كتابات في الميزان
كتابات في الميزان

مسارات انتقال صورة الوحي إلى أوروبا في العصور الوسطى

 كانت هناك مراحل تأسيسية لصورة الوحي، أو ممكن تسميتها دفوعات عقائدية تجاه الدين الجديد في بدأ تأسيسه، وهذه الصورة كانت نتاج أزمنة قريبة من النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى تطورت وتقولبت بعد ذلك على طول الأزمنة والأمكنة.

أن التصور المشوه عن الإسلام لم يأت بسبب عدم معرفة الأوروبيين في العصور الوسطى بهذا الدين فحسب، بل يشير المختصون في ذلك إلى ثلاثة مكونات بنيوية رئيسة، ساعدت بدورها في تأسيس التصور الأوروبي عن الإسلام ونبيه وعقائده، وهذه المكونات هي الميثولوجية()، واللاهوتية()، والعقلانية()، إِذ استندوا إلى مصادر كثيرة التمايز والتباين، مثل الحكايات الشعبية، وقصص الأبطال والحجاج والقديسين، والمؤلفات الجدلية الدفاعية، والترجمات، وبعض الحالات التي كانت تؤخذ من سياقها الأصلي، وتقدم إلى القارئ الأوروبي بشكل مشوهة().

وفق الأساطير والخرافات التي انتشرت في أوروبا العصور الوسطى، والتي روجت أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في الأصل كاهناً مسيحياُ دفعه أحد الأساقفة إلى الانشقاق عن الكنسية، والمفهوم الأساسي لهذه الأسطورة هو جعل الإسلام في الأصل جزءً من المسيحية، أي فرعاً متمرداً منها، مستندين بذلك على الرواية التي تنقلها المصادر الإسلامية حول لقاء النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والراهب بحيرى –الذي يسمى سرجيوس في أوروبا-، وأن هذا الراهب قدم التعليم لمحمد للظهور بدينه الجديد، وكتب له كتاب اسماه القرآن، رغبةً منه بالانتقام والحاق الأذى بالكنيسة المسيحية التي انشق عنها().

ويمكن أن نحدد أساس هذه الصورة التي وصلت الى أوروبا عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والتي تنفي الوحي والنبوة، هو ما نقله مسيحيو الشرق عن الإسلام ونبيه.

- يوحنا الدمشقي (John of Damascus)() (56-131ه/675-749م) وكتبه الجدلية لها دور في هذا التصوير، فيذكر أن محمد كان قد حول العرب عن طريق وضع سلسلة من القوانين والأفكار المأخوذة من العهدين القديم والجديد، بفضل التعليم الذي تلقاه من راهب من انصار المذهب الأريوسي (Arius )()() -يقصد بحيرى- منشق عن الكنيسة المسيحية().

يشير يوحنا بالراهب الأريوسي الى الرواية الإسلامية التي ينقلها ابن أسحاق، التي تذكر لقاء النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في صغره بالراهب بحيرى()، ونلاحظ في هذه الرواية الاتي:

1. أكثرَّ أبن إسحاق في نقله للرواية من لفظة (يزعمون) (كما زعم)()، والزعم هو الشك في القول()، وهذا يوضح شكَّ أبن أسحاق في صحتها.

2. إِن لقاء النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالراهب بحيرى –أن صحت الرواية- كان لقاءً قصير جداً، لم يدم ساعة أو ساعتين، إلا أن هذه الرواية اتُخذت وسيلة لربط الدين الإسلامي بالمسيحية، وأن نبي الإسلام كان يتلقى تعليمه من رهبان المسيحية.

فضلاً عن ذلك أَنَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عند لقائه ب‍بحيرى كان عمره لم يصل إِلى الثانية عشر، فهل يستطيع ممن بهذا السن فهم ما موجود في العهدين القديم والجديد()، التي ادعاها يوحنا

3. نضيف لذلك أَنَّ الله سبحانه صرح بشكل واضح على زعمهم بالقول: ﴿ولَقدْ نَعلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّما يُعَلِّمُهُ بَشرٌ لِسانُ الَّذي يُلْحدْونَ إليْه أَعجَمِيَّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيّ مُبيْنٌ﴾().

ويعتقد يوحنا أيضا أن القرآن نتاج لأحلام محمد؛ لأنه تلقاه وهو نائم().

أستند يوحنا بذلك على الرواية المنقولة عن السيدة عائشة، إِذ قالت: " كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ أُوْلَاتِ الْعَدَدِ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى فَاجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ، فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ "().

ولا بد من توضيح معنى الرؤيا واختلافها عن الحلم التي قد يخلط بينهما أحياناً، كلاهما ما يراه النائم في نومه، لكن الرؤيا تختص بالخير والشيء الحسن، أما الحلم يختص بالشر والشيء القبيح()، استناداً لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "الرؤْيا مِنَ اللَّهِ، والحُلمُ مِنَ الشَّيْطَانِ..."()

أن المتواتر في كتب التاريخ عن حادثة الرؤيا الصادقة كانت قبل البعثة النبوية، بينما تزوج النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من السيدة عائشة في السنة الأولى للهجرة وهي بنت تسع سنين()، فكيف عرفت حادثة الرؤيا الصادقة ونقلتها، وهي لم تولد بعد، ولم تتزوج من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قد يقول قائل أنها سمعتها من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكنَّ الرواية لم تذكر أن الرؤيا الصادقة هي بداية نزول الوحي، حتى يتهم يوحنا النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن القرآن كان نتاج لأحلامه؛ لأنه تلقاه وهو نائم، إِذ أَنَّ أول آيات القرآن نزولاً هي أثناء اللقاء الأول بالملاك جبريل (u)()، ثم توالى بعد ذلك نزول باقي الآيات والسور طيلة ثلاث وعشرون سنة حتى وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم تشر كتب التاريخ الإسلامي أنه قد تلقى أيَّ آية أو سورة وهو نائم.

وتعد الصفحات التي خصصها يوحنا فى كتابه (ينبوع المعرفة)()، في القسم الثاني الذي تناول فيه الهرطقات() مليئة بالافتراءات ضد القرآن الكريم والنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)().

وبطبيعة الحال أنصب تركيز يوحنا على شخصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فوصفهُ بالكاذب()، كما يسمي المسلمين بـ(الإسماعيليون)() أو (الهاجريون)()، ويعقد مقارنة بين النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والأنبياء مثل موسى وعيسى (u)، وما جاءوا به من المعجزات على عكس محمد –حسب وصفه-، ويصف أن القرآن الكريم كتاب (غير مصدق) يحتوي تعاليم وأوامر أرغم محمد اتباعه على الالتزام بها، وأنها مدعاة للضحك والسخرية().

- ثيوفانس المعترف (Theofanes The Confessor)() (760 - 817م) الذي روج لفكرة أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تعلم على يد راهب مجهول كان يسكن مكة()، لعلهُ يشير إلى ورقة بن نوفل()، فهو من كان يسكن مكة، وهناك بعض الكتب التاريخية التي أكدت أن ورقة بن نوفل لم يكن نصرانياً، بل من الأحناف() الذين كرهوا عبادة الأوثان، إذ كان يبحث عن الدين الصحيح، وقرأ الكتب السماوية، فلم يكن نصرانياً بل كان متبحراً في الديانات الأخرى().

وفسر ثيوفانس المعرفة اللاهوتية التي تمتع بها النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، واطلاعه على قصص الأنبياء السابقين وتاريخهم، انه قد تواصل مع مجموعة من المسيحيين واليهود في فلسطين، وتعلم منهم ما تحتويه النصوص المقدسة()، يقصد بذلك أيام عمله التجاري وزيارته لبلاد الشام.

وثيوفانس نفسه نشر فرية أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مصاباً بالصرع()، فهو أول من روج لذلك وانتشرت من بعده في كتب الأوروبيين حتى نهاية القرن العشرين.

ونجد من المستشرقين من بثت هذه الفرية في كتبهم، فهذا المستشرق السويدي كارل يوهان تورنبيرغ (Karl Tornberg)() (1807-1877م) يؤكد ذلك بالقول: "ولكن محمد في الحقيقة من حيث السمو الروحي لا يمكن أن يقارن مع الأنبياء العظام من العهد القديم، مثل: أشعياء، ويوئيل منذ البداية كان شيئًا مرضيا في حالته النفسية المتهيجة والغاضبة، إنه مرض الجسم الذي تم التعبير عنه بالنوبة الصرعية، ومثل هذه الحالات أعطته السبب الأول للاعتقاد أنه قد فهم القوى العليا"().

أن هذه الافتراءات ليست بالجديدة على شخصية سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد نعته المشركون قبل بذلك ووصفوه بالمجنون، والكاهن، والشاعر، كل هذا لم يهن ولم يضعف من عزيمته وإصراره في إكمال رسالته، وقد رد الله سبحانه هذه التهم والافتراءات بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم﴾ٍ()، ﴿فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ﴾()، ﴿وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لتاركوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾()، كذلك قوله: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ۗ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾().

فضلاً عن ذلك هناك من المستشرقين من نفى هذا الافتراء مثل فرانشيسكو غابريلي (Francisco Gabrili)() الذي وصف الرواية الغربية بأنها مضحكه بقوله: "إنها مضحكه، ودليل الجهل، والبغض والكره الكنسي، وهذا كله كان نتاج العصور الوسطى التي سيطرت عليها المسيحية، والتعصب الديني"()، والمستشرق الفرنسي موريس ج. ديموبين (Maurice G. Demombyne)() (1862-1957) يقول: "ورأى الأخرون في محمد أنسان مصروعاً وعرفوه بأنه كاذب وغير مسئول – لكن الصرع يسلب ذاكرة المريض بينما القرآن كتاب معتبر ويدل على انتباه وفصاحة"().

ويبقى التساؤل المطروح، هل من يصاب بالصرع أو الجنون يستطيع أن يأتي بهذه الكلمات النورانية والتشريعية، نقصد القرآن الكريم والسنة النبوية؟ وهل يستطيع قيادة أمة كاملة بحنكة وسياسة بارعة، شهد له بها الأعداء قبل الأصحاب()؟

ولا يفوتنا أن ننوه أن الدراسات الطبية الحديثة عن مرض الصرع تؤكد أن هذا الداء عادةً يظهر في مرحلة الطفولة أو السن المتقدم، ويؤدي إلى عدم الثقة بالنفس، والخوف المستمر، والاعتماد على الأخرين((، فضلاً عن ذلك يتميز المصاب بالصرع بضعف التفكير والجمود، وبطء الاستجابة، والانطواء على نفسه، والثوران والهيجان والعدوانية، ويكون حاد الطباع ومتقلب المزاج والتشكك والتطرف().

وكل ما تم ذكره لم نجده في النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إطلاقاً، إذ يذكر عنه "كان رسول اللَّه صلى اللهُ عليه وسلم دائم البشر، سهل الخُلُق، لين الجانب، ليس بفظٍ ولا غليظٍ، ولا صخابٍ ولا فحاشٍ، ولا عيابٍ ولا مشَاحٍ، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يُؤْيِس منهُ راجيه ولا يُخيبُ فيهِ، قدْ ترك نفسهُ منْ ثلاثٍ: المراء والإكثار وما لا يعنيه"()، فضلاً عن شجاعته وإقدامه، وثقته المفرطة بنفسه، والا لما استطاع الوصول إلى هدفه السامي بنشر رسالة الإسلام.

- نيقتاس البيزنطي (Niketas)()، الذي ألف كتابا حاول فيه نقد القرآن الكريم ودحضه، إِذ كان يطلق على السور القرآنية لفظ (الأسطورة المحمدية) ().

أن اتهام النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه يتلو الأساطير ليست بالشيء الجديد الذي جاء به نيقتاس، إنما المشركون في مكة من قبله اتهموه بذلك بالقول: "أن الذي تتلوه علينا، يا محمد، إلا ما سطَّره الأولون وكتبوه من أخبار الأمم! وأنه لم يوحِه الله"()، ونزل بذلك قوله تعالى ﴿لَقَدْ وُعِدْنَا هَٰذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾()، وقولهُ سبحانه: ﴿أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا﴾()، وإِن هذه التهمة أول من وجهها للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو النضر بن الحارث()، إِذ كان يسافر بتجارته إلى بلاد فارس والحيرة، ويمرّ بالعِباد ويسمع ما يقرأون من الإنجيل، وبعد عودته سمع بما نزل على النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: "إنما يأتيكم محمد بأساطير الأولين!"()

ثم أن القرآن الكريم لم يقتصر على قصص الأنبياء والأمم السابقة حتى يطلق عليه أساطير، ففيه:

1. التحدي المستمر من الله سبحانه، من يشك فيه أن يأتوا بمثله أو سورة منه في قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾()، وقوله سبحانه: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾() وهذا التحدي لا يزال قائم إلى يومنا هذا.

2. نزول سور القرآن الكريم وآياته متفرَّقه على مدار (23) سنة، فلو كانت أساطير الأولين كما يدعون لكان دفعة واحدة، وهذا ما أكدته الآية الكريمة: ﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ وَرَتَّلۡنَٰهُ تَرۡتِيلٗا﴾().

3. الإعجاز البلاغي والعلمي للقرآن، إِذ يتضمن من البلاغة والبيان ما عجز أفصح العرب عن الإتيان بمثله، كما يحوي إشارات علمية وحقائق لم تكن معروفة زمن نزوله، مما ينفي كونه من صنع البشر، فأن أول آية نزلت منه كانت تحتوي مسألة علمية تتناول خلق الأنسان في قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾()، وقوله جل شأنه في وحدة الكون وكيفية أنشاؤه: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾()، والجبال التي أنشأها لتثبت الأرض في قوله: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾(). فضلاً عن ذلك لا يحتوي القرآن على الخرافات المنتشرة في الأساطير، بل يقرّ بالحقائق ويدعو للتفكر والتدبر، ويقدم منظومة تشريعية وأخلاقية متكاملة تناسب كل زمان ومكان.

كما يؤكد نيقتاس حسب فكره اللاهوتي أن دين محمد دين وثني، وأنه هو مؤلف القرآن، وأنه يدعو إلى عبادة الشيطان ().

هذه الادعاءات باطلة يمكن الرد عليها من عدة زوايا تاريخية وعقلية وعلمية:

أولًا: الادعاء بأن دين الإسلام دين وثني

الإسلام يؤكد على التوحيد المطلق والخالص لله عز وجل، وهو عكس الوثنية تماماً التي تقوم على تعدد الآلهة أو عبادة الأصنام، إِذ قال الله تعالى: ﴿"إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾()، بينما الإسلام يحارب هذه المعتقدات بشدة كما في قوله: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَد﴾()، فضلاً عن ذلك أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)واجه الوثنية في مكة، وحطم الأصنام عند فتحها()، مما يدل على مناهضته التامة لعبادة الأوثان.

ثانيًا: الادعاء بأن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو مؤلف القرآن

لقد صرح الله سبحانه بشكل واضح بألوهية النص القرآني، ونفى أنه من تأليف النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾()، فضلاً عن أن أسلوب القرآن الكريم يختلف جذرياً عن الحديث النبوي الشريف، فلو صح أنه من تأليف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لكان هناك تشابه بالأسلوب.

ثالثًا: الادعاء بأن الإسلام يدعو إلى عبادة الشيطان

وقد أدعى نيقيتاس في وصفه للقرآن بالقول: "هذا الكتيب من حيث الزمان والمكان لا يمكن أن يكون قد أعطي من قبل الله، فأي عمل أو كلمة إما إلهي أو بشري أو شيطاني، والعرب حرموا من الأول والثاني "الإلهي والبشري" واسترشدوا بالثالث، وعلى الرغم من ادعاء محمد بأنه أخذ الكتاب من الله وأن ذلك تحقيقاً لما جاء به موسى وعيسى، لكن كتابه الهمجي لا يحقق ذلك؛ لأنه في الواقع يعارض إنجيل المسيح، ولا يمكن أن يكون كتابه كتاب الله، ولكنه كتاب المسيح الدجال"().

أن الإسلام في جوهره الأساس يحارب الشيطان ويحذر منه: ﴿أنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾()، ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾()، كما حذر النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في احاديثه الشريفة المسلمين من الشيطان كقوله: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا"()، وكانَ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعوذ الإمامين الحسن والحسين (u)، ويقولُ: " ... أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ"، فكيف ممنَّ يدعو إلى عبادة الشيطان، يصفه بأنه عدو؟ ولماذا يحارب الشيطان الإسلام اذا كان يدعو لعبادته؟

العصور-الوسطى.jpg

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!