صفحة الكاتب : د . عبد علي سفيح الطائي

شارع المتنبي...طقوس جماعية تبحث عن المعنى
د . عبد علي سفيح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تكتب بغداد سيرتها كل جمعة بالحبر والورق، حيث يتحول شارع المتنبي إلى معبد مفتوح للكلمة.

في قلب بغداد، حيث يتكاثر غبار التاريخ على حجارة الأرصفة القديمة، ينبض شارع المتنبي كأيقونة ثقافية لا يشيخ حضورها. الصورة التي نراها من زحام الناس في شارع المتنبي، ليست مجرد سوق لبيع الكتب، بل مشهد جماعي أشبه بالطقس؛ جموع من الناس تتدفق على الشارع كل جمعة، يحملهم شغف دفين، ويدفعون عطش لا يرويه سوى كتاب، كأنما الكتاب هنا ليس سلعة، بل ماء للحياة.

تلمح الوجوه المنحنية نحو العناوين، والانامل التي تقلب الصفحات بعناية، فتدرك أن الأمر أبعد من مجرد شراء وبيع؛ هو طقس من طقوس الانتماء، حيث يبحث العراقي عن ذاته في الكلمات، وعن خلاصه في اللغة.

أن شارع المتنبي ليس مكانا وحسب، بل حالة جماعية تتجاوز حدود السوق. إنه مسرح مفتوح تمارس فيه المعرفة طقوسها، حيث يتحول فعل القراءة وهو فعل فردي بطبيعته، إلى ممارسة علنية يشارك فيها الجميع. في كل زاوية كتاب مطوي وكأنه مخطوطة مقدسة، وفي كل يد قاريء عابر يتقمص دور الراهب في دير من الورق.

في بلد مثقل بالحروب والانكسارات، يصبح هذا الشارع شاهدا على مقاومة النسيان، وعلى قدرة الثقافة أن تضل خيطا رفيعا يوصل الناس بالحياة. إن ازدحام الأرصفة بالكتب والوجوه المتعطشة يعكس أن العراقي ما زال يرى في المعرفة ملاذا، وفي الكتاب وعدا مؤجلا بمستقبل أفضل.

هنا، تتحول بغداد من مدينة جراحها مفتوحة إلى مدينة تحمل قلبا نابضا بالكتب. وكأن شارع المتنبي يعلن كل جمعة، إن الكتاب هو طقس من الطقوس الذي مازال يجمع العراقيين، طقس لا يؤدي في المعابدة ولا في المساجد، حيث الكلمة هي الإيمان الوحيد الذي لا يخون.

يبقى شارع المتنبي شاهدا على أن العراقي، مهما ضاقت به الحياة، لا يتخلى عن لغته ولا عن الكتاب الذي يربطه بجذور بعيدة وعميقة ويمده بأمل قريب كل جمعة هناك، تكتب سيرة جديدة لبغداد، لا بالدم كما أرادت الحروب، بل بالحبر كما أراد ابناءها. وكأن بغداد تقول للعالم، ما دام الكتاب حاضرا، فإن الذاكرة حية، والهوية مستقرة باقية، والروح قادرة على النهوض من جديد.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد علي سفيح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/09/19



كتابة تعليق لموضوع : شارع المتنبي...طقوس جماعية تبحث عن المعنى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net