فاعلية الذات وتحصين النفس من اليأس" 2
زينب ال سيف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
زينب ال سيف

تحدّثنا في مقالنا الأول عن عدة أمور، وأوضحنا بدايةً ما هو الهدف الأسمى من وجود الإنسان، وأهميّة فاعلية الذات، ثمّ عرّفنا المراحل الثلاث التي يمرّ بها الإنسان ليُصبح فاعلًا، وعرضنا بعض العوامل التي تطرأ على النفس فتصيبها بداء اليأس
وهُنا سنتناول جملة من الحلول الوقائية للتعامل مع هذه الطوارئ بعقلية سليمة.
العامل الأول/ الرؤية الذاتية المتّزنة
إنّ ما يوهن قوى الإنسان هو الصّراعات الداخلية الناتجة من خلل في التقييم والرؤية الذاتية؛ فأول ركيزة هنا هي تقبل الذات: أي تكوين نظرة واقعيّة متّزنة لإمكاناتها، قوّةً وضعفًا، فلا تضخيم لقدراتها ومبالغة في تقييم محاسنها، ولا تقليل من إمكانيّاتها.
وعلى الجانب الآخر، يجب أن يكون لدينا رؤية ثابتة في التعامل مع ذواتنا؛ وهي ترتكز على عاملين:
أ-لابدّ بدايةً أن نعتقد أنها تمتلك الجدارة الكافية لكونها أوّلًا مختارة من قبل ربّ العالمين لتُمنح الوجود والحياة على هذه الأرض، وثانيًا -وبناءً على الأولى- لقابليّتها اللامحدودة للتطور والتغير والارتقاء في مدارج الكمال.
ب-وآخرًا أنّها ذات مستقلّة، والاستقلالية هنا تعني أنّها لا تحتاج في تطورها وارتقائها بالضرورة لدعم الظروف المحيطة، بل أنّها قادرة -وجديرة- بالارتقاء والتطوّر والتكامل بمواردها ومصادرها وما آتاها الله من قدرات وقابليّات.
وهذا يقودنا إلى نتيجة مهمّة جدًا
وهي أنّ الفرد الواثِق من جدارته واستقلاليّته سيتحمّل مسؤولية ذاته، ولن يسلّم زمام أموره لليأس والإحباط وتقلّبات مشاعره وضعف ظروفه، أي أنّه سيكون قائدًا لا منقادًا
2/ المرونة والاستعداد لتقبّل الواقع
إنّ فهمنا لطبيعة الحياة التي من شأنها التغيّر والتبدّل؛ لكفيل بإكسابنا نوعًا من الحكمة في التعامل مع الأمور وإدارتها حسب طبيعتها، فهناك من الظروف ما هو واردٌ وطبيعيّ، وما هو طارئ ومؤقت، وما هو دائم، وكلّ حدث له أحكامه الخاصة.
فلا يجب أن تقودنا هذه الأحداث السلبية أو نقيضها من الأحداث الإيجابية إلى تبنّي أنماط تفكير عامّة وسطحية وإطلاق أحكام قطعية.
يقول الله جلّ وعلا: "لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا" الطلاق-1
ويقول الله سبحانه وتعالى: "لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتاكم" الحديد - 23
أي لا تستنزف مشاعرك أيّها الإنسان على كلّ حال يعتريك؛ سواءً كان سرورًا أم حزنًا، فذلك شأنٌ مؤقت لا ضمان لبقائه واستمراره، شأنه شأن الدنيا التي هي دارٌ ومستقر له.
وهنا نكتة لطيفة، فإنّ الإنسان لو تأمّل في الطبيعة؛ لرأى أن الماء يتّسم بالمرونة والانسيابيّة التي تسمح له بالتكيّف مع التضاريس المختلفة؛ فلا يصدّه مثلًا حجر بقوته، بل يضفي هو من طبيعته على الحجر فنراه قد تبلّل أو تشقّق أحيانًا مع كثرة مروره عليه.
والحكيم هو من يمرّن عضلاته النفسية والفكرية على التعامل مع الحياة بجميع ظروفها.
وهناك جانب آخر من الآية يُشير إلى أنّ كل حدث له وجهان: الوجه الظاهري، والوجه الباطني
فعلى الإنسان أن يتمهّل في حكمه ويتأمّل، فلا يوجد شرّ محض أو خير محض
3/ التوكل على الله عزّوجل
ورغم أنّ هذا المفهوم قد يبدو واضحًا وجليًّا، بل ومبدأً بديهيًّا لدى المتدينين، إلا أنّ له أبعاده العلميّة والنفسية العميقة
فبعض الناس يبتلي بآفة حبّ السيطرة وذلك ممّا يجرّه للإحباط نتيجة عدم توافق مجريات الحياة مع توقعاته، فلا كلّ ما خطّط له الإنسان أمرّ مسلّم، ولا كلّ ما استبعد هو في الحقيقة مستحيل
وقد يجد أيضًا من الخير مالم يبذل له سببًا!
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإن موسى "ع" ذهب ليقتبس لأهله نارا فانصرف إليهم وهو نبي مرسل)
فيتبيّن لنا أنّ من مصاديق جهل الإنسان وقصور فهمه هو الاعتقاد بأنّه المتحكم والعلة الكاملة لما يحدث.
وواقع الحال أنّه لا يستطيع جلب أو منع خيرٍ كُتب له أو شرّ مهما أمعن في التدقيق وحساب الاحتمالات.
وفي الواقع فإنّ سببًا من أسباب حاجتنا لإلهٍ عظيم قادر هو نقص سيطرة الإنسان؛ فلو انتفى وجود أسبابٍ غيبيّة نرتبط بها حين فشل الأسباب الظاهريّة، ولم نكن نعتقد أن هناك إلها قادرًا على قلب المعادلات وتطويع الأسباب، فلن يبقى هناك أيّ دافع للعمل!
4/ التسلّح بالعلم
إنّ كلّ ما يمتلكه الإنسان تقريبا في هذه الحياة يتأرجح ملكه بين الوجود والعدم، من حيث إمكان تسبّب أي عامل خارجي في فقدانه في أيّ لحظة، من قبيل الممتلكات الماديّة، نعمة الأمان والاستقرار، نعمة الغِنى، نعمة الصحّة والعافية... إلخ
وحين يفقد الإنسان رافدًا من هذه الروافد سيشعر بالتهديد، لذلك يجب أن تكون هناك أصول ثابتة يستند عليها الإنسان، وأهمّها الإيمان والعلم
فالعلم هو سلاح يمتلكه الإنسان، لا يمكن لأيّ قوى خارجية سلبه أو تدميره، والعلم يُكسب الإنسان نوعًا من الحصانة والاستقلالية الذاتية، فهو يساعده على فهم وتحليل المشكلات من مختلف الزوايا وإيجاد حلول مبتكرة.
•تناولنا في هذه المقالة 4 من الجوانب التي تُساعد الإنسان في مسيرته ليواجه العقبات بقلبٍ مطمئن ولبٍّ سليم، وفي الجزء الأخير من هذه السلسلة سنستمرّ بذكر الحلول الوقائية، سائلين المولى عزّوجل التوفيق والتسديد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat