مسرحية الرأس
خيري مزبان
خيري مزبان
( تفتح الستارة على عرش ابن زياد ، يطلع ابن زياد وكأنه ينتظر موعد ...)
ابن زباد :ـ الم ياتي بعد ؟
الحاجب :ـ بعد يا اميري ما زلنا ننتظر
ابن زياد :ـ هل فعلا ما قالوه ؟
الحاجب :ـ لااعلم يا سيدي الامير
ابن زياد :ـ ( يدور حول كرسيه وهو يتحدث مع نفسه ) يا الهي ايمكن ان يغتالوا النصر بهذه السهولة ؟ الاقاويل اخذت منا الكثير ( مع الحاجب ) من يصدق ما يقال ..( مع الحاجب ) أي ذاكرة تلهمها المواقف رغبة الخلق والتهويل
الحاجب :ـ ( باستغراب ) ما الامر ياسيدي الامير ؟
ابن زياد :ـ انت هنا ؟ ماذا تفعل ؟ هل صدقت ما يقال ؟ هم سيفسدون حلاوة النصر .يا الهي تلك حبكة فاسدة تبدعها بعض الادمغة العاطلة ( مع الحاجب ) ايعقل هذا الامر ( بهدوء ) الا تراهم قد تأخروا بعض الشيء
الحاجب :ـ سيأتون سيدي الامير ، من المؤكد انهم سيأتون ، ( بفضول ) لكنهم من هم يا سيدي الامير ؟
ابن زياد :ـ كل شيء قابل للجنون ، وعقل الانسان مهيء لتسطير الغرائب والعجائب ، يسعى بعقله المصلحي لخلق الهاوية ، تهويمات ، ستضيع لنا النصر الذي سعينا له .. سينهي لنا طعم الثأر الذي نلناه على اطراف نينوى
(الحاجب ) يحاول ان يستوعب القضية لكنه يخاف ويتردد ) ما الذي جرى يا سيدي الامير ؟ ( برهة صمت ) ما الامر الذي ازعج سيدي الامير لهذا الحد ؟
ابن زياد :ـ جاءتني الاخبار بفتنة يقال ان ... ان .. ان ( يقطعها ) هي قصة ملفقة تسعى لرفع ثمن الجائزة ، أو قل هي فجوة كبيرة في عقلية اهل الكوفة .. هي تحب بالفطرة وتكره بالفطرة وتكذب بالفطرة تلك هي الكوفة ( برهة صمت ) الم يأتون بعد ؟
اريد من يقف الان امامي يحدثني عن حقيقة المشهد والمروي من الاخبار يصلنا غافيا على جدب الشعور
( مشهد جانبي )
الشمر بن جوشن :ـ النصر لايكفي ، في حرب محسومة النتائج ، لكننا نحتاج الى شيء اكبر ، شيئا يبعد عنا عيب التأريخ ... الفارق العددي بين الجيش ، نريد ان نفرح بالحرب ..بالخيل ... بالغمام .. باليمام ... خشية ان نخسر المعنى ، ولذلك اشرت على ابن سعد لخلق فرجة لن تنساها التواريخ، قررنا ان نسرح بسنابك الخيول ان تدوس اجساد المقتولين ، ثم قررنا ذبح الرؤوس لتكون القدوة في كل التواريخ المرعوبة ، لكن الذي تفاجئنا به ،
حجار بن ابجر :ـ لم تكن فيه ملامح موت كي لااخشاه ، تقدمت اليه كل شيء في هذا الجسد الميت كما ظننت لينهض امامي ـ ينتفض ـ يتوعدني ـ حتى آمنت باني انا المذبوح ،
خولي بن يزيد :ـ نهضت اليه هممت بذبحه لكني رايت فيه نورا لايمكن ان يكون لميت ، سطع بوجهي فارعبني كثيرا ، ياالهي كل اعضائي رجفت لحظتها شمرت السيف وخرجت مخذولا يلوم بي الشمر ويتهمني انا بالخذلان .. والراس حين صحبته الى الكوفة اقسم اني سمعته ينطق
الشمر :ـ ( يصرخ غاضبا ) مالك فت الله عضدك انهض يا سنان
سنان بن انس :ـ عجبت ... كيف ساذبح جبلا .. .. نظرت اليه واذا بي ارى فيه هامة علي انا اعرفه ارتعدت مفاصلي خفت منه فتركت سيفي ونهضت
الشمر بن جوشن :ـ انا له ... الذهب الذي يقبع في جيبي هو ديني والدينار نعيم ، انا من سيذبح هذا الحسين ، نظرت بعينية فرايت نفسي صغيرا جدا لذلك ذبحته من القفا ... لاسلام في حرب امتد جذرها من سقيفة اهلي
ابن زياد :ـ ( يصرخ بغضب ) اين هو ...؟ هل حقا ما يشاع ان راس الحسين كان ينطق ومن على رمحه كان يرتل القرآن ؟ ( باستغراب ) راس مذبوح يتصف بالغرابة ، هذا الذي يشاع
شمر :ـ لاتستغرب .. ياسيدي الامير هذا راس سيد الشهداء 0 (يدخل الراس )
بن زياد :ـ مادمت تبجله لهذا الحد لم ذبحته اذن ؟
الشمر :ـ كي ازرع البذرة في كل الوجود كي اكون قدوة الذباحين في كل مصر وعصر فدون هذه الطقوس البسيطة كسحق الاجساد وقطع الرؤوس لايحلو النصر .. ولذلك كنت اخشى ان لايقوى السيف على الذبح ( مع ابن زياد ) لايستغرب سيدي الامير مع معرفتنا مكانته رميناه بالنار والنبل والرماح
ابن زياد :ـ وكانك توقر ندمك الان امامي
الشمر :ـ :ـ كل محارب له اسبابه في الحرب ، اما انا احارب من اجل ان احارب .. اقتل من اجل القتل
ابن زياد :ـ والنصر ؟
الشمر :ـ غير كاف مع الحسين ، فلذلك ذبحناه بعد القتل ودسناه بسنابك الخيول ، حرقنا الخيام وسبينا النساء من اجل ان نحفظ روح النصر فلهذا لاتستغرب ان جئت لطلب الجائزة ،
ابن زياد :ـ هل حقا نطق راس الحسين ؟
الشمر :ـ يقال ان العروش تكره الصدق وانا لااخفيك اشعر ان العرش بعضي فاعذر ني لو خبرتك الصدق ، كل كرامات الدنيا موجودة عند اهل هذا البيت الذي قتلنا سيده ، بل ذبحناه ورفعنا رأسه على رمح ،
ابن زياد :ـ ماهذا ؟
الشمر :ـ كل كرامات الدنيا تشهد ان حديث الرأس معجزة الحسين .. وانا كنت اتوقع الاكثر من هذا ,, بيت لايحوي الا النجباء والطيبين واهل الشرف والنسب الشريف
ابن زياد :ـ لم قاتلتهم اذن ؟ واي جائزة تريدها بعد ذلك
الشمر :ـ انا لااذبح الا العالي من الرؤوس ، اما رأسي حجر
ابن زياد :ـ هل سمعت حديث الرأس باذنك يا شمر ؟
الشمر بن جوشن :ـ بعد الجائزة لاكلام بحجم الصمت ( يستاذن للخروج )
( يبقى ابن زياد لوحده يقترب نحو الراس ـ بشيء من القلق )
ابن زياد :ـ ( مع نفسه ) في اي لغة يتحدث هذا الرأس المذبوح ، وبين الشك واليقين يكون العقل هو الميزان ( يخاطب الراس الشريف ) لو كنت تمتلك مثل هذه السطوة لأنتصرت ،
صوت الرأس الشريف :ـ لا تغتر بنصر عقيم
ابن زياد :ـ ( ينادي الحاجب ) هل سمعت شيئا ما ، صوتا من الاصوات ، ربما .. كان الصوت زخرف وهم اسستها الاشاعة فينا فصاغت التكوين والا فهل يعقل لرأس مذبوح ان يتحدى عرش امير ( يلتفت نحو الراس ) انا وانت ، انا بكامل عرشي وانت مجرد راس مقطوع ... ( برهة صمت ينظر من خلالها ابن زياد الى الرأس بمتعة وتشفي ) شيء ما يشدني اليك .. ماهو ؟ ماهو؟ ربما هو غيث النصر وخصوبة الفكر .. انا حزنت لك كثيرا لأني فرحت بنصري عليك ،
اين انت من ذلك التفوق الذي تدعيه ( يتحرك صوب العرش ) هذا كرسي الامارة ، هذه الكوفة يا حسين سيف ابيك عجز عن تقويمها وسيفي هو من قوم اعوجاجها انا عبيد الله بن زياد يا حسين
صوت الرأس :ـ عبد الشيطان
ابن زياد :ـ الجسد المثقل في الهم والحرب يستجيب لبعض الاوهام وها انا اسمع روحي فيك ايها الراس هذا هو حال المنتصرين دائما(يهمس في اذن الراس ) لا اخفيك لولا الحروب لكنا في قافلة الانقاض ولولا النصر لكنا رعاة في دول لا تنصف المروءة تساوي العبد بسيده (يذهب الى العرش) هذا العرش هو راسي الوحيد ولهذا انا الذي سأبقى
صوت الراس الشريف:- ميت انت
ابن زياد:- انته الميت(يدور حول المكان بغضب ،ثم يعود للراس للدغه بعصا) الم تموت بعد يا حسين الم تقتل امس ؟ حيرني من قتل من ؟ الم نتخلص منك (يصرخ بالحاجب) ايها الحاجب جهزوا الروؤس الى الشام وخلصوني
( المشهد الثاني )
( طريق دمشق قرب صومعة راهب , راس الامام منصوب على الرماح , صوت رياح , غبار , الجو شبه معتم , جنود يستريحون جلوسا تحت القنا
جندي 1 : ـ عجيب امر هذا الراس , يمتلك سحرا عجيبا , هناك شيئا ما فيه يجعلك تعظمه
جندي 2 : - صرت اشك بانه راس ميت
جندي 1 : - كإن الريح تأتمر بمساراته , هو يسيّرها كما يريد
جندي 2 : - حقا كان الريح مضرجا بدمه
جندي 1: - صرت اشعر بان هذا النصر يتيم , يحتاج الى نصر , بينما الراس المذبوح صرت اراه منتصرا ورغم الذبح احس بنصره , ربما اعجز ان اقرا كل ما فيه من ملامح تصحّي الصحراء ,المدن التي مررنا بها , العطاءات , الماء , الناس , نسير وهذا الراس يعلو على الجميع
جندي 2 : - حماقة هذا النصر تجرنا الى الف سؤال ,انهم مازالوا الى الان يخافون منه , يخافون من راس ميت مذبوح معلق على رمح
جندي 1 : - لماذا يخافونه ؟
جندي 2 : - يخافون قضيته حقيقته التي اراها ستخلد الى قرون
جندي 1 : - صرت اخافه , لكني اثرت ان لا اسرب لك مخاوفي حيث رأيت الراس يتلفت حول السبايا
جندي 2 : - حقا ؟ ..... وبعد ؟
جندي 1 : - مع كل انين طفلة من السبايا ينتفض الراس دما .... يا صاحبي وتفتح العين .... رأيت الدمع ربيعا
جندي 2 : - عجبت لهالة النور التي ما فارقت الراس منذ بدأ المسير
جندي 1 : - راس يمتلك كل هذه المعجزات , كرامات ... اسأل بقلق ؟ .... كيف يا ترى لون الثأر سيكون ؟
( يدخل المشهد الشمر بن جوشن )
الشمر : - ( يخادع نفسه ) اي احمق يدعي بان الراس الساكن على رمحه قد فتح عينيه , هل حقا فتح عينيه ؟ , حدقا بالراس جيدا انه راس ميت
جندي 1 : - انه مفتوح العينين يا سيدي
الشمر : - لو يمتلك ما تدعون لما ذبحوه ( يخرج )
( يدخل الراهب وهو ماسور بمشهد النور )
الراهب : - رأس من هذا وكان الارض تغفو بين جفنيه وتصحو على حضور يزدهي بحماية الاشراف ( مع الجندين ) هل تسمعون مثلي ؟ فالصوت المنساب ؟ هل ترون مثلي ملائكة السماء وهي تحوم حول الراس ترتل نشيد الحزن
جندي 1 : - هذا الراس يسمونه الكنز يعادل مملكة يزيد
الراهب : - رأس من هذا ؟ الذي يملك كل هذا البهاء
جندي 2 : - هو رأس خارجي يدعى الحسين بن علي , قطعنا الراس عنوان لعنفوان المجد
الراهب : - هو راس الحسين بن علي الوصي ؟
الجندي 1 : - نعم هو
الراهب : - هذا راس الحضارة المذبوح بسيوفكم , راس الحقيقة المذبوحة والسلام , هذا راس ابن نبيكم , او تراني اسمع الملائكة يندبون , اي دين يلمكم وانتم عبيد الشهوات ؟ اي تاريخ هذا الذي سترثوه ؟
اترجو امة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب
كتبت قبل ان يبعث نبيكم بخمسمائة عام , والله لو كان للمسيح ولد لاسكناه احداقنا ... هل لكم في شي ؟
الجندي 1 : - ما هو ؟
الراهب : - عشرة الألاف درهم مقابل ان يكون عندي تمام الليلة هذا الراس
جندي 2 : - وماذا تفعل به !
الراهب : - دعوني اعانق اوجاع الراس المقطوع .... دعوه يستكين عند خوافق دمعي
الجندي 1 : - وما الضير
( يدخل صومعته يضع الراس على حجر يغسله ... يعطره )
صوت الراس : - ( ام حسبت ان اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا )
الراهب : - راسك اعجب يا سيدي .... عذرا سيدي انا لا املك الا نفسي لنصرتك .. فاشهد ان لا اله الا الله ,. وان محمدا رسول الله , وان اباك عليا ولي الله ( يحتضن الراس ) ( يبكي ) لا تطلبوا راس الحسين بشرق ارض او بغرب فالراس مثواه بقلبي
( ددم )
( تسلط الانارة على عرش يزيد .... يدخل الشمر مع راس الامام ( عليه السلام )
يزيد : - الارض ستغير ملامحها بعد اليوم , ستحمل اشراقة نصري معنا لكل نصر وهذا الراس المذبوح هو راية من رايات سطوتي ... قوتي ... وقوة عرشي ... سيرث هذا الراس نسلا من المذبوحين من القفا ونحن الذين به اردنا ان لم شعث الامة ( مع الجمهور ) حملوا الراس اليه كي اشمت به وانا سأوغل بالشماتة حتى الكفر , لاني ارى في هذا الراس عليا وفاطمة والحسن ... بل ارى فيهم محمدا ... والدين ... والاسلام ... وخرافة الاخرة ... وانا لا اؤمن بسواي
( يدور فوق الخشبة ) انا كل شي , الوجود برمته , كل ما كان وما يمكن ان يكون ( يتقرب الى الراس ) اتسمعني يا حسين , انا الكل الان , انا الاقوى... انا الاشجع والاصلح والاكبر
صوت الراس : - الله واكبر
يزيد : -( يستغرب حد الجنون ... يرتعب ... يصرخ بالشمر )
شمر... ابعد هذا الراس عني خذه بعيدا بعيدا يا شمر , قبل ان يتعكر صفو النصر وقبل ان ترى الشام معجزة الراس فتصحوا خذه الى كربلاء يا شمر ... ارجعه الى المدينة يا شمر ... انفيه الى ... ( يختفي )
( اظلام , اظلام تام ... بقعت نور تركز على الراس الشريف ...)
صوت الحسين :ـ ايها الناس ادركوا الفتح .. ادركوا الفتح
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat