بسم الله الرحمن الرحيم
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ{11}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة مواقف :
1- ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ ) : للانسان سواء من اسر شيئا في نفسه او جهر به , ومن استخفى بالليل او سرب بالنهار ( كما هو المستفاد من منطوق الاية الكريمة السابقة ) ملائكة يتعاقبون على حفظه وكلاءته , يكونون امامه ومن جوانبه , يحفظونه بأمر الله تعالى او من كل طارق قد يعترضه , او خطر قد يداهمه , حسب ما تقتضيه حكمته عز وجل .
2- ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) : يؤكد النص المبارك ان الله تعالى لا يغير احوال الناس من الصحة والعافية الى حالة البؤس والقحط والشدة والمرض حتى يغيروا ما في دواخلهم , وتتبدل نفوسهم .
العياشي عن الباقر عليه السلام إن الله قضى قضاءً حتما لا ينعم على عبده نعمة فيسلبها إياه قبل أن يحدث العبد ذنبا يستوجب بذلك الذنب سلب تلك النعمة وذلك قول الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم , وفي المعاني عن السجاد عليه السلام الذنوب التي تغير النعم البغي على الناس والزوال عن العادة في الخير واصطناع المعروف وكفران النعم وترك الشكر ثم تلا الآية ."تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني " .
3- ( وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ) : يسلط النص المبارك الضوء على ان من استوجب عقاب الله تعالى فلا مرد ولا دافع له عنه , ولا تنفع عند ذاك المعقبات ولن يكون له من دونه عز وجل لا ناصر ولا معين في دفعه .
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ{12}
تضمنت الاية الكريمة موردين للتأمل :
1- ( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ) : هناك رأيين حول النص المبارك :
أ) ( خَوْفاً ) : من اذاه في كل الاحوال , ( وَطَمَعاً ) في الغيث .
ب) في العيون عن الرضا عليه السلام خوفا للمسافر وطمعا للمقيم . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني , وذهب الى مثل هذا الرأي السيوطي في تفسير الجلالين ايضا " .
2- ( وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ ) : المحملة بالغيث .
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ{13}
نستقرأ الاية الكريمة في اربعة موارد :
1- ( وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ) : حول النص المبارك الكثير من الاراء , فننقل رأيين منها :
أ) ان كل شيء يسبح الله عز وجل , كل بطريقته , وقد يخفى او لا يدرك { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }الإسراء44 .
ب) هو ملك موكل بالسحاب , يسوقها ويزجرها . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني , وذهب الى هذا الرأي ايضا السيوطي في تفسير الجلالين " .
(روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل عن الرعد فقال ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب , وفيه والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه بمنزلة الرجل يكون في الأبل فيزجرها هاي هاي كهيئة ذلك ) . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
2- ( وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ) : خوفا واجلالا له تعالى .
3- ( وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ ) : يشير النص المبارك الى ان الله تعالى قد يرسل الصواعق فتصيب الكافر عقابا له , وقد تصيب المؤمن اختبارا له .
4- ( وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ) : مع ذلك ترى الكفار يجادلون النبي (ص واله) ويكذبون دعوته لعبادة الله الواحد القهار , المتفرد بالألوهية , ( وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ) , بالقوة والاخذ .
وفي الأمالي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث رجلا إلى فرعون من فراعنة العرب يدعوه إلى الله عز وجل فقال للرسول أخبرني عن الذي تدعوني إليه أمن فضة هو أم من ذهب أم من حديد فرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بقوله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إرجع إليه فادعه قال يا نبي الله إنه أعتى من ذلك قال ارجع إليه فرجع إليه فقال كقوله فبينا هو يكلمه إذ رعدت سحابة رعدة فألقت على رأسه صاعقة ذهب يقحف رأسه فأنزل الله جل ثناؤه يرسل الصواعق الآية .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إن الصواعق لا تصيب ذاكرا قيل وما الذاكر قال من قرأ مائة آية .
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ{14}
بينت الاية الكريمة ( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ) , الدعوة الى توحيده تعالى , وفي اراء اخرى انه جل وعلا يدعى فيستجيب لدعاء عباده , ( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ ) , اما الالهة التي يتخذها الكفار والمشركين لا تستجيب دعواهم , ( إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ) , يضرب النص المبارك مثلا لمن يدعو غير الله تعالى من كل انواع الاله التي يتعبد بها , اي كشخص يبسط كفيه الى الماء في بئر او غيره ويطلب من الماء ان يبلغهما , ( وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ) , لانهم يدعون ما لا يسمع ولا يبصر , ولا يقدر ان يدافع حتى عن نفسه , و لا يملك الارادة , ولا يحكم الدعاء في تلك الحالة ولمثل هذه الالهة الا في ضياع وبطلان .
وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ{15}
نستقرأ الاية الكريمة في موردين :
1- ( وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ) : وذلك في محورين :
أ) ( طَوْعاً ) : الملائكة والمسلمين ومن ولد في الاسلام .
ب) ( وَكَرْهاً ) : المنافقين ومن اجبر على اعتناق الاسلام .
2- ( وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) : القمي قال تحويل كل ظل خلقه الله هو سجود لله لأنه ليس شيء إلاّ له ظل يتحرك بتحريكه وتحويله سجوده ذكره في سورة النحل وقيل اريد بالظل الجسد وإن ما يقال للجسم الظل لأنه عنه الظل ولأنه ظل للروح لأنه ظلماني والروح نوراني وهو تابع له يتحرك بحركته النفسانية ويسكن بسكونه النفساني .
القمي قال ظل المؤمن يسجد طوعا وظل الكافر يسجد كرها وهو نموهم وحركتهم وزيادتهم ونقصانهم .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله وظلالهم بالغدو والاصال قال هو الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وهي ساعة إجابة وفي نهج البلاغة فتبارك الذي يسجد له من في السماوات والأرض طوعا وكرها ويعفر له خدا ووجها ويلقي بالطاعة إليه سلما وضعفا ويعطي القياد (1) رهبة وخوفا قال وسجدت له بالغدو والاصال الأشجار .
أقول : كما يجوز أن يراد بكل من السجود والظل والغدو والاصال معناه المعروف كذلك يجوز أن يراد بالسجود الأنقياد وبالظل الجسد وبالغدو والاصال الدوام ويجوز ايضا أن يراد بكل منها ما يشمل كلا المعنيين فيكون في كل شيء بحسبه وعلى ما يليق به وبهذا تتلايم الروايات والأقوال . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ{16}
نستقرأ الاية الكريمة في ستة موارد مترابطة ومتشابكة مع المورد الاول :
1- ( قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ ) : يوجه النص المبارك النبي الكريم محمد (ص واله) ان يسئل القوم , ويجيب النص المبارك على السؤال لسببين :
أ) انهم لا يملكون الجواب .
ب) لانه الجواب الصحيح ولا جواب اخر له .
2- ( قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً ) : فأذا كان الامر كذلك , لم اتخذتم من دونه عز وجل الهة لا تنفع ولا تضر , وتركتم خالقها ومالكها ( يأتي النص المبارك من باب الزام الحجة عليهم ) .
3- ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ) : الجميع يعرف الجواب , الصغير والكبير , الجاهل والعالم , الانثى والذكر , حيث لا يمكن ان يتساوى الاعمى مع البصير , فكان المقصود بالاعمى الكافر , والبصير المؤمن .
4- ( أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ) : ايضا الجواب معلوم لدى الجميع , لا يمكن ان تتساوى الظلمات مع النور ابدا , كذلك لا يتساوى الكفر والايمان .
وردت كلمة ( الظُّلُمَاتُ ) جمعا , وكلمة ( وَالنُّورُ ) مفردة , حول ذلك اراء كثيرة نذكر منها رأيين :
أ) وردت كلمة الظلمات جمعا لكثرة وتعدد طرقها واسبابها , اما كلمة النور وردت مفردة لان مصدرها واحد .
ب) وردت كلمة النور مفردة الا انها تدل على المفرد والجمع معا .
5- ( أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ) : تضمن النص المبارك سؤال انكار , ( والمعنى أنهم ما اتخذوا لله شركاء خالقين مثله حتى يتشابه عليهم الخلق فيقولوا هؤلاء خلقوا كما خلق الله فاستحقوا العبادة كما استحقها ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلا عما يقدر عليه الخالق ) . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
6- ( قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) : الله جل وعلا خالق كل شيء , ولا خالق غيره , فيشاركه في العبادة , وهو جل وعلا المتوحد بالالوهية الغالب على كل شيء .
( الواحد : هما دالان على معنى الوحدانية و عدم التجزي قيل و الأحد و الواحد بمعنى واحد و هو الفرد الذي لا ينبعث من شيء و لا يتحد بشيء .
القهار : بمعنى و هو الذي قهر الجبابرة و قهر العباد بالموت غير أن قهار و غفار و جبار و وهاب و رزاق و فتاح و نحو ذلك من أبنية المبالغة لأن العرب قد بنت مثال من كرر الفعل على فعال و لهذا يقولون لكثير السؤال سئال و سئالة . قال ( سئالة للفتى ما ليس في يده *** ذهابة بعقول القوم و المال ) , و كذا ما بني على فعلان و فعيل كرحمان و رحيم إلا أن فعلان أبلغ من فعيل و بنت مثال من بالغ في الأمر و كان قويا عليه على فعول كصبور و شكور و بنت مثال من فعل الشيء مرة على فاعل نحو سائل و قاتل و بنت مثال من اعتاد الفعل على مفعال مثل امرأة مذكار إذا كان من عادتها أن تلد الذكور و مئناث إذا كان من عادتها أن تلد الإناث و معقاب إذا كان من عادتها أن تلد نوبة ذكرا و نوبة أنثى و رجل منعام و مفضال إذا كان ذلك من عادته ) . " المقام الاسنى في تفسير الاسماء الحسنى للكفعمي".
أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ{17}
ضربت الاية الكريمة مثلا للحق والباطل ( أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء ) , الغيث , ( فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ) , في الصغر والكبر , وحسب اقتضاء الحكمة والمصلحة , ( فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً ) , عاليا مرتفعا عليه , وهو الاوساخ والاقذار التي تطفو فوق سطح الماء , ( وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ) , ما توقد على النار من المعادن والفلزات , طلبا لصنع حلية او شيئا ذا فائدة , فيحتوي على خبث ( قذر ) مثل الخبث الذي يحمله الماء , ( كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ) , كذلك يضرب الله تعالى المثل ليقرب المعنى للاذهان , ولرؤية الحق والباطل والتمييز بينهما , ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء ) , الخبث والقذر الذي يجرفه الماء او مما يوقد عليه المعدن والفلز فيرمى , ( وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ) , اما ما ينفع الناس كالماء ومستخلصات المعادن والفلزات فينتفع به , ( كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ ) , ليوضح المشتبهات , وتتضح صور الحق والباطل .
( القمي يقول أنزل الحق من السماء فاحتمله القلوب بأهوائها ذو اليقين على قدر يقينه وذو الشك على قدر شكه فاحتمل الهوى باطلا كثيرا أو جفاءً فالماء هو الحق والأودية هي القلوب والسيل هو الهوى والزبد وخبث الحلية هو الباطل والحلية والمتاع هو الحق من أصاب الحلية والمتاع في الدنيا انتفع به وكذلك صاحب الحق يوم القيامة ينفعه ومن أصاب الزبد وخبث الحلية في الدنيا لم ينتفع به وكذلك صاحب الباطل يوم القيامة لا ينتفع به .
وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قد بين الله تعالى قصص المغيرين فضرب مثلهم بقوله فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن فهو يضمحل ويبطل ويتلاشى عند التحصيل والذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والقلوب تقبله والأرض في هذا الموضع هي محل العلم وقراره الحديث وقد مضى تمامه في المقدمة السادسة ) . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ{18}
تضمنت الاية الكريمة مقارنة مبسطة بين فريقين :
1- ( لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى ) : الفريق الاول , الذين استجابوا لله تعالى بالطاعة والعمل الصالح , ليس لهم الا الثواب الجزيل والخير العميم خالصا منه جل وعلا .
2- ( وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) : الفريق الثاني , ( وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ ) , الذين لم يستجيبوا له جل وعلا , فتمردوا , وجاهروه بالكفر والشرك وركوب المعاصي , ( لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ ) , لو ان لديهم كل ذلك لقدموه فدية من العذاب الواقع بهم , ( لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ ) , يؤاخذوا على كل شيء عملوه , لا تقبل لهم حسنة , ولا تغفر لهم سيئة , ( وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) , الفراش , المستقر .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
بسم الله الرحمن الرحيم
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ{11}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة مواقف :
1- ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ ) : للانسان سواء من اسر شيئا في نفسه او جهر به , ومن استخفى بالليل او سرب بالنهار ( كما هو المستفاد من منطوق الاية الكريمة السابقة ) ملائكة يتعاقبون على حفظه وكلاءته , يكونون امامه ومن جوانبه , يحفظونه بأمر الله تعالى او من كل طارق قد يعترضه , او خطر قد يداهمه , حسب ما تقتضيه حكمته عز وجل .
2- ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) : يؤكد النص المبارك ان الله تعالى لا يغير احوال الناس من الصحة والعافية الى حالة البؤس والقحط والشدة والمرض حتى يغيروا ما في دواخلهم , وتتبدل نفوسهم .
العياشي عن الباقر عليه السلام إن الله قضى قضاءً حتما لا ينعم على عبده نعمة فيسلبها إياه قبل أن يحدث العبد ذنبا يستوجب بذلك الذنب سلب تلك النعمة وذلك قول الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم , وفي المعاني عن السجاد عليه السلام الذنوب التي تغير النعم البغي على الناس والزوال عن العادة في الخير واصطناع المعروف وكفران النعم وترك الشكر ثم تلا الآية ."تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني " .
3- ( وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ) : يسلط النص المبارك الضوء على ان من استوجب عقاب الله تعالى فلا مرد ولا دافع له عنه , ولا تنفع عند ذاك المعقبات ولن يكون له من دونه عز وجل لا ناصر ولا معين في دفعه .
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ{12}
تضمنت الاية الكريمة موردين للتأمل :
1- ( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ) : هناك رأيين حول النص المبارك :
أ) ( خَوْفاً ) : من اذاه في كل الاحوال , ( وَطَمَعاً ) في الغيث .
ب) في العيون عن الرضا عليه السلام خوفا للمسافر وطمعا للمقيم . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني , وذهب الى مثل هذا الرأي السيوطي في تفسير الجلالين ايضا " .
2- ( وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ ) : المحملة بالغيث .
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ{13}
نستقرأ الاية الكريمة في اربعة موارد :
1- ( وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ) : حول النص المبارك الكثير من الاراء , فننقل رأيين منها :
أ) ان كل شيء يسبح الله عز وجل , كل بطريقته , وقد يخفى او لا يدرك { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }الإسراء44 .
ب) هو ملك موكل بالسحاب , يسوقها ويزجرها . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني , وذهب الى هذا الرأي ايضا السيوطي في تفسير الجلالين " .
(روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل عن الرعد فقال ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب , وفيه والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه بمنزلة الرجل يكون في الأبل فيزجرها هاي هاي كهيئة ذلك ) . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
2- ( وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ) : خوفا واجلالا له تعالى .
3- ( وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ ) : يشير النص المبارك الى ان الله تعالى قد يرسل الصواعق فتصيب الكافر عقابا له , وقد تصيب المؤمن اختبارا له .
4- ( وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ) : مع ذلك ترى الكفار يجادلون النبي (ص واله) ويكذبون دعوته لعبادة الله الواحد القهار , المتفرد بالألوهية , ( وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ) , بالقوة والاخذ .
وفي الأمالي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث رجلا إلى فرعون من فراعنة العرب يدعوه إلى الله عز وجل فقال للرسول أخبرني عن الذي تدعوني إليه أمن فضة هو أم من ذهب أم من حديد فرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بقوله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إرجع إليه فادعه قال يا نبي الله إنه أعتى من ذلك قال ارجع إليه فرجع إليه فقال كقوله فبينا هو يكلمه إذ رعدت سحابة رعدة فألقت على رأسه صاعقة ذهب يقحف رأسه فأنزل الله جل ثناؤه يرسل الصواعق الآية .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إن الصواعق لا تصيب ذاكرا قيل وما الذاكر قال من قرأ مائة آية .
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ{14}
بينت الاية الكريمة ( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ) , الدعوة الى توحيده تعالى , وفي اراء اخرى انه جل وعلا يدعى فيستجيب لدعاء عباده , ( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ ) , اما الالهة التي يتخذها الكفار والمشركين لا تستجيب دعواهم , ( إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ) , يضرب النص المبارك مثلا لمن يدعو غير الله تعالى من كل انواع الاله التي يتعبد بها , اي كشخص يبسط كفيه الى الماء في بئر او غيره ويطلب من الماء ان يبلغهما , ( وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ) , لانهم يدعون ما لا يسمع ولا يبصر , ولا يقدر ان يدافع حتى عن نفسه , و لا يملك الارادة , ولا يحكم الدعاء في تلك الحالة ولمثل هذه الالهة الا في ضياع وبطلان .
وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ{15}
نستقرأ الاية الكريمة في موردين :
1- ( وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ) : وذلك في محورين :
أ) ( طَوْعاً ) : الملائكة والمسلمين ومن ولد في الاسلام .
ب) ( وَكَرْهاً ) : المنافقين ومن اجبر على اعتناق الاسلام .
2- ( وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) : القمي قال تحويل كل ظل خلقه الله هو سجود لله لأنه ليس شيء إلاّ له ظل يتحرك بتحريكه وتحويله سجوده ذكره في سورة النحل وقيل اريد بالظل الجسد وإن ما يقال للجسم الظل لأنه عنه الظل ولأنه ظل للروح لأنه ظلماني والروح نوراني وهو تابع له يتحرك بحركته النفسانية ويسكن بسكونه النفساني .
القمي قال ظل المؤمن يسجد طوعا وظل الكافر يسجد كرها وهو نموهم وحركتهم وزيادتهم ونقصانهم .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله وظلالهم بالغدو والاصال قال هو الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وهي ساعة إجابة وفي نهج البلاغة فتبارك الذي يسجد له من في السماوات والأرض طوعا وكرها ويعفر له خدا ووجها ويلقي بالطاعة إليه سلما وضعفا ويعطي القياد (1) رهبة وخوفا قال وسجدت له بالغدو والاصال الأشجار .
أقول : كما يجوز أن يراد بكل من السجود والظل والغدو والاصال معناه المعروف كذلك يجوز أن يراد بالسجود الأنقياد وبالظل الجسد وبالغدو والاصال الدوام ويجوز ايضا أن يراد بكل منها ما يشمل كلا المعنيين فيكون في كل شيء بحسبه وعلى ما يليق به وبهذا تتلايم الروايات والأقوال . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ{16}
نستقرأ الاية الكريمة في ستة موارد مترابطة ومتشابكة مع المورد الاول :
1- ( قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ ) : يوجه النص المبارك النبي الكريم محمد (ص واله) ان يسئل القوم , ويجيب النص المبارك على السؤال لسببين :
أ) انهم لا يملكون الجواب .
ب) لانه الجواب الصحيح ولا جواب اخر له .
2- ( قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً ) : فأذا كان الامر كذلك , لم اتخذتم من دونه عز وجل الهة لا تنفع ولا تضر , وتركتم خالقها ومالكها ( يأتي النص المبارك من باب الزام الحجة عليهم ) .
3- ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ) : الجميع يعرف الجواب , الصغير والكبير , الجاهل والعالم , الانثى والذكر , حيث لا يمكن ان يتساوى الاعمى مع البصير , فكان المقصود بالاعمى الكافر , والبصير المؤمن .
4- ( أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ) : ايضا الجواب معلوم لدى الجميع , لا يمكن ان تتساوى الظلمات مع النور ابدا , كذلك لا يتساوى الكفر والايمان .
وردت كلمة ( الظُّلُمَاتُ ) جمعا , وكلمة ( وَالنُّورُ ) مفردة , حول ذلك اراء كثيرة نذكر منها رأيين :
أ) وردت كلمة الظلمات جمعا لكثرة وتعدد طرقها واسبابها , اما كلمة النور وردت مفردة لان مصدرها واحد .
ب) وردت كلمة النور مفردة الا انها تدل على المفرد والجمع معا .
5- ( أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ) : تضمن النص المبارك سؤال انكار , ( والمعنى أنهم ما اتخذوا لله شركاء خالقين مثله حتى يتشابه عليهم الخلق فيقولوا هؤلاء خلقوا كما خلق الله فاستحقوا العبادة كما استحقها ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلا عما يقدر عليه الخالق ) . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
6- ( قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) : الله جل وعلا خالق كل شيء , ولا خالق غيره , فيشاركه في العبادة , وهو جل وعلا المتوحد بالالوهية الغالب على كل شيء .
( الواحد : هما دالان على معنى الوحدانية و عدم التجزي قيل و الأحد و الواحد بمعنى واحد و هو الفرد الذي لا ينبعث من شيء و لا يتحد بشيء .
القهار : بمعنى و هو الذي قهر الجبابرة و قهر العباد بالموت غير أن قهار و غفار و جبار و وهاب و رزاق و فتاح و نحو ذلك من أبنية المبالغة لأن العرب قد بنت مثال من كرر الفعل على فعال و لهذا يقولون لكثير السؤال سئال و سئالة . قال ( سئالة للفتى ما ليس في يده *** ذهابة بعقول القوم و المال ) , و كذا ما بني على فعلان و فعيل كرحمان و رحيم إلا أن فعلان أبلغ من فعيل و بنت مثال من بالغ في الأمر و كان قويا عليه على فعول كصبور و شكور و بنت مثال من فعل الشيء مرة على فاعل نحو سائل و قاتل و بنت مثال من اعتاد الفعل على مفعال مثل امرأة مذكار إذا كان من عادتها أن تلد الذكور و مئناث إذا كان من عادتها أن تلد الإناث و معقاب إذا كان من عادتها أن تلد نوبة ذكرا و نوبة أنثى و رجل منعام و مفضال إذا كان ذلك من عادته ) . " المقام الاسنى في تفسير الاسماء الحسنى للكفعمي".
أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ{17}
ضربت الاية الكريمة مثلا للحق والباطل ( أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء ) , الغيث , ( فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ) , في الصغر والكبر , وحسب اقتضاء الحكمة والمصلحة , ( فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً ) , عاليا مرتفعا عليه , وهو الاوساخ والاقذار التي تطفو فوق سطح الماء , ( وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ) , ما توقد على النار من المعادن والفلزات , طلبا لصنع حلية او شيئا ذا فائدة , فيحتوي على خبث ( قذر ) مثل الخبث الذي يحمله الماء , ( كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ) , كذلك يضرب الله تعالى المثل ليقرب المعنى للاذهان , ولرؤية الحق والباطل والتمييز بينهما , ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء ) , الخبث والقذر الذي يجرفه الماء او مما يوقد عليه المعدن والفلز فيرمى , ( وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ) , اما ما ينفع الناس كالماء ومستخلصات المعادن والفلزات فينتفع به , ( كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ ) , ليوضح المشتبهات , وتتضح صور الحق والباطل .
( القمي يقول أنزل الحق من السماء فاحتمله القلوب بأهوائها ذو اليقين على قدر يقينه وذو الشك على قدر شكه فاحتمل الهوى باطلا كثيرا أو جفاءً فالماء هو الحق والأودية هي القلوب والسيل هو الهوى والزبد وخبث الحلية هو الباطل والحلية والمتاع هو الحق من أصاب الحلية والمتاع في الدنيا انتفع به وكذلك صاحب الحق يوم القيامة ينفعه ومن أصاب الزبد وخبث الحلية في الدنيا لم ينتفع به وكذلك صاحب الباطل يوم القيامة لا ينتفع به .
وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قد بين الله تعالى قصص المغيرين فضرب مثلهم بقوله فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن فهو يضمحل ويبطل ويتلاشى عند التحصيل والذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والقلوب تقبله والأرض في هذا الموضع هي محل العلم وقراره الحديث وقد مضى تمامه في المقدمة السادسة ) . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ{18}
تضمنت الاية الكريمة مقارنة مبسطة بين فريقين :
1- ( لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى ) : الفريق الاول , الذين استجابوا لله تعالى بالطاعة والعمل الصالح , ليس لهم الا الثواب الجزيل والخير العميم خالصا منه جل وعلا .
2- ( وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) : الفريق الثاني , ( وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ ) , الذين لم يستجيبوا له جل وعلا , فتمردوا , وجاهروه بالكفر والشرك وركوب المعاصي , ( لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ ) , لو ان لديهم كل ذلك لقدموه فدية من العذاب الواقع بهم , ( لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ ) , يؤاخذوا على كل شيء عملوه , لا تقبل لهم حسنة , ولا تغفر لهم سيئة , ( وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) , الفراش , المستقر .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat