عِنْدَمَا يَكُونُ اَلرَّجُلُ رَجُلاً
د . محمد خضير الانباري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . محمد خضير الانباري

في قولٍ قرأتهُ لأحدِ الأعرابِ مؤخرا، قيلَ لأعرابي: وهوَ في خلافٍ معَ زوجته: ما السبب؟ فقال: " لا أتكلمُ في الأعراضِ " فلما طلقها، أعادوا عليهِ السؤال: ما السبب؟ فأجاب: " لا أتكلمُ في أعراضِ الناس. "
منْ هذا القولِ البسيط، الذي يتجلى بالعظمةِ والخلقِ العظيم، المملوءَ بلحكمْ والعبر، فظاهرهِ البسيط، لكنه عميقا في الجوهر، يعكسَ قمةَ النبلِ الأخلاقيِ والوعيِ الإنساني، عندما تأملتُ فيهِ أكثر، وجدتْ أنهُ يجسدُ قيمةً عظيمة، ويعبرَ عنْ أخلاقٍ رفيعةٍ لا يحملها، إلا منْ تربى على كظمِ الغيظِ وصونِ اللسان، واحترامَ حرمةِ الغير، حتى لوْ كانَ الخلافُ قائما أوْ قدْ انتهى بالفرقة.
عندما يكونُ الرجلُ رجلاً. . . لا يقاسُ بعرضِ كتفيه، ولا بخشونةِ صوته، بلْ يقاسُ باتساعِ قلبه، ونظافةُ ضميره، وثباتهُ على المبدأ. يكون ستارا لا فصاحا، وإنْ اختلفَ معَ منْ أحبَ أوْ فارقِ منْ عاش، بقيَ كريمُ النفس، عفيف اللسان. يحفظَ السر، ويصونَ العرض، ويغفرَ الزلات، ويعذرَ الهفوات، ولا يجعلُ منْ ماضيهِ سلاحا يشهرهُ في وجهِ منْ رحل.
إنَ الخوضَ في أعراضِ الناس، سواءً عبرَ المجالسِ أوْ وسائلِ الإعلامِ أوْ مواقعِ التواصل، لا يقلُ جرم عنْ الشركِ منْ نوعٍ آخر، لأنهُ تجاوزٌ لحدودِ الله، وافتراءٌ على عباده، ونشر للفاحشةِ والفسادِ في المجتمع. منْ يتمعن في آيات القرآنُ الكريم، أوْ يتدبرُ أحاديثَ النبيِ (ص) ، أوْ يتأملُ في سيرةِ أئمةِ أهلِ البيت، لا يمكنُ أنْ يرضى لنفسهِ، أنْ يشاركَ في هذا المسلكِ المنحرف، ولا أنْ يجعلَ منْ عرضِ الناس، موضوعا للنقاشِ والتسليةِ والتشهير.
نرى اليومُ منْ يغذي هذا السلوكِ المنحرفِ والمشين، بلْ ويدعمه، لأهدافٍ سياسيةٍ أوْ انتخابية، فيشوهُ صورة خصومه، بديلاً عنْ تقديمِ رؤى وبرامجَ حقيقيةٍ للناس. يحاولَ أنْ يربحَ الجولةَ لا بالمنطق، بلْ بالفضائحِ والإساءة، وكأنَ السباقُ الانتخابيُ ، أصبحَ ميدانا للطعنِ بأعراضِ الآخرين، لا ميدان للتنافسِ الشريف. وهذا كلهُ يؤدي إلى انحدارٍ في الوعيِ العام، وتكريس لثقافةِ الفضائح، بديلاً عنْ ثقافةِ العملِ والبناء. لذلك، يجبَ أنْ نتوقفَ عنْ ترديدِ الأباطيل، وعنْ ترويجِ ما يضرُ ولا ينفع، وعلينا أنْ نعيدَ للسترِ مكانته، وللأخلاقِ هيبتها. كفى لهذهِ الأفعالِ المشينة، ولنتذكرَ قراننا الكريم، في الحثِ على السترِ والنهيِ عنْ الغيبةِ والطعنِ في الأعراض. كما في قوله- سبحانهُ وتعالى.
( يا أيها الذينَ آمنوا اجتنبوا كثيرا منْ الظنِ أنَ بعضَ الظنِ إثم، ولا تجسسوا ولا يغتابُ بعضكمْ بعضا، أيحبُ أحدكمْ أن يأكلَ لحمَ أخيهِ ميتا فكرهتموه، واتقوا الله، أنَ اللهَ توابٌ رحيم) سورةَ الحجرات- الآية: 12. وكذلكَ في قولهِ سبحانهُ وتعالى: (أنْ الذينَ يحبونَ أنْ تشيعَ الفاحشةُ في الذينَ آمنوا لهمْ عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرة، واللهُ يعلمُ وأنتمْ لا تعلمونَ ) . سورةُ النور، الآية: 19.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat