الحظ... بين الحقيقة والوهم؟
علي حبيب
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي حبيب

يعتقد بعض الناس أن حظّـّه جيد، فيما يعتقد الآخر العكس، وكثيراً ما تتقلّب الآراء بحكم الظروف؛ ولكن كيف تُوزَّع (حصص الحظ) على بني البشر، وعلى أي أساس؟ هل الحظ واقع ام حاجة نفسية أشبه بالوهم؟ وهل هو قوّة غريبة ترتبط مثلاً بمواقع الكواكب والنجوم، فتتلاعب بأحداث حياتنا وتتحكم بها بمزاجية؟ وما هو دور الطموح والمجهود الفردي والمثابرة؟!
يتساءل العالم الكيميائي الفرنسي لويس باستور: (هل لاحظتم يوماً من هم الذين يتعرضون للحوادث الأليمة؟ إن الحظ يفضّل أصحاب العقول المستعدة)، ما يعني أن ما نسمـّيه الحظ الجيد برأيه، يرتبط بالجهوزية الفكرية، فكيف نفهم ذلك؟ ويقول الكاتب اللبناني الكبير ميخائيل نعيمة: (الصدفة والحظ لكسالى العقول)؛ فيما علم (الوعي الانساني) يوضح أن الصدفة والحظ يعبّران عن الاعتباطية في نظام الحياة، في حين أن النظام هذا يعبّر عن منتهى الدقـّة؛ فالمصادفة لا وجود لها في قانون الحياة، ولا الحظ، ولا حتى الموهبة، فكل ما نلقاه من لذة وسعادة، ومن بؤس وشقاء، هو نتيجة سبب ومسبِّب، يستقر في أغوار كل منا! فكل شيء قائم على نظام أدق من أن تتسرب الشعرة اليه.
إن المعرفة لا تطرق باب المدارك إن لم يسعَ المرء بنفسه اليها، والفكر هو وسيلة السعي، والنضج الفكري المضمـّخ بمشاعر الرقـة، هو العمود الفقري لتوازن النفس التي لا تعود تستسلم للحظ، او تقع في متاهاته... ومثل هذا التوازن النفسي القائم على القوة الفكرية هو تقنية حياتية يمكن لأي فرد أن يحققها في حياته، وهذه تـُعرف بالتماهي أو التماثل، أي تخيُّل موقف صعب أو مشكلة عويصة، ومحاولة حلّها فكرياً... فالتدريب على التماهي، يساعد المرء على تخطي التجارب والمواقف الحياتيّة نظرياً، قبل خوضها عملياً على أرض الواقع. وكلما توسَّع المرء من خلال عملية التماهي في تحليل كافة الاحتمالات التي قد تحدث، ثم تعمَّق في التمييز بين المواقف المشابهة، كان وقع الأحداث خفيفاً نسبياً عليه، فتهون عملية احتواء التجربة والتفاعل معها، بدل الانفعال حيالها، تماماً كحال التلميذ المجتهد الذي يعالج المسائل الأكثر صعوبة خلال فترة الدراسة، وعندما يحين الامتحان يجده يسيراً، فلا يكون بذلك الأوفر حظاً، بل الأكثر مثابرة وجهداً بين زملائه.
من التقنيات المهمة الأُخَر، العمل على ازالة السلبيات من النفس، وإدخال الايجابيات مكانها. لعلّ أهم هذه السلبيات يمكن اختصارها في ثلاثيّة (خوف – خجل – تردد)، بحيث إن ازالتها تعني تقوية عنصر المواجهة في النفس، كشرط أساسي لنقل النجاح في التجارب، من حالة فكريّة نظرية الى حيز الواقع تطبيقاً عملياً. أضف إلى أن الفكر المنظـَّم والمنفتح كفيل بتحسين حياة المرء، من خلال تحقيق الراحة والاستقرار، للارتقاء في العمل، وحلّ المشاكل، وتنظيم المتوجبات اليوميّة... فجميعنا نتمنى ونحلم بالراحة والاستقرار والنجاح، ولكن عندما نضع هيكلية فكرية لأحلامنا يستحيل الحلم طموحاً، وعندما نضع مدة زمنيّة محددة لتحقيق ما نطمح إليه، يصبح الطموح خطة عمل ننقلها إلى حيز التطبيق العملي، فتتحوّل أحلامنا إلى أهداف واقعية ممكنة... على هذا المستوى لا يعود مهماً أن ننجح أو نفشل، بل ما نحصده من وعي وخبرة ونضج، ونحن نتحمل مسؤولياتنا الحياتية المختلفة... وفي خضم ذلك، تبقى المثابرة كفيلة بتحسين (حظنا)، الى أن نستدرك أن (الحظ) كما لا يفهمه السواد الأعظم من البشر، هو حليف من يرتفع فوق العقبات، ويجتهد ويكافح في الحياة، بهدف تحسين نفسه والارتقاء بوعيه الفردي.
إن فكرة الحظ تتنافى والمنطق السامي للأمور، فمعاذ أن يعرف نظام الحياة العشوائية، وحاشى للعدل الإلهي أن يكون ظالماً، ففي النظام هناك نتيجة ينطوي وراءها سبب، أو (سبب ومسبـّب) في ضوء مفهوم قانون الفعل وردة الفعل الذي يجيب عن كل تساؤل، ويجلي كل غموض في هذا السياق... هذا القانون هو بإيجاز قانون السبب والنتيجة، قانون الثواب والعقاب، ما يعني أن أعمال الإنسان هي السبب في ما يصيبه من خير أو شر، من سعادة أو شقاء، من صحة أو مرض، وحتى من حظ أو لاحظ!
لا يبدو أن للحظ وجوداً في قاموس الحياة وقانونها، فحتى علوم الرياضيّات وبالتحديد فرعَيْ الاحتمال والإحصاء، تبرهن لنا بالمعادلات العلمية الحسابية، أن نتيجة أحجار النرْد لا تعرف الحظ! فعلوم الرياضيات تشرح بأننا حين نرمي حجريْ نرْد أو أكثر، لعدّة مرّات، تتبع نتيجة الأرقام التي نحصل عليها في كلّ رميّة معادلةً أو نمطاً معيناً يُعرف بمنحنى غوشن (Gaussian Curve)، بالتالي، حتى نتيجة أحجار النرد ليست عشوائية كما يسود الاعتقاد...
كلّ شيء في الطبيعة يسير بحسب نظام لا يعرف الفوضى، بدءاً بحركة الشمس والكواكب، وصولاً الى الفصول الأربعة، ومروراً بنبض الحياة في الكيان الإنساني؛ فلا بد إذن، لأحداث حياتنا أن تسير بموجب نظام التطور في الوجود، ولهدفٍ معيّن يخص كل فرد، كما يخص البشرية ككل، والمفتاح إلى ذلك هو الصدق مع النفس في مواجهة الحقائق في تفاصيل حياتنا اليومية؛ ففهم هذه المعادلة كفيل بتحويل الحياة إلى رحلة ممتعة من البحث والاكتشاف، وإن تخلّلها التحدي الذي لا بدّ منه لشحذ الطموح، وترسيخه في النفس.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat