ما يحدث في الناصرية لم يعد يُصدَّق، حتى بات العقل يقف حائراً أمام هذا الانهيار الأمني المتواصل. فكل يوم تستيقظ المدينة على أخبار جديدة عن قتلى وجرحى في نزاعات عشائرية، وكأنها عادت إلى زمن الغاب حيث لا صوت يعلو فوق صوت السلاح.
الأمن في أقضية المحافظة بات مفقودًا إلى حدٍ مخيف. نزاعات قبلية تتفجر لأسباب واهية لتتحول إلى معارك حقيقية تُستخدم فيها الأسلحة المتوسطة وكأننا أمام حرب بين دولتين، لا بين أبناء محافظة واحدة. ومَن يشاهد ما يُنشر يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي من مقاطع مصوّرة يظن أنه يتابع لقطات من ساحة قتال لا تمتّ بصلة لمدن يُفترض أنها تخضع لسلطة الدولة.
الأدهى من ذلك أن الاعتداءات لم تعد تقتصر على الخصوم العشائرية، بل طالت رجال الأمن أنفسهم. فشرطي المرور، ورجال الشرطة أصبحوا في بعض الأحيان هدفاً للضرب والإهانة في مشهد يعكس حالة من التمرد على هيبة الدولة وانهيار منظومة القانون.
أما مديرية شرطة ذي قار فتبدو وكأنها تقف على الهامش، لا تُبادر ولا تتدخل إلا بعد فوات الأوان. والسؤال الذي يتردد اليوم على ألسنة الأهالي: هل عجزت الأجهزة الأمنية عن فرض القانون، أم أن بعض قياداتها متواطئة مع من يعبثون بأمن المدينة؟
ولعل التجربة السابقة خير دليل على أن الناصرية يمكن أن تكون آمنة لو وجدت قيادة مخلصة لا تخضع للمحاصصة أو الولاءات الحزبية. فقبل سنوات، عندما تسلّم أحد الضباط (غير المنتمي لأي حزب ) إدارة شرطة قضاء سوق الشيوخ، ساد الأمن واختفت الجريمة، حتى شعر الناس بالطمأنينة. لكن ما إن بدأت الأحزاب تتذمر من استقلاليته، حتى أُبعد من منصبه، ليُنقل إلى بغداد، فيما ظل الأهالي يذكرونه بالخير حتى اليوم.
اليوم، تغرق الناصرية في فوضى السلاح، حيث تنتشر الأسلحة غير المرخصة في أيدي الصغار قبل الكبار، ويختلط الحق بالباطل في مشهدٍ يُنذر بانفجارٍ أكبر إذا لم تتدخل الدولة بحزم.
لقد ضاق الأهالي ذرعاً بهذه الفوضى وسئموا من مشهد الدم اليومي الذي يلطّخ وجوه أبنائهم. فهل من مسؤول شريف ينهض لإنقاذ هذه المدينة العريقة التي أنجبت أول الحرف وأضاءت العالم بحضارتها من عبث الفوضى والخراب؟


التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!