حوار افتراضي مع الشهيد إسحاق بن مالك الأشتر
بارعة مهدي بديرة
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بارعة مهدي بديرة

لم تكن تلك الحوارات عابرة في حياتي، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ منها، رأسي ودود مع الطف، ويحبّ أهل الطفّ الحسيني، والقلب يعرفهم واحدا واحدا، هذا العالم جميل، وأجمل ما فيه إني اكتشفت أشياء كثيرة قد لا أعرفها من قبل، أعرف مثلاً من هو مالك بن الأشتر (رضوان الله عليه) وأعرف ابنه إبراهيم، لكني لم أسمع وأقرأ يوماً عن إسحاق بن مالك الأشتر
أنا إسحاق بن مالك الأشتر.
- يعني أنك نخعي؟
- أنا نخعي، كهلاني، قحطاني، يمني، مدني، كوفي.
المشكلة فينا، لدينا ضعف في المتابعة والتقصي، فلا نعرف مثلا لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) سوى إبراهيم.
- أنا الابن الثاني لمالك الأشتر، أخي الأكبر إبراهيم، وأنا ولدَيَّ من الأخوة علي ومحمد المؤمن، أنا ولدت عام 11 هـ في المدينة المنورة، أما إبراهيم فولد في اليمن.
- وكربلاء؟
قال لي وفي العين دمعة.
- ولأول مرة في حياتي أعرف معنى الدمع حين يبتسم، أنا شهيد من شهداء الطف، حين قُتل حبيب بن مظاهر الأسدي بان الحزن والانكسار على وجه مولاي الحسين (عليه السلام)، فقال مولاي: «إنا لله وإنا إليه راجعون، وعند الله سبحانه نحتسب أنفسنا، رحمك الله يا حبيب». صرت أغبط حبيبًا لهذه المنزلة الكبيرة التي عمرها في قلب مولاي الحسين (سلام الله عليه) وكلي لهفة إلى الشهادة، ولا بدّ لي أن أقفَ وقفة مشرفة أمام سيدي الحسين (عليه السلام) دفاعا عنه، وعن الدين، ألا يكفي أني ابن مالك الأشتر، القائد الذي رفع رأسنا عاليا، وسقانا حبّ آل أبي طالب (عليهم السلام).
هذا هو الحسين أمامي يقف حزينا، ثم نادى: من يبرز إلى هؤلاء الملعونين؟
قلبي نادى: لبيك قبل لساني، هذه القضية عندي ليست قضية عاطفة، أو مشاعر، إنه واجب فرضت علي تربيتي وتربية أبي وبيتي أن أطيعوا الله في الحسين.
ما يدهشني أن جميع أصحاب مولاي أمير المؤمنين يعرفون ما سيجري في طفّ كربلاء، إنّ الطفّ سكنت أعماقي قبل يوم الطفّ، وعرشت الشهادة مع الحسين بأعماق الروح.
- (قم إليهم يا إسحاق)، هكذا صرت أحفز روحي، قمت إليهم وأنا أرجز.
نفسي فداكم طاعنوا وجالدوا ..... حتى يبان منكم المجاهد
أنا رجل عنده خبرات ومواقف كثيرة، وإيمان كبير، لكني لم أرَ قبل هذا الموقف العجيب في الطفّ، فهناك شيء ما في داخلي تغير، صار أخف وقعا، وأكثر حراكا وقتالا، وقصدت أصحاب الرايات وأنا أطعن في صدورهم، حتى قتلت منهم جماعة، وقفت أستريح قليلاً، وإذا بأصحاب الحسين من جماعتي يحرضوني على الجهاد لما رأوا من شجاعتي وخبرتي، والأعداد التي فشلت في إيقافي.
نعم هذا التحفيز كان له دوره الأكيد ألا أعود إلا شهيداً هذه المرة، هكذا صممت، أنا ابن مالك الأشتر، تعرف التواريخ صموده، كلنا مشاريع استشهاد في سبيل الله والحسين (عليه السلام).
صرخت بأعلى صوتي: اشتقت إلى الجنة، فحملت على القوم فهمت عليهم وأبدت الفرسان، وهرب الشجعان أمامي، فالحسين وحده يكفي ليلهمنا القوة والشجاعة.
قلت: يكاد بعضهم لا يصدق أن فارسا بمفرده يقدر أن يقتل أكثر من خمسمائة فارساً.
- استشهدت أنا في قمة سعادتي، لم أكن أعرف أن الشهادة بهذا الطعم، وبهذا الجمال، يصل بالإنسان لأشدّ غايات الفرح.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat