يرى الناقد (مقداد مسعود) إن الدعاء جنس أدبي ليس حكرا لطرف معين في جهاته النصية، مكتنزة بالمعنى، ومعنى المعنى، وتشجع القارئ النوعي لإنتاج هوية جديدة بعيدة عن التعامل النمطي مع هذه الكنوز)
استشهدت في بداية الأبجدية بناقد مهم لكونه يرى أن الدعاء ليس مغلقا فهو نص منفتح على تعددية القراءات ذات الشحنات الجمالية، تصنيع فردي بشري مرسل إلى الخالق سبحانه وتعالى، واستقواء الضعيف وهو معراج المؤمن.
نجد أن مثل هذا التشخيص فيه عمومية تشمل كل دعاء، ونحن حين نعين القراءة بدعاء البهاء نريد أن نستقبل وحداته ونسعى في جمل النص لنستكشف عذوبته ومبناه، نحن نعرف أن اختيار النموذج الشكلي ضمن مغزى أي خطاب تعززه اعتبارات فنية تتعامل مع أهداف المنطوق، وهو تكريس البعد الجمالي ينظم النص لإجراء توصيل ذات تأثير فعال غرضه تركيز الانتباه على البؤرة الأساسية، لذلك نجد أن الأدعية عموما شكل من أشكال الأدب، وهو أساس قناعتنا ومضمون فني يشير إلى تجسيد القلق البشري الذي هو بحاجة دائمة إلى رب يحميه ويجيبه عند محنته،
ولو أردنا أن نضع سقفا زمنيا وتخطيطا تكوينيا للاحظنا استمرارية الزمن وعدم الوقوف أمام (الآني) وهذه الاستمرارية تعطينا حق قراءة المعادل الموضوعي عن (أسألك) دائما و(أجبني) دائما ونرى الموقف المتكرر (اللهم) 44 مرة و(أسألك) 45 مرة والمحفز الدلالي لهذا الموقف يصور لنا بنية السائل وإرساء قيم بالغة الأهمية لكينونة المؤول، ومقابل هذه القيم الـ 45 يقبع الطلب (أجبني) وهو المركز المرجأ إلى الخاتمة، كما نلاحظ حضور أني في الـ44 مرة والتي تسبق كل سؤال إذ نجد (أن) مخصصة للتوكيد و(الياء) ياء النسب وهي تخصيص أن الداعي يؤكد على السؤال وهي حاجة سيكولوجية منا، أو هو كيان يحتوي كياننا، ومثل هذا الوعي المنتظم يستفز في ذاتنا استكشافا ذاتي عن عالم خارج المكتوب، أيّ ما يعلق في البال بعد القراءة، يعني المعنى الممكن الاحتفاظ به، والذي يشير إليه النص من خلال الصفات (لبنات الموضوع) وهي 45 صفة يشتغل عليها الدعاء مثل (بهائك – جمالك – جلالك – عظمتك) وهكذا فالصفة هنا هي الدال والمدلول هو المفهوم المستحضر بواسطة الكلمة مثلا لنأخذ (اَللّـهُمَّ إنّي أسالك مِنْ بَهائِكَ بِأبْهاهُ وَكُلُّ بَهائِكَ بَهِىٌّ، اَللّـهُمَّ إِنّي أسْاَلُكَ بِبَهائِكَ كُلِّهِ..) فنرى صفة الجمال وهي صفة فسلجية ولكن وضعها هنا لها مدلول استعاري أكبر من الفسلجي؛ لأن المضمون يتجاوز في عمله إلقاء الضوء على المفهوم، بل بالعكس يحاول استغلال المفهوم لصالح المضمون النصي.
مثلا لننظر إلى جملة (اَللّـهُمَّ إنّي أسْاَلُكَ مِنْ بَهائِكَ بِأبْهاهُ وَكُلُّ بَهائِكَ بَهِىٌّ، اَللّـهُمَّ إنّي أسْاَلُكَ بِبَهائِكَ كُلِّهِ..) فنرى البهاء معروف الخاصة ومدرك من قبل الجميع، والكل يؤمن بامتلاك الله سبحانه وتعالى للبهاء، ولا يمكن لايّ نص إضافة شيء عليه، ولكن السحر فدعاء استطاع من خلال اشتقاقات هذه الصفة بناء ثيمة يرتكز عليها كنموذج إبداعي، وحبكة نصية لدعم لغة النص، فالحقيقة الشعرية هنا مستنبطة من الواقع وهو كغيره من الأدعية دائم الرجوع إلى ذات الله سبحانه، ويكون ضمن هذه الأبعاد مزيجا بين الحس والعاطفة والإدراك والمتعة، وهي جزء من تلك الجماليات فالصفات بصائر تعود بالمنفعة إلى كينونة العام أكثر من الخاص.
أيّ أن التركيز عليها مصدر قوة تلهم المتلقي الخشوع وتمنح النص الحياة وخاصة عند غياب الطلب، الرجاء للخاتمة والمهم أن تلك السمات غير خاضعة لزمن معين لأن السمة الإيمانية تمتلك أفقا تاريخيا مفتوحا وتقدر بها أن تحدد البنية المتكاملة على أنها جمعية، فهي ليست قولا منعزلا لشخص ما..
رغم أننا نعرف مرجعية الدعاء وقائله وهو الإمام الباقر (عليه السلام) ممثلا للأمة وهذه البنية هي التي أحالت المنتوج إلى خطاب أدبي تواصلي، والأهم من هذا أن التوسلات وعلى مدى (330) كلمة التي تحتوي المنتوج لم تحسسنا بانكسار معين، بل تحمل التبرير المنطقي العقلاني بوجود قدرة أعلى وتكوين أعمق تمنحنا قوة، والقوة إحساس والإحساس نتيجة تأمل يقيني إيماني فندرك الآن أن من أسباب انهيار العالم صراعه مع العوالم المادية، ومثل هذه الأدعية ستنصر العالم الروحي وتعيد التوازن إلى العالم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat