الشهداء الاتراك في واقعة الطف
حسن محمد حسن
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حسن محمد حسن

الهوية الثقافية وعي ووجدان إنساني قادر على توحيد المواقف لأن الإنتماء إلى الفكر أكبر من الإنتماء إلى اللغة وأكبر من الحدود الجغرافية وباقي التحديدات الأخرى مثل الجنس ،العمر اللون، وواقعة الطف الحسيني وحدت المفاهيم الإنسانية ذات البعد الإيماني برسالة السماء والوجود المقدس؛ لهذا جذبت الواقعة لنصرتها أهل الوعي والدين والوجدان. كانت هي الهوية ،وكان للأتراك حضور ولائي وإخلاص للموقف الوجداني، مشاريع استشهاد وقد ترك لهم الحسين عليه السلام حرية الانصراف عنه وبراءة الذمة لهم ،لوجود الفرق العددي بين أنصار الحسين وجند عمر بن سعد .
تجسد الموت في الطف وصار هوية نالها جميع الأصحاب ومنهم الشهداء الأتراك واضح التركي ،واسلم التركي واسمه حسب المنشور اسلم الرومي،
صحوة الوعي جعلت هؤلاء الشهداء يحملون الحسين هوية انتماء ومؤثر نقاء به يتجدد عهد الدين لله سبحانه ورسوله صلى الله عليه واله وسلم ولأمير المؤمنين عليه السلام
(واضح التركي)
تركي مسلم موالي للامام الحسين عليه السلام ويؤمن بالحق والدفاع عنه بكرامة وعز ، كان واضح غلامًا تركيًا شجاعًا قارئًا للقرآن، مولى للحرث السلماني فجاء مع جنادة بن الحرث للإمام الحسين عليه السلام، وفي صبيحة يوم الطف برز (واضح ) للقتال فقاتل بين يدي الحسين عليه السلام ، وتروي التواريخ أنه استغاث بالحسين لحظة مقتلة ، أنقض عليه الحسين عليه السلام واعتنقه وهو يجود بنفسه فقال من مثلي وابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضع خده على خدي ثم فاضت نفسه الزكية رضوان الله عليه ،هذا المشهد ذكر في أغلب المقاتل، فمن المؤكد أن الشهادة هي أبعد مراحل الإنتماء إلى الحسين عليه السلام وأرى بين ثنايا المشهد أن واضح التركي كان يدرك الشهادة ويعرف حقيقة ما يريد فهو يريد أن يلتحق شهيد بين يدي الحسين عليه السلام وتحقق المراد واستغاثة هذا الفتى الواهب التركي، لم تكن عن خوف وإنما كان يبحث عن أب يعانقه لحظه الوداع وكان الحسين، ولتحقيق الإنتماء الجسدي والمعنوي،
اعتناق الحسين لواضح يبين قمة الحنو الإنساني فتأمل العقل في السنة التضحوية لأنصار الحسين تأخذنا صوب الإنتماء الروحي الذي يشكل وحده معتقدًا ومنهجًا روحيًا وأما الشهيد الثاني فهو أسلم التركي
(اسلم التركي)
غلام تركي من ترك الديلم (منطقة تقع قرب قزوين)، يعرف اللغة العربية وكان كاتبًا وقارئًا للقران، وقف أمام سيدي أبا عبد الله الحسين بخشوع لعرض خدمته
(إني غلام تركي أتقن العربية وأجيد الكتابة، نظر له الحسين سلام الله عليه فقال له جعلتك كاتبًا لبعض حوائجي)
لم يفارق أسلم التركي مولاه أبي عبد الله الحسين عليه السلام فقد التحق به إلى طف كربلاء فاذا كان يوم القتال تقدم هذا الغلام اليافع يرجو من مولاه أن يأذن له بالنزال وقد انحنى يقبل قدمي إمامه الحسين ويقول له أذن لي يا أبا عبد الله بالقتال أجابه سيد شباب أهل الجنة قائلا قد وهبتك لولدي وكأن الحسين سلام الله عليه يضع له الخيار أن يبقى مع علي بن الحسين من بعده ليخدمه فلا يجد نفسه مضطرًا للقتال ، ألا أن أسلم أسرع نحو خيمة علي بن الحسين عليه السلام يستأذنه ،:ــ سيدي استأذنت اباك فوهبني إياك وأنا أسألك أن تأذن لي في البراز إلى مقاتلة هؤلاء القوم فقال له زين العابدين علي بن الحسين وأنا أعتقتك فأنت حر لوجه الله ،خرج أسلم التركي فرح فرحًا شديدًا ، يبحث عن السعادة الكبرى أي شرف ذلك الذي يناله حين يأذن له مولاي الحسين بالقتال دفاعًا عن حرمات الدين ومقدساته فقتل أسلم و اعتنقه ابي عبد الله الحسين وكأنه ابنه ووضع خده الشريف على خد هذا الغلام الغريب ،ماذا يعني أن نقرأ الهوية الفرعية فنقول الشهداء الأتراك، ألا تكفي هوية الشهادة وحدها، هو توضيح بأن التوجه الفكري عندما يكون تضحويًا لهذا العمق المعنوي يذكره التاريخ ويتخلد عبر القرون هو لا يخلد نفسه فقط وإنما يخلد المكان والزمان الذي هو ينتمي إليه فكانوا الأتراك في كربلاء الطف يشيدون الصرح الذي يفتخر به اليوم كل تركي مؤمن.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat