) ، ومعه الكعك ، أو الكيــك ، ومنهم من يوزع شربت ، وغيرها من الاشربة ، يبغون الأجر والثواب 0

ومن عادات الحليين وتقاليدهم المتوارثة ، عدم إقامة الأفراح خلال محـرم وصفر وخصوصاً الزواج والختان ، وعدم الانتقال إلى بيت حديث البناء، وتكره حلاقة الرأس ، والوجه ، وتقليـم الأظافر في التاسع والعاشر من محرم ، كما يكره استخدام مواد التجميل بالنسبة للمرأة، ويكره البيع والشراء يوم العاشر من محرم فيغلق الأهالي محالهم إلى ما بعد انتصاف النهار  ، ويرتدي أهالي الحلة الملابس السود وعلى الأخص النساء والأطفال من اليوم الأول من محرم إلى نهاية الأربعين ، ويسهرون ليلـة التاسع من محـرم إلى الصباح ويسمونها (الحجة ) ، لسـماع القصائد الحسينية ، والتوعية الدينية ،كما يقوم محبوا آل البيت بفتح بيوتهم الواقعة عـلى الطرق الرئيسية لاستقبال زوار الحسين عليه السلام 0    


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمود كريم الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/11/06



كتابة تعليق لموضوع : مأساة الحسين .. ذكرى تتجدد كل عام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net