كتابات في الميزان
كتابات في الميزان

رؤوسٌ وأجسادْ : نص مسرحي

إرشادات للإخراج
يقسم فضاء المسرح إلى ثلاثة أقسام لنحصل على ثلاث مسارح في آن واحد ، والتقسيم يكون كالآتي :-
1:- القسم الأول يكون على ارتفاع مترين ونصف من خشبة المسرح الأصلية ، وعرضه بنفس عرض فتحة المسرح الأصلي ، يبنى بألواح من خشب بناء ًرزين ،ويكون متأخر عن مقدمة المسرح بثلاثة أمتار تقريباُ (*) وتسدل عليه من الأعلى قطعة من القماش الأبيض (سايكوراما) مع وضع جهاز إضاءة (سيل وايت) خلف (السايكوراما) ليتسنى لنا الحصول على (مسرح خيال الظل) والذي يكون خاص بتمثيل الشخصيات السامية ().

(*):-   القياسات المذكورة أعلاه تخص قياسات المسرح الستاندرد ، أما إذا كانت القياسات مختلفة فيجب   
         أن تراعا فيها النسبة والتناسب أثناء عملية البناء والتقسيم للمناطق الثلاث.
():- المقصود بالشخصيات السامية،الأنبياء والأولياء والصالحين.
2:- أما القسم الثاني والقسم الثالث فيقعا تحت مسرح خيال الظل مباشرةً ، حيث تقسم الخشبة إلى قسمين بحاجز من القماش أو النايلون الشفاف،إذ يبدأ القطع من المسرح العلوي (مسرح خيال الظل) إلى الخشبة الأصلية في الأسفل،عندها نحصل على مسرحين الأول في اليمين والآخر في اليسار،ويمكن استخدام هذين المسرحين للتمثيل بكل متغيراته من إضاءة وديكور وكل ما يخص السينوغرافيا ، بحسب ما يتفق ويتوافق مع البيئة المطلوبة في المشاهد ، ونلاحظ إن الفضاء المسرحي تقسم إلى ثلاث مناطق مكوناً ثلاث مسارح في آن واحد وكما هو مبين في الشكل الآتي:-
      (رسم توضيحي للهندسة المعمارية المتبعة في تقسيم المسرح)
المشهد الأول

                            المشهد الأول

الظلام يخيم على المنصة ، في أقصى المسرح وعلى المسرح العلوي خلف السايكوراما توجد خمس إطارات (فريمات) ، الجو العام صاخب بالمطر والرعد ، وكلما تبرق السماء بالرعد نرى الفريمات الخمس من خلف السايكوراما ، ويمكن هنا استخدام الليزر الأخضر مع الرعد والمطر على شكل حزمة كشاف ليلي للدلالة على احتمال وقوع خطرٍ ما ، في هذه الأثناء نرى شخصية الإمام الحسين (ع) يمر مرور متقطع أي كل ما تبرق السماء نراه واقفاً في إحدى تلك الفريمات وهو ينظر إلى الجمهور ويقول حواراً ثم ينتقل للفريم الآخر وهكذا يقول خمس حوارات في خمس فريمات) . 

الإمام(ع):- (في الفريم الثالث أي في الوسط) "من رأى منكم سلطانا جائراً ، مستحلاً لحرمِ الله ، ناكثاً لعهدِ الله ، مخالفاً لسنةِ رسول الله(ص) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بقول ولا بفعل كان حقا على الله أن يدخله مدخله" (1).


(1):- تاريخ الطبري :4/304  ،  الكامل في التاريخ :3/280  .

الإمام(ع):- (في الفريم الرابع) "إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحل الرحمة بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله" (1).

الإمام(ع):- (في الفريم الثاني) "ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين ، بين السلة والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبية ، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام" (2).

الإمام(ع):- (في الفريم الخامس) "فاجمعوا أمركم وشركائكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون" (3) .

الإمام(ع):- (في الفريم الأول) "إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين" .
(1):- إعلام الورى : 1/435  .
(2):- أعيان الشيعة : 1/603  .
(3):- سورة يونس : الآية /10

(وما أن يخرج الإمام من الجهة المقابلة للجهة التي دخل منها ، يسمع صراخ امرأة حاد طويل ومع انتهاء الصراخ ينتهي الرعد ، ثم تمر ثانيتان من الصمت ، نرى بعدهما الفريم الأول الواقع إلى اليمين (أي إلى يسار المتفرجين) وقد أضيء لنلمح من خلاله سيدة منكوشة الشعر تصرخ)....

السيدة:- (في الفريم الأول) ...يزيد....يزيد....يزيد....النجدة يا يزيد. (*)

(فريم آخر يضاء ، امرأة ورجل() يظهران ويختفيان وهما في حالة هياج يائس ، يتحركان بحركات شبه آلية).

السيدة:- (في الفريم الأول)  يزيد .... يا يزيد .... النجدة .... ألا تسمعني يا يزيد؟

المرأة:- (في الفريم الثاني) النجدة ... اسمعونا ... ألا يسمعنا احد ؟
(*):-   شخصية السيدة هنا تعبر عن الدنيا وبهرجتها .
():-  شخصية الرجل والمرأة هما رمزاً لشريحة المجتمع المكون من ذكر وأنثى وتلك الشريحة من            
          صنف المتمسكون بالدنيا وببهرجتها .
السيدة:- (في الفريم الأول) النجدة ....النجدة...يا يزيد.

الرجل:- (في الفريم الثاني) النجدة أبونا سيقتل هوى أنفسنا.
(الفريم الثالث يضاء ، نرى شاب قد أعطى ظهره للجمهور وهو خائف من شيء ما) .

السيدة:- (في الفريم الأول) النجدة ... لا تتركوني يا زنادقة ... يا يزيد ... احضروا السيرجون.

(يدخل السيرجون في المسرح الأسفل من جهة اليمين ويقف قليلاً في منتصف المسرح ثم يخرج من جهة اليسار شرط أن يكون مرتدياً زيه الروماني وحاملاً بيده رداءً عربي وعمامة وسيف وإبريقاً للخمر مع كأسها وعند وقوفهِ في منتصف المسرح يحتسي من ذلك الخمر كأساً).

المرأة:- (في الفريم الثاني) احضروا جميعاً ، أين ابن العاص ؟ ، أين رجالكم ؟ ، أين أتباعكم؟ ، أين أذنابكم ؟ ....

الرجل:- (في الفريم الثاني) يا يزيد إن النعمان رجل ضعيف أو هو يتضعف ، عليك ببن زياد.

(يدخل يزيد راكضا من جهة اليمين ويخرج من جهة اليسار وكأنه يتبع سيرجون ويطلبه ، الفريم الرابع يضاء فيظهر من خلاله شيخ كبير(*) في العمر يرفع بيده وببطء شديد علامة استفهام كبيرة ( ؟ ) ) .

السيدة:- (في الفريم الأول) الحياة يا يزيد ، إني أناديك يا يزيد ، ألا تسمع...؟ ...السلطة يا يزيد....

المرأة:- (في الفريم الثاني) سيوف رماح صولةً نحصل فيها على بعض الأوكسجين قد نتمكن من إعادة الحياة إلى يزيد.

الرجل:- (في الفريم الثاني) أسرعوا هيا اقتلوه تكالبوا عليه والقوا به من أعلى القصر سنحصل على الأوكسجين بقتل ابن عقيل ..... اقتلوه ....

(*):-   شخصية الشيخ الكبير هنا تعبر عن صنف المجتمع الذي انقضى عمره بحثاً عن الحقيقة ولم 
         يتوصل إلى شيء مما يبحث عنه .

(الفريم الثالث يضاء يظهر من خلاله الشاب وهو مدجج بالسلاح)

الشاب :- (في الفريم الثالث) كلا...لا تفعلوا...إنها خيانة....

الرجل:- (في الفريم الثاني) افعلوا ... انه عين الوفاء...

السيدة:- (في الفريم الأول) افعلوا وفاءً ليزيد أميركم...

المرأة:- (في الفريم الثاني) افعلوا ... وفاءً لابن آكلة الأكباد...

(الفريم الرابع ، الشيخ الكبير يخرج من جيبه مسدساً وينظر إليه ، وفي الفريم الثالث تظهر امرأة عجوز بجوار الشاب(*) وتحمل بيديها حبلاً للمشنقة)

العجوز:- (في الفريم الثالث) انه أمراً لابد منه يا ولدي.


(*):-  الشاب هنا تعبير للصنف الذي أراد أن ينصر الإمام (ع) ولم يتمكن بسبب منعه من قبل أمه اقصد 
        المرأة العجوز ، إذ تقيد بأمر الوالدين الذين قتلا بخوفهم عليه مبتغاه .
الشيخ:- (في الفريم الرابع) بل هو أمراً دبر بليل.

العجوز:- (في الفريم الثالث) إن كان بليلٍ أو بغيره ، فلو كان الحكم ليزيد كنا من الرعية ، وان كان الحكم للحسين كنا من الرعية ، ما لنا والدخول بين السلاطين ...

السيدة:- (في الفريم الأول) القتل...القتل...القتل...اقطعوا الرؤوس.

الرجل:- (في الفريم الثاني) نعم القتل لكل من يتبعهم ويواليهم.

السيدة:- (في الفريم الأول) اقتلوهم يا يزيد اقطعوا رؤوسهم.

المرأة:- (في الفريم الثاني) لا تبقوا لأهل هذا البيت من باقية.

(الفريم الخامس يضاء ، فيظهر من خلاله رجلاً(*) آخر)

(*):- شخصية الرجل الثاني هنا تعبر عن الصنف الذي لا يأبه بشيء ولا يهتم بشيء سوى نفسه 
       ومصالحه الدنيوية .
الرجل الثاني:- (في الفريم الخامس) لم نعد نستطيع النوم ، اصمتوا...

السيدة:- (في الفريم الأول) اقتلوهم جميعاً.

الرجل والمرأة:- (في الفريم الثاني) اقتلوهم جميعاً.

الرجل الثاني:- (في الفريم الخامس) سكوت فكروا أيضاً بالآخرين...

(الشيخ الكبير في الفريم الرابع يصوب المسدس إلى رأسه ، والعجوز في الفريم الثالث تلف حبل المشنقة حول عنق ولدها الشاب ، يجب هنا أن تبقى الإضاءة موجودة في الفريم الرابع والثالث معاً أو تدور الأحداث في آن واحد) .

الرجل:- (في الفريم الثاني) هل...قتلته...؟

المرأة:- (في الفريم الثاني) ستقتل...ولدها...؟

السيدة:- (في الفريم الأول) اقتليه...القتل...القتل...اقتليه...اقطعي رأسه.
الرجل الثاني:- (في الفريم الخامس) اصمتوا...أنا عندي عمل في الصباح...اصمتوا.

(في هذه الأثناء تكون الفريمات الخمسة كلها مضاءة ، ومن ثم الشيخ الكبير في الفريم الرابع يطلق النار على رأسه فيسقط ، والعجوز في الفريم الثالث تضيق حبل المشنقة حول عنق ولدها الشاب قليلاً)

الشاب:- (في الفريم الثالث) كلا...لا أريد الحياة ، أريد نصرة الحق...يا ذا الحق إن الناس ينتظرونك ، لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل ثم العجل العجل ، والسلام ...... (تقوم العجوز بشنق ولدها الشاب)

السيدة والرجل والمرأة:- (جميعهم) القتل...القتل...اقطعوا الرؤوس...اسحقوا الأجساد.........

الرجل الثاني:- (في الفريم الخامس) اصمتوا...إنكم تمزقون أذناي...
(تنطفئ الإضاءة في الأعلى ، أي في مسرح خيال الظل ، فيخيم الصمت والظلام لوهلة من الوقت ، بعدها يضاء المسرح السفلي ، أي الخشبة الأصلية فيدخل جنديان احدهم من جهة اليمين والآخر من جهة اليسار حتى يلتقيان في وسط وسط المسرح وينظران الواحد للآخر بنظرة إمعان ، ثم ينظران إلى عمق المسرح ويمشيان معاً وهما واضعان يديهما على آذانهما حتى يصلا آخر نقطة في عمق المسرح فينحنيان قليلاً ، ثم يرجعان إلى وسط المسرح بخيبة الأمل ، وبعدها ينظران إلى مسرح خيال الظل في الأعلى فيضاء ونرى الفريمات الخمسة فارغة تماماً ، ثم يشيران بيديهما وسبابتهما إلى الفريمات في الأعلى ويصفران طويلاً بطول حركة يديهما بالإشارة الواحد للآخر ، وهي إشارة اتهام ، ثم يطلقان صفارة أخرى طويلة مع حركة الأيدي والسبابة باتجاه الجمهور)

الجندي الأول:- ها أنت ذا ، الم تقتل؟

الجندي الثاني:- لست مقاتلاً ، لكنني أدهش لأنني لم اقتل .........

الجندي الأول:- الأمر لا يدعو إلى العجب فان الذين قُتِلُُوا فعلاً ، هم أشخاصٌ حملوا شعلة الحق ، ألا أنهم كانوا يفتقرون إلى الأنصار .

الجندي الثاني:- ما على الشخص الذي ينشد السلامة ، إلا أن يتجنب الخلافات السياسية.

الجندي الأول:- حسناً ، إذا كنت تعمل قائداً في جيشهم  أو مقوداً ، ماذا كنت ستفعل؟

الجندي الثاني:- أستقيل...ثم إنني لست واحدا ً من هؤلاء ...إنني لا المس النقود التي أتقاضاها مرتباً ، اترك للآخرين القيام بالمهام الخطرة ، إنني في مأمن فلم أمس بيدي أي قتيل.

الجندي الأول:- من سوء حظك انك لا تخاطر بحياتك من اجل المحافظة على حياة الآخرين ، في حين إن هناك من يخاطرون بحياتهم من أجلك ، ولكن لا تسرف في السرور والاطمئنان ، فمن الممكن جداً أن نعرف من هو القاتل ومن هو المقتول ، ومن مس بيده القتلى أو من شارك بالقتل ، إذ إن هناك وجوه نضرة بلون الورد ، ثم لا تلبث بعد ساعة واحدة إلا وتراها قد خطفت خوفاً لأمرٍ ما قد أرهقها.

الجندي الثاني:- (يفر هارباً من جهة اليسار) أنا رجل ميت ، أنا رجل ميت....

الجندي الأول:- (يفر هارباً أيضاً من جهة اليمين) أنت رجل ميت وأنا رجل ميت أيضاً...............
(تطفئ الإضاءة في الأسفل ويعقبها إضاءة المسرح في الأعلى فنرى ظل الإمام الحسين (ع) خلف السايكوراما).


الإمام(ع):- "خط الموت على ولد ادم مخط القلادة على جيدِ الفتاة ....لا محيص عن يوم خط بالقلم"(1).
       
 نهاية....


(1):- إحقاق الحق : 11/598 ، كشف الغمة : 2/204  .

المشهد الثاني
في غرفة النوم

خشبة المسرح منقسمة إلى قسمين ، اقصد الخشبة السفلية الأصلية ، بغض النظر عن الخشبة العلوية (مسرح خيال الظل) ، إذ سيقدم هذا المشهد على شكل مشهدان ( أ ، ب ) وسيؤديان في وقتٍ واحد.
في القسم الواقع إلى يسار المتفرجين يوجد باب إلى اليسار وسرير لصق الحاجز الذي يفصل بين القسمين ، إما في القسم الثاني من الخشبة ، يوجد فيه أيضاً سرير لصق الحاجز وباب إلى يمين المتفرجين .
أما بالنسبة للحوارات ، فالحوارات التي تسمع في المشهد ( ب ) فأنها تتعاقب مع الحوارات في المشهد ( أ ) .
المشهد ( أ )  المشهد ( ب )

هذا المشهد يمثل في القسم الواقع إلى  يمين المتفرجين.
(يسمع طرق على الباب ، تنهض الأم الأولى وتبدو فريسة قلق شديد فتسرع لتفتح الباب ، عندها يدخل ابنها) .  
هذا المشهد يمثل في القسم الواقع إلى  يسار المتفرجين.
(يسمع طرق على الباب ، ينهض الابن الثاني بصعوبة شديدة ، يفتح الباب فتدخل الأم وهي قلقة) .

المشهد الثالث
في قاعة المؤتمرات

المشهد الثالث

في قاعة المؤتمرات

(في القسم الواقع إلى يمين المتفرجين ، يظهر عبيد الله بن زياد واقفاً على منصة ومرتدياً حلة سياسية معاصرة ، ويفضل أن تكون بدله سوداء وقميص اسود وربطة عنق حمراء مع قفازين حمراوين ونظارات سوداء ، بالإضافة إلى وجود ثلاث صحفيين جالسين على ثلاث كراسي أمام المنصة).

عبيدالله بن زياد:- إنني أتساءل ، هذا القتل الذي يزعمون انه قتل غامض وخبيث ، أليس هو من صنع أنفسهم ؟ ... من المستفيد من استمرار هذا القتل ؟ ... نحن ؟ ... لا يمكن أن نكون نحن المستفيدين ، ومع هذا فأنهم ينسبون تلك الجرائم إلينا ، إن هذا القتل هو قتل سياسي ........
(يشير إلى الصحفي الأول) نعم أنت...

الصحفي الأول:- إذا كان قتلاً سياسياً كما تدعي ، أليس آنت احد هؤلاء  السياسيين يا عبيد الله ؟...  

بن زياد:- اجل أنا احد السياسيين ، ألا إنني لم أقدم على قتل احد... 
(يشير إلى الصحفي الثاني)  نعم تكلم ...

الصحفي الثاني:- هل لديك إحصاءات دقيقة بعدد القتلى من المواطنين ؟..

بن زياد:- الإحصاءات التي وردتنا هي مائة وتسعون ألفاً ، وربما وصل الرقم الآن إلى مائتي ألف ، لأن هذه الإحصاءات تمت منذ يومين ، هذا فيما يخص القتلى (يشير إلى الصحفي الثالث) نعم قل ما عندك ...
الصحفي الثالث:- انك تخصص بقولك القتلى ، فهل لديك شيء عن الأحياء مثلاً ؟ ...

بن زياد:- اجل ، ستون ألفاً من الأحياء يرقدون داخل منازلهم ، في حين إن مواكب جنائزهم تنتظر أمام الأبواب على أهبة الاستعداد . 
(يشير إلى الصحفي الأول) أنت ما هو سؤالك ...

الصحفي الأول:- كيف تفسر كلامك هذا بطريقة علمية وعملية ؟ ...

بن زياد:- الأمر بسيط جداً ، لاحظ إن كل من يستطيع الخلاص من قبضة القتل ، يجد نفسه تحت رحمتهم ، ففي قبضتهم سيجد يداه ورجلاه مكبلتان بالأغلال ، إنهم صناع الموت ، هل هناك من سؤال آخر ... 
(يشير إلى الصحفي الثاني) هيا تكلم ...

