صفحة الكاتب : هيفاء الحسيني

وحدة العقيدة ضمان ام مصدر خلاف ؟
هيفاء الحسيني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 هل يمكن أن تكون وحدة العقيدة صمام أمان ضد العنف ؟
شواهد التاريخ تؤكد غير ذلك ،  لا لأن في العقيدة الواحدة شيء من الأرباك للذين يعتنقونها ، وليس لأنها تحمل نوعا من التناقض ولكن الذين يؤثرون مصالح ذاتية يتخذونها ستارا من اجل غنيمة ما عبر تفسير مفرداتها أو تأويلها بالشكل الذي يتيح لهم أقصى درجة من المنافع . صحيح أن ثمة ثوابت في العقيدة لايمكن تجاوزها أو خاضعة لأي تفسير أو تأويل ، ولكن هذه الثوابت يمكن طرحها جانبا - مؤقتا - لمن يريد التركيز على ثيمات معينة على وفق منهجية يخترعها لنفسه وعلى طريقة السفسطائيين ليبتغي عرض الحياة الدنيا كما أشار الى ذلك القرآن الكريم . ومن هنا جاء التأويل للثابت ايضا لكي يخدم الغرض المبتغى ، وهذا يعني بالضرورة توفير مناخ مناسب للأختلاف ، وكلما تصاعدت نبرة الأختلاف كلما أدت الى صراع يبدأ بالحوارات المتهكمة لينتهي بالعنف الممنهج لاسيما وأن بذرة الصراع قد تكون كامنة أول الأمر نتيجة تراكمات تاريخية عمقتها المصالح الآنية لتتحول بعدئذ الى الغاء الآخر ومن ثم التنكيل به وحسب درجة خطورته في زعزعة المصالح ، وهذا الأمر لايقتصر على المؤمنين بالعقيدة الأسلامية حيث أنها ليست استثناء ، فقد العقيدة المسيحية لمثل ذلك قبل فصل الدين عن الدولة في أوربا ومن قبلها العقيدة اليهودية ، وهذا هو حال العقائد الأخرى كالهندوسية والطاوية والبوذية والزرادشتية وغيرها . لكن الأمر في العقيدة الأسلامية أكثر تعقيدا وقد يختلف عن العقائد الأخرى من حيث أن (( النص العقائدي الأسلامي )) كتب بلغة شاعرية فرضتها طبيعة اللغة العربية مما جعل النص اكثر قابلية للتأويل أو التفسير وهذا ماأشار اليه الأمام علي بن أبي طالب -ع- في رسالة بعث بها الى عبدالله بن عباس -رض- وهو يوجهه ناصحا الخارجين عليه قبيل معركة النهروان قال فيها (لا تجادلهم بالقرآن لأنه حمال أوجه تقول ويقولون ) وهو الحال نفسه الذي حدث بين سعيد بن المسيب والحجاج بن يوسف الثقفي في العصر الأموي ، وقد لعب المزاج دوره في ذلك على رأي الجاحظ . وبالرغم من أن شواهد التأريخ ظلت عالقة في أذهان الأجيال اللاحقة ، الا أنها لم تفصل مابين ماهو حقيقي في العقيدة وما هو طارئ عليها أو متسرب اليها أو موضوع فيها عن قصد أو بفعل التأويل والتفسير خصوصا وأن البعض قد عمد الى التضخيم ، أما لتحقيق مآرب معينة كما فعلت الشعوبية في العصر العباسي أو لأسباب تتعلق بالمنفعة على غرار مايجري اليوم ليس في العراق ، حسب ، وانما في العالم الأسلامي كله ، في الوقت الذي يفترض أن تكون العقيدة صمام أمان للجميع لأنها المرجعية الوحيدة التي يمكن أن يستند اليها في حسم أي خلاف فكري أو عقائدي ، وتجدر الأشارة هنا الى أن تعدد المنابر في الحديث عن العقيدة الواحدة قد يفضي حتما الى ضعفها وبالتالي يؤدي الى اضمحلال الأيمان بها كمرجعية وعلى غرار ماحدث لعقائد عديدة وعلى رأسها العقيدة المسيحية حيث تعددت منابرها الى كاثوليك وبروتستانت وارثوذوكس وشهود يهوه والأنجيلية وما الى ذلك ، وكل له تفسيره لنصوص الكتاب المقدس أو حتى تأويله ومحاولة اثبات الجذر التاريخي لكل تلك المنابر على وفق التفسير البراغماتي لها. ان أي محاولة لأستشراف الوقائع التاريخية بصدد العقيدة - أي عقيدة - يثمر شئنا أم أبينا بلورة خلاف بشأن العقيدة نفسها ، وهذا مانلمسه اليوم جاريا على الساحة شرق أوسطية ، وربما سيؤدي ذلك الى بعثرة قوى تعتقد أنها في منأى من أي خطر يحدق بها عاجلا أم آجلا .
 
 
 
 هيفاء الحسيني - واشنطن دي سي


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هيفاء الحسيني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/01/29



كتابة تعليق لموضوع : وحدة العقيدة ضمان ام مصدر خلاف ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net