صفحة الكاتب : فريدة الحسني

خواطر من إعلان
فريدة الحسني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

منذ يومين وأنا أتابع الضجة التي أثارها افتتاح وكالة “كيان” السعودية في العراق. إعلان بسيط، تظهر فيه فتاة بوجه مشرق وابتسامة طفولية وهي تقول بحماس: "أخيراً صار بإمكاني أن أطلب العصير وأنا في السيارة." للوهلة الأولى ابتسمت لفرحتها العفوية، لكن سرعان ما اجتاحني شعور بالغصة. ألهذا الحد أصبح سقف أحلام العراقي؟ أن يتحول طلب كوب عصير من نافذة السيارة إلى منجز يثير الدهشة ويحتفل به!؟

كم هو موجع أن يصبح ما يعتبر في دول أخرى خدمة اعتيادية لا تثير الانتباه، حلماً مبهراً هنا. الأكثر إيلاماً أن طريقة الطلب لم تكن عبر أجهزة حديثة كما هو الحال في دول الخليج، بل عبر موظف عراقي يقف ممسكاً بجهاز لوحي يسجل الطلبات. مشهد صغير لكنه يعكس هشاشة بيئة الاستثمار لدينا، وكأن المستثمر يخشى وضع جهاز إلكتروني في الشارع. هنا تتجلى المفارقة بوضوح، فرح صادق بخدمة بسيطة يقابله واقع مرتبك لا يليق بتاريخ العراق ولا بإمكانات شبابه

لقد أدركت أن افتتاح "كيان" لم يكن حدثاً تجارياً عابراً، بل رسالة عميقة قرأها كل عراقي بطريقته، كان مرآة عكست وجهين متناقضين، وجه الفرح الشعبي الذي يتشبث بأي نسمة تغيير مهما كانت صغيرة ووجه الحزن من محدودية التطلعات حين يصبح أبسط حق في الحياة ترفاً

المؤلم أن العراقي الذي كان يتطلع إلى وطن مزدهر، آمن ومستقر، بات يكتفي بأن يحلم بخدمة عادية كطلب عصير من السيارة. هذا الانحدار في سقف الأحلام ليس دليلاً على رضا، بل على استنزاف طويل على سنوات ثقيلة جعلت الناس يتمسكون بأي لحظة فرح عابرة

ومع ذلك، فإن هذه الغصة التي نشعر بها ليست سوى برهان على أن في الداخل توقاً لما هو أعظم. لو لم يكن العراقي يتطلع إلى أكثر، لما شعر بالخذلان من قلة الإنجاز. نحن نستحق ما هو أبعد من عصير عبر نافذة، نستحق أن تكون أحلامنا بارتفاع دجلة والفرات، وأن يكون سقف طموحاتنا سماءً مفتوحة لا جداراً قصيراً يوقفنا عند حدود خدمة متواضعة.

قد يبدو الفرح اليوم بسيطاً، لكنه يفتح نافذة للتأمل. فالأمل لم يمت، وما زال ممكناً أن نعيد للعراقي حقه الطبيعي في الحلم الكبير. كل ما نحتاجه هو أن نرفع رؤوسنا قليلاً ونصدق أن الفرح الحقيقي ليس بكوب عصير، بل بكرامة تصان، وحرية تحترم، وحياة كريمة يعيشها كل عراقي في وطنه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فريدة الحسني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/10/08



كتابة تعليق لموضوع : خواطر من إعلان
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net