قالَ اللهُ تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾. (سورة الحج، آية: 46)
خطَّ الزمان لنا في ذاكرته حكايات عن أولئك الذين ألْفَوا العتمة واعتادوا على دهاليز الظلمة حتى غابَت عَنهم بَصيرة الحق وَباتوا يَخشون شعاع الشمس، فالنّورُ المُتوهج يَكشف أقنعةَ الزّيف، والحقيقة تبُان عند ارتفاع النهار.
ليس غريبًا أن نرى أنَّ مَن عَجزوا عن صعود الجبال كيف يرمون قممها بالحجارة. عجبًا لهذا الزمان، كيف يخرج لنا مدّعي العلم والتعليم وقد أخفى خنجره تحتَ ردائه.
لقد طالعنا اليوم أحدهم بمقال ينتقد فيه جامعة الكفيل؛ لغة أشبه بالتسقيط، وكلماتٍ أفصحت في ظاهرها عن حرص وهو يصوّر حادثة على أنها صاعقة أو ريح هبّت وزلزال يهدد بنيان التعليم في العراق، ومِن ثمّ ألبسها ثوب الوطنية والحرص !!
في البدء لا بد من القول، أنه ليس من قيمي المهنية والأخلاقية أن أهبط إلى مستوى التهريج والتسخيف الإعلامي على حساب المبادئ والقيم التي تربيت ونشأت عليها، لكني أجد نفسي مضطرًا للقول وبصوت ملؤه الثقة، أن الجامعات والمؤسسات الأكاديمية الصاعدة، وعلى قلّتها، لا تحاكمها كلماتٍ خُطَّت بأقلام لا تمتلك الصورة الكاملة، وكُتبت بحِبر الشّكّ وفقدان الدليل، ولغة التّسقيط، فالحَكَمُ العَدل والفيصل هي النتائج التي تفرزها مسيرة تلك الجامعات.
أسمح لي أيها الكاتب بسؤال: ما الذي دعاك لكتابة هذا الأسطر في هذا الوقت تحديدًا؟ ما الذي حرّك قلمك وأثار عزيمتك لتتحدث عن حَدَث مضى عليه أعوام ؟ ما الذي تبغيه لكي تنفخ في رماد لتصنع منها نارًا تحرق ولا تبني ؟
دعني أجيب نيابة عنك، وأعلمُ أنَّ ذلك قد لا يرضيك: إنّ جامعة الكفيل أصبحت رَقمًا صَعبًا، وأنَّ السباق في ميدان الجامعات العراقية قد حُسِم، فالكفيل تتصدّر المشهد بثقة وثبات؛ إنّها لا تنظر إلى الوراء، ولا يوقف مسيرها أصوات المرجفين، ولا يؤخر زحفها المتصيدون بالماء العكر.
لقد شيّدت الكفيل صرحًا علميًا يقوم على أساس الأخلاق، وحددت أهدافًا لا تقف عند حدود العراق، بل ستمضي بكل عزم وثبات لكي تُدرج ضمن المراتب المتقدمة اقليميًا وعالميًا.
هذا الواقع هو الذي دَفَعَ أقلامًا تبحث عن ثغرة هنا أو هناك لعلها، تقوّض البنيان، ولأنَّ الكفيل تعلم أن هذا الصرح قد أرّق نوم الغافلين، فبدؤوا يفتشون عن ذرائع للتجريح، ولأنّهم لم يجدوا شيئًا بادروا إلى تعظيم وتهويل حادثة لا تتعدى كونها خطأً فرديًا لأحد المشاركين في المؤتمر، أعتَرَفَ بهِ شَخصيًا وأُقْصي. والغريب أن جامعة الكفيل وإيمانًا منها بالشفافية، والعمل الأكاديمي القائم على الثوابت والمعايير الوطنية والعالمية، لم تتستّر ولم تُخف ما جرى، بل كتبت وأعلنت. هذه هي سياسية الكفيل، شجاعة المقتدر، بعيدًا عن التضليل والتستر والغشّ والاستعانة بأقلام الأجانب، وإخفاء الأخطاء تحت الرماد.
أيها الأخ، تفضل وزُر الجامعة وسنكون باستقبالك، لترى بأم عينيك نهضة أكاديمية تقوم على أعمدة ثلاثة: العلم أولًا، والأخلاق أساساً، والإنسان هدفًا. هذه أهداف الجامعة، نحملها ونفتخر بها ولا نسلك طريق الخداع، ولا منهج الالتفاف، فمن يعمل وسط النهار لا يستعين بالآخرين، لأن العهد أمانة، والأمانة ليست اضطراراً بل واجباً إلزامياً.
حاولتَ جاهدًا أن تصوّر للقارئ أن قرار دار النشر (AIP Publishing) هو استنكار ورفض مطلق، وهذا تشويه للحقيقة، فالبيان المنشور عن الدار يكشف بوضوحٍ عن أنّه إجراء روتيني احترازيّ، والذي يمتلك خبرة أكاديمية وإحاطة وحضور في المؤتمرات العالمية يعلم أن هذه المسائل كثيرة الحدوث، وحتى في جامعات متقدمة. إلا أن كاتب المقال صوّر القضية وحوّل الأمر إلى مأساة وطنية كبيرة لم يشهدها تاريخ العراق، ونسي بل تناسى أن جامعة الكفيل كانت أول من بادر بإخبار دار النشر ومد يد التعاون وأوضح الأمر لجميع المشاركين في المؤتمر حقيقة ما جرى. وفرق شاسع بين جامعة تحمل القيم والأخلاق وتلتزم بالمعايير الأكاديمية وتشق طريقها رغم المعوقات والصعوبات ومواجهة التحديات والمنعطفات بكل وعي وشجاعة وشفافية، وبين أقلام تبحث عن ثغرات تسعى من خلالها إلى التشويش لتكسب رضا وتصفيق الحاسدين. وأخيرًا أُبشّر الكاتب العزيز، ومن يقف خلفه: لقد أخطأتم التقدير، فجامعة الكفيل أكبر من أن تُقيّم أو تُحاكم بمقال من شخص؛ فواقعها الأكاديمي تكشفه قاعات الدرس والمناهج ذات المعايير العالمية والبنى التحتية والعلاقات الدولية ونتائج الطلاب، وهذا ما يشهد به البعيد قبل القريب.
أن الخُطى الواثقة والثابتة للجامعة تجعلها لا تعير اهتماما للصخب الذي يريد زعزعة العزيمة وإيقاف المسير، وَأنَّا لهم ذلك؛ سنُكمل المسير، وسنواصل مؤتمراتنا الدولية بروحٍ أكثر عزمًا وأشد ثباتًا، وسنمضي قدمًا في نشر البحوث، وسنُخرّج أفواجًا تتلو أفواج من الطلبة ممن يجمعون بين العلم والأخلاق، والفكر والإيمان. خذها مني نصيحة، لن تثنينا ولن تُطفئ فينا العزيمة تلك المقالات، فأهدافنا مرسومة بدقة، ومنهجنا خُطّ بعناية، ورؤيتنا ورسالتنا نستمدها من الله تعالى، وأن راية الكفيل ستبقى ترفرف خفّاقة، مهما اشتدت صعوبة الطريق، فهي راية الوفاء والاخلاص، وستبقى الكفيل عنوانًا للاستقامة، ومثالاً جليًا يكشف بكل صدق أن في العراق صروحًا علمية تخط اسمها بوهج العلم وضياء الحكمة.


التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!