الصحفي الثاني:- انك تتحدث عنهم وعن صناعتهم وكأنك احدهم ، هل أنت كذلك ؟ ...

بن زياد:- لا يهم إن كنت احدهم أم لا ، لكنني اعرف الكثير عنهم ، فهم يصنعون الموت بأشكالٍ شيطانيةٍ جمة ، وكل تلك الأشكال تروق لي وتعجبني جداً ، إنهم يبدعون في ذلك ...
(يشير إلى الصحفي الثالث وقد بان عليه الاستياء من الأسئلة)
هيا أسرع ، تكلم .......

الصحفي الثالث:- هل تستطيع أن تتحدث لنا عن تلك الأشكال الشيطانية التي يصنعونها بقتلهم ؟ ...

بن زياد:- تتحدد صناعتهم للقتل بطريقتين ، الطريقة الأولى وهي الطريقة القديمة والمتمثلة بالسيف ، فبالسيف يقطعون الرؤوس ويحملونها على أطراف الرماح ، وأما الطريقة الثانية فهي الطريقة الحديثة والمتمثلة بتفجير العجلات ، فبالتفجير تتحول الأجساد الجميلة بقوامها إلى أشلاء متناثرة على الطرقات ... 
(وهو يشير إلى الصحفي الأول) لا تكثروا تطفلكم ، اختصروا ...

الصحفي الأول:- كلمة أخيرة توجهها إلى الشعب ، باعتبارك مسئول عن 
الرعية ...

بن زياد:- إن مبدأي واضح جلي ، السلة أو الذلة ، إما أن احكمهم وإما أن اقتلهم ، فهم مخيرون في ذلك ، وانتم من ضمنهم ... (يشير إلى الصحفي الثاني) هيا قل ما عندك بسرعة ...

الصحفي الثاني:- هل لديك وعود مستقبلية ؟ ......

بن زياد:- أنا لا أعدكم باختفاء القتل ، ولكنني أعدكم بأن معناه سوف يتغير ، سنقتل من يهدد سطوتنا ، سنقطع رؤوسهم ، ونجمع أجسادهم  في ملحودة واحدة كبيرة ، ثم نحجب النور عنها .

(يقفون الصحفيون الثلاثة مؤيدين لعبيد الله بن زياد واحداً تلو الآخر)
الصحفي الأول:-  أحسنت يبن زياد ...

الصحفي الثاني:- عظيم ... (للصحفي الثالث) أراك لا تقول شيئاً ، هل أنت معارض ؟ ...

الصحفي الثالث:- (بخوف وتلعثم) كلا ، كلا ، عظيم ، الحكم لعبيد الله بن زياد...

(يضاء المسرح في الأعلى ومن خلف السايكوراما نرى ظل الإمام الحسين (ع))

الإمام(ع):- "لا والله لاأعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولاافر فرار العبيد" (1).

(تطفئ الإضاءة فيخيم الظلام على المسرح كله ، ثم يضاء القسم الواقع إلى يسار المتفرجين ، فنرى عبيد الله بن زياد واقفاً على منصة ، بنفس الأزياء التي كان يرتديها في القسم الواقع إلى اليمين ، مع وجود الصحفيين الثلاثة وهم جالسين على ثلاثة كراسي)

(1):- الإرشاد : 2/98   ،   إعلام الورى : 1/459  .
بن زياد:- (وهو يصطنع الابتسامة على وجهه) أيها المواطنون الأعزاء ، في غمار الكرب الذي نزل بنا يجب أن نفكر في المستقبل ، يجب أن نفكر في الباقين على قيد الحياة ، والباقون على قيد الحياة ليسوا بالضرورة الآخرين ، فالباقون على قيد الحياة يمكن أن نكون نحن أنفسنا......
أني أعدكم بالعدالة الاجتماعية ، في إطارٍ من الحرية ، إننا لا نريد أن نقلب النظم القائمة ، لأننا ندرك ما يمكن أن تؤدي إليه الثورات من كوارث ، يجب علينا جميعاً الإسراع إلى صناديق الاقتراع ، لأننا نريد أن نعمل في جو من الشرعية والديمقراطية ، والآن من لديه سؤال فليتفضل مع الشكر الجزيل والامتنان الطويل أيها السادة الأفاضل ؟ ....
(يرفعون أيديهم فيشير إلى الصحفي الأول) تفضل ، نعم أنت تفضل ...

الصحفي الأول:- لو فرضنا إن قائمتكم فازت في الانتخابات المقبلة ، كيف ستوفقون بين المتناقضات ؟ ...

بن زياد:- أي متناقضات ؟ 

الصحفي الأول:- بعض المتناقضات ، مثلاً كيف ستوفقون بين الدين والسلطة وبين هاتين الاثنتين وتحقيق رغباتكم الشخصية في الوقت ذاته ؟

بن زياد:- لدينا خطتنا لمثل هذه المتناقضات وهي من اثنتي عشر نقطة... 
(يشير إلى الصحفي الثاني) تفضل سيدي ...

الصحفي الثاني:- في حال فوزكم في الانتخابات القادمة يا عبيد الله ، هل في خططكم الموضوعة شيء للمحالين على المعاش ؟ ...

بن زياد:- نعم بكل تأكيد سوف يكرمون . (يشير إلى الصحفي الثالث) ما هو سؤالك يا سيدي ؟ ...

الصحفي الثالث:- ورجال التعليم ، هل لهم شيء في خططكم المرسومة ؟ .
بن زياد:- (بابتسامة صفراء ممزوجة بالكذب) بالطبع سوف يكرمون ، كيف لا وهم دعائم المجتمع و ركيزته الأساسية . (يشير إلى الصحفي الأول) نعم أنت تفضل علي بسؤالك يا سيدي ...

الصحفي الأول:- ما هي سياستكم الحكومية الموضوعة لدعم القطاع الزراعي ؟
بن زياد:- نظراً لوجود مساحة صغيرة من الأراضي الزراعية في بلدنا سوف نتمكن وبسهولة من مساعدة طائفة المزارعين القليلة العدد.
وأنني أعدكم بالسعادة في ظل الرخاء ، في مجتمع يتحسن فيه الاستهلاك ويتمتع بمزايا الفقر من دون إضراره ، السعادة في متناول الجميع... (يشير إلى الصحفي الثاني وهو لازال مبتسماً) أنا أذن صاغيةٌ إليك سيدي تفضل ...

الصحفي الثاني:- عادة تحصل منافسات بين السياسيين ، لنيل مبتغاهم من الأصوات في الانتخابات ، كيف ستثبتون للمواطن إن مشاريعكم ستنفذ فعلاً بعد الانتخابات ، بمعنى كيف سَتَصْدِقونَ بوعودكم مع المواطنين ؟ ...
بن زياد:- ليس على كل منا إلا أن يجتهد .... 
(يشير إلى الصحفي الثالث)  نعم تفضل ...

الصحفي الثالث:- انك تَدّعي الاجتهاد في انجاز المشاريع الخيرة ، ألا انك تقول ما لا تفعل ، وتجتهد في انجاز المشاريع الماجنة ، وقتل الأنفس البريئة ، ولا ترى في أي جو نفسي تعيش أنت ومن معك يبن زياد ...

بن زياد:- أنا ؟ انك متوهم فيما تقول ، أنا متأكد من انك متوهم في ذلك ...
الصحفي الأول:- اجل ، أنت تصطنع لما تقول ألا انك لا زلت مجنوناً بفكرة القتل ...

بن زياد:- ماذا دهاكم يا أبنائي ؟ أنا رجل طيب ومسالم ونزيه ...

الصحفي الثاني:- أنت وأتباعك يا بن مرجانه مصابون بعصاب الوسواس ، وقطع الرؤوس إنكم تشكَلون نظاماً إجرامياً منحلاً ...

الصحفي الثالث:- (يقف هاتفاً) يسقط النظام الإجرامي المنحل ...

الصحفي الأول:- (يقف أيضاً) يسقط المجنون بفكرة القتل ، وقطع الرؤوس ...

الصحفي الثاني:- (يقف أيضاً) يسقط النظام الإجرامي المنحل ...
(جميعهم يهتفون معاً)

بن زياد:- (ينزل من المنصة) سأنسحب ضد رغبتي ، ألا أنني لابد أن انتصر ، وسأجازيكم على ذلك حينما أتولى السلطة ...
(يخرج ابن زياد من جهة اليسار ، فتطفئ الإضاءة في الأسفل في حين يضاء المسرح في الأعلى ومن خلف السايكوراما نرى ظل الإمام الحسين (ع)).

الإمام(ع):- "والله ما تعمدت كذبا منذ علمت إن الله يمقت عليه أهله"(1).
نهاية...

(1):- الإرشاد : 2/98   ،   إعلام الورى : 1/459  .


المشهد الرابع

في القصر

إرشادات للإخراج :- 
هذا المشهد يمثل في القسمين ، ألا أن التمثيل متعاقب ، أي عند انتهاء المشهد الأول في القسم الواقع إلى اليمين يبدأ المشهد الثاني في القسم الواقع إلى اليسار.
هنا الشخصيات (يزيد ويزيد آخر وهند و هند أخرى) يزيد في قسم اليمين ويزيد في قسم اليسار ويكونان في لباس البيت مع إن لباسهما قذر وأنهما ليسا بحليقي الذقن وشعرهما منكوش والاثنين ليسا شابين ، الهنديان في القسمين تكونان شابتين ويميل مظهرهما إلى التزين والتأنق.
البيئة تكون لقصر طغت عليه الرطوبة والرثة والعفونة وفي القسمين من المسرح توضع مرآة مشوهة (مشروخة) في عمق المسرح الواقع إلى اليمين ومثلها في القسم الواقع إلى اليسار ، يبدأ التمثيل في القسم الواقع إلى يمين المتفرجين ، بينما القسم الأخر يكون مظلم ، هند ويزيد جالسان في عمق المسرح على جانبي المرآة المشوهة (المشروخة) هند جالسة إلى يسار المرآة ويزيد جالس إلى يمين المرآة وبيد كل منهما مصباح يدوي (تورج) ويكون جلوسهما بمواجهة الجمهور ورأسيهما بين ساقيهما ، بين الحين والآخر يتقابلان بجسميهما وهما جالسين ويصوبان المصباح اليدوي واحداً بوجه الآخر على أن يكون المصباح مضاءً عند الوجوه ، نلاحظ هنا الإضاءة في المسرح تنطفئ فيبقى ضوء المصباحين اليدويين فقط على وجهيهما لفترة خمسِ ثوان وبعدها يضاء المسرح فيرجعان إلى وضعهما الأول أي بمواجهة الجمهور ورأسيهما بين ساقيهما ، تتكرر هذه الحركات عدة مرات اقلها ثلاثة ، شرط أن توفق هذه الحركات مع الإضاءة وإطفائها في المسرح وفي المرة الأخيرة يصوبان المصباحين نحو المرآة ويبدآن بإضاءة المرآة من الأعلى إلى الأسفل وبالعكس وكأنهما يبحثان عن نملة صغيرة أو ما شاكلة ذلك (يفضل أن يكون لون الإضاءة في المصباحين اليدويين احمر) وبعد هذه العملية يضاء المسرح فيطفئان المصباحين ويعودا إلى جلستهما الأولى مع وضع المصباحين اليدويين على الأرض ، ثم يقفان ويمشيان بشكل متوازي حتى يصلان إلى مقدمة المسرح فينحنيان انحناء الجذع أمام الجمهور وهما ينظران إلى الجمهور بنظرة استغراب واندهاش فيضع كل منهما السبابة والإبهام على انفه وهما لا يزالان في حالة الانحناء ثم يدوران واحداً عكس الآخر أي هند إلى جهة اليمين ويزيد إلى جهة اليسار ثم ينتصبان انتصاب مفاجئ ويرجعان إلى الخلف بخطوات توقعية مع حركة جر الحبل بيديهما حتى يصلا تقريباً إلى وسط وسط المسرح (اقصد وسط المسرح الواقع إلى جهة اليمين) يجلسان على الأرض وينظران إلى بعضيهما فيدوران واحداً عكس الآخر أي يرفضان بعضهما ، وبعد وهلة من الزمن يسمع صوت رعد وعواصف ومطر مع إضاءة برق في المسرح العلوي (مسرح خيال الظل) عندها نرى شخصية الإمام عليه السلام من خلف السايكوراما (فقط ظل الإمام كلما يضاء البرق) عندها يركض يزيد فيضع فوق رأسه مضلة تقيه الصواعق وقد تكون تلك المظلة عبارة عن (دركة) فيرجع ويقف في الوسط وساقيه ترتجفان من الخوف ، إما هند فتبقى في مكانها ألا أنها تقف على ركبتيها وهي تنظر بلهفة إلى ظل الإمام عليه السلام مع رفع يدها اليمنى باتجاه الظل).

الإمام(ع):- (من خلف السايكوراما) "ألا ترون إن الحق لا يعمل به وان الباطل لا يتناهى عنه؟"(1).
 
(تنطفئ الإضاءة في الأعلى ويتلاشى صوت الرعد والصواعق والأمطار حتى ينتهي وتبقى الإضاءة فقط في المسرح الواقع إلى يمين المتفرجين) .

هند:- العالم لطيف وعميق يا يزيد ، والجو جميل في القصر ...

يزيد:- فسدتْ حياتي يا هند ولا اعرف كيف وبأي صورة جرت الأمور .

هند:- كان باستطاعتك أن تكسبها لو انك قاومت هوى نفسك ومرادها ، اقصد وساوس الشيطان الذي بداخلك حتى جعلك لا تجيد الأخذ بزمام أمرك ولا تجرؤ ...

(1):- تاريخ الطبري : 5/403  .
يزيد:- كنتُ أظن إنني ولدتُ لكي أكون حراً وظافراً ، لم أجرؤ على أن أصبح كذلك ، لم أجرؤ قط على الذهاب حتى النهاية ، لم اعرف كيف اتخذ القرار الصائب ...

هند:- لأنك لم ترغب بذلك رغبةً حقيقية ...

يزيد:- لم يعد هناك إلا التعب والملل والخوف الذي لا يزال قائماً والذي بقى وحده منذ البداية ، الحياة لم تعد تعني لي شيئاً ، سوى كابوساً أعيشه بخوفي ، لست ادري كيف استطعتِ أنتِ الحفاظ على جمال الحياة سالماً لمْ يُمَسْ ...

هند:- أنا عرفتُ الحق فأنصفته وأنتَ رأيتَ الحق فقتلتهُ ...

يزيد:- اجل إن كل لحظة بالنسبة لي بالغة الثقل وفارغة في ذات الوقت ، كل شيء مفزع ومخيف إنني اشعر بالملل ، اشعر بالملل في قلب القلق ..

هند:- كيف يمكن أن نشعر بالملل؟ هل تشعر الأشجار بالملل ؟ أنتَ فقط تشعر بالملل بسبب أعمالك المشينة التي تعكس صفحتها السوداء وتتوحد معها ...
يزيد:- تارةً أشكو إلى القصرِ يا هند ، فيشكو القصر إليّ بالضيق ، والجدران تنضح مللاً ، والأبواب حزينة ، حينما تفتح تصيح ، وعندما تغلق تصدر الأنين ...

هند:- النباتات تتفتح في النور يا يزيد وأوراقها لا تذبل أبداً وأنا أداعب بنظراتي كل الوجوه ...

يزيد:- الوجوه تنطوي على نفسها حينما تراني ، وتبرئ مني بنظراتها ، ثم إنني ارفض كل هذه العيون وما عدتُ أرى الرؤوس رؤوساً بل أراها قطعاً من حطب ، وكل شيء اسود ومتسخ ، والحجارة ماثلة هناك ترزح تحت عبء الصمت في سجنها ...

هند:- أنتَ ترى الحجارة كما تراها أنتَ ، أما أنا فأراها بشكلٍ آخر ، أراها وكأن لها وجوه عدة ، وهي مبتسمة ومفعمة بالحياة ...
يزيد:- كل شيء ذابل وأنا ذابل أيضاً ، عمري ألفاً وكذا مئة من السنين ، أمضيتُ حياتي كلها انتظر أن أعيش وللأسف لم اعد انتظر ، لم يعد هناك ما انتظره إلا العدم ...

هند:- إن الذبول الوحيد في قلبي هو أنتَ ، أنتَ جرحي الوحيد الذي ندمتُ عليه ولازلتُ  نادمة ...

يزيد:- بلى أنا جرح بالنسبةِ إليكِ ، ولكنني زوجكِ وما دمتُ على أيةِ حال في حاجةٍ إليكِ ...

هند:- أنتَ في حاجة إليَّ فعلاً ، أما أنا فلستُ في حاجةٍ إليكَ ، بل أنا في حاجةٍ إلى ركنٍ من السماءِ وقليل من النورِ وشيء من الظلِ والدفء ...

يزيد:- ألا تنظرينَ من حولكِ ولو لمرةٍ من اجلي ألا ترينَ بأي حال أنا ..

هند:- أنتَ الذي لا تعرف كيف ترى الأشياء أن نظرتكَ قاصرة دائماً كف عن هذا الحديث ودعنا من الشجار ...

يزيد:- كيف يمكن أن تتقبلي هذا الكرب ، الناس كلهم يشعرون بالخوف من حولي وأنا أتجمد في بؤس خوفي منهم ...

هند:- كنتَ دائماً تشعر بالخوف حتى حينما لم يكن للخوف داعي ، دع الناس لخوفهم فمن هذا الخوف يجب شفائهم ...
يزيد:- اجل لقد كنتُ دائماً قلقاً ، وليس خوف الآخرين بالذات هو الذي يثقل كاهلي فان قلقي وحده يكفيني وأنا اليوم أراه ينعكس في عيون الناس جميعاً فينتشر ويتضاعف ...

هند:- ظلماً وتظليلاً ولامبالاة وأنانية ، غير ذلك لا تستطيع أن تبذلَ الكثير ...

يزيد:- في الماضي كنتُ أكافح حزني وغمي ، كنتُ احملُ في ذاتي منابعَ للبهجةِ والفرح ، كنتُ أضنها لا تنضب ، لقد كان القلق شديداً آنذاك ، ولكن حيويتي كانت أقوى ، من كان يضن أن الشيخوخة ستدركني بهذا الشكل وبهذه السرعة وبقدر ما اهرم أنا يتجدد شبابكِ أنتِ إن الثانية بالنسبةِ لي تدوم عاماً كاملاً والعام ليس أكثر من ثانية بالنسبة إليكِ ...

هند:- أنتَ الوحيد الذي لا افهمه ، ولا آمن مكره ، ولا اتفق مع ما يتفق عليه مع نفسه ، لذلك فأنني أكرهكَ بكل هذا الألم ...

يزيد:- أين نهاية المطاف ؟ إنني في هذا العالم منذ قرون وقرون تأخذني العزة بالإثم فأكابر خطيئتي مع علمي بها وإقبالي عليها وفي ذات الوقت الذي مضى عليه زمناً طويلاً والعبء يزداد ثقