من المكاسب المهمة التي حققتها الإنتفاضة الشعبية التونسية هي تحرير الإعلام من التبعية العمياء للنظام البائد ، ومن الإنقياد التام لمقرراته القاضية بتلميع صورته وتزييفها على حساب الحقيقة وعلى حساب حقوق عامة الشعب ! .. والقناة السابعة التونسية خير مثال على النفاق الإعلامي الهادف إلى الحفاظ على المنصب الصحفي بمسايرة السياسات التعسفية لأصحاب القرار ، وتحريفاتهم وتضليلاتهم وتعتيماتهم ، حتى ولو ضاع مع كل ذلك التطبيل معنى المصداقية المهنية ، ومعنى الرسالة الصحفية النبيلة ! ..
فطاقم تلك القناة كان كله مؤيدا ومطبلا للنظام الديكتاتوري حتى لحظاته الأخيرة التي قبره فيها الشعب ، وكانت ألسن مذيعوها تلوك مصطلحات من أمثال : (الأعمال الهمجية .. والتخريبية .. واللامسؤولة (لبعض) الشباب (الطائش) ! .. وكانوا يظهرون مقنّعين بالحزن المصطنع ، تماما كأثر مستحضرات التجميل التي يحرصون على وضعها قبل إطلالاتهم التهريجية ، وكانت عيونهم تغرورق بدموع التماسيح خوفا على مناصبهم التي لايستحقون شغلها لأن أغلبهم نالها عن طريق الحظوة والرشوة والمحسوبية ، ومستوياتهم أضعف من مقارنتها بمستويات البطالين الذين تعج بهم مدن تونس وقراها ، دون أن ينالوا الفرصة لإثبات ذواتهم ومهاراتهم تحت سياسة التهميش الممارسة ضدهم ! ..
ونفس الطاقم شمّ رائحة (شرف المهنة) فقط عندما أطاح أحرار اليوم و(همج) الأمس بطاغية اليوم و(فخامة رئيس) الأمس ! .. حينها فقط تحوّل المأتم إلى فرح ! .. حتى إن إحدى المذيعات سارعت بإرتداء أزهى ثوب لديها ، وفي إعتقادها أن الشعب سيرضى عنها إذا ما أطلت عليه وعلى وجهها تلك البسمة العريضة ، أوعلى رموشها تلك الرشات اللامعة تحت الأضواء الكاشفة من المساحيق ، ليفاجئها أحد المواطنين الذين لم يعودوا يطيقون النفاق والمجاملة : [ ألا تخجلين من نفسك متزينة والبلاد تعيش حدادا على شهداء الثورة ؟! ] ..كما اخبرني احد اصدقائي من الاطباء التونسيين ، فكان كمن صفعها وأيقظها على وقع كلمات الصدق والحقيقة ! ..
ونفس السيناريو الذي عرفته تلك القنوات الحكومية التونسية ، تشهده القنوات المصرية هذه الأيام ، ولمن فاتته متابعة أجزاءه التونسية كاملة ننصح بالمسارعة إلى متابعة النسخة المصرية لأنها في بداياتها نحو تحول سياسات وتوجهات ، وحتى لهجات ونبرات الأصوات لكثير من القنوات ، على غرار السابعة التونسية التي أمّم رقمها وأصبحت وطنية ...انها عبرة لمن يعتبر اليس كذلك؟
الدكتور
يوسف السعيدي
العراق

التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!