الأحلام والامتحانات
عبد الكريم العامري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد الكريم العامري

وقت الامتحانات تدخل الأسرة العراقية في ازدحام الأفكار والطموحات بينها وبين أبنائها والواقع الذي يقدر الحصول على الشهادة، كسمة من سمات المجتمع العراقي، الذي يقدسها، ويعتبرها سلاحاً في وجه الزمن. العائلة تحلم بمواقع الأبناء، الطلاب يحلمون بأنفسهم، أقل الأحلام التمني، وكأن الأسئلة سقطت بأيديهم.
يظل الصراع قائماً كلما اقتربت مواعيد الامتحانات خاصة المصيرية، المتعلقة بالطموحات الكبيرة التي تغير مجرى الحياة، فهل ما يحلم به الطلاب حقيقة واقعة أم هروب، أم مجرد خيالات تضغط نفسها بهذه المناسبة؟
يتضح للباحث في مجال الأحلام أول ما يتضح، إذا قارن بين محتواها والأفكار التي يمكن أن تتضمنها، أن أفكار الحلم قد أجريت عليها عملية تكثيف ضخمة؛ فالحلم شيء ضحل، هزيل، مليء بالثغرات، إذا قُورن بما عليه أفكاره من اتساع وغنى. كتابة الحلم قد تملأ نصف الصفحة، بينما كتابة تحليل الحلم، ورصد الأفكار التي يأتي بها التحليل قد يتطلب أضعاف تلك المساحة. محلل الأحلام في العادة لا يدري بالضبط كم انضغطت أفكار الحلم، وتميل الى تقدير هذه العملية دون الحقيقة.
إن من الضروري أن ننتبه الى استحالة أن نصل في أي حلم الى تفسير كامل، حتى ولو بدا أن التفسير الذي نتوصل إليه تفسير مقنع لا عيب فيه، يظل هناك دائماً احتمال قائم بأن للحلم معنى آخر، بعبارة أكثر تحديداً فإنه فيما يبدو يستحيل تحديد مقدار التكثيف الذى جرى على الحلم.
الذي يريد أو يجتاز امتحانات كامتحانات البكالوريا المتوسطة والإعدادية، أو دبلوم معاهد أو البكالوريوس الجامعية، يمر بنوع من الأحلام النمطية يتميز فيها الحصر، تظل تلاحقه، تلح عليه، تتكرر معه، يرى فيها نفسه وكأنه يمتحن من جديد أو أنه يعيد الدراسة، أو قد فشل في أن يتخرج. قد يكذب نفسه وهو ما يزال نائماً؛ لأنه يعرف أن له سنوات طويلة من الآن حتى يمتهن المهنة التي يمتهنها كطبيب أو محام أو مدرس... الخ.
هذه الأحلام قد تكون مرجعها الطفولة، ليست سوى ذكريات مستعادة لأنواع من العقاب نزل بالحالم في طفولته كجزاء لأعمال سيئة ارتكبها، وترتبط بهذه المناسبات الحرجة من حياة كل منا، عندما نستعرض أعمالنا كأننا في امتحان، قد نطلق على ذلك يوم الحساب أو يوم العسر.
قد تكون مرد هذه الأحلام لمخاوف الطفولة من العقاب، بعد الطفولة لا يكون هناك مدرسون وآباء يتكفلون بعقابنا كلما أخطأنا، إنما تتكفل بذلك الأيام، نتعلم أن لكل شيء سبباً، فكلما أخطأنا لابد أن يكون هناك عقاب ما، وكلما وقفنا موقفاً عسيراً عدنا من جديد إلى ذكريات الامتحانات، وتأتينا الأحلام بها، تصدمنا كلما انتابنا الخوف أننا قد نعاقب بنتيجة تترتب على سوء ما فعلناه خطأ أو عن سوء تقدير، أي كلما استشعرنا وطأة المسؤولية.
إن الحلم يبدو لنا كأنما هو نمط مختلف من التعبير، له رموزه وقواعده، ولكي نفهمه علينا أن نتعلم هذه الرموز وتلك القواعد، بمقارنة هذا النمط بالأصل. نحن بمجرد أن نستخرج ما في الحلم من أفكار نستطيع أن نفهم ما ترمي إليه بلا أعمال فكر، وأما محتوى الحلم، كما هو، ندركه إدراكنا لكتابة مسمارية علينا أن نقوم بترجمة رموزها، رمزاً رمزاً، إلى لغة أفكار الحلم. لا شك أننا نخطئ لو حاولنا أن نقرأ هذه الرموز بحسب دلالاتها المصورة لا بحسب معانيها التي ترمز إليها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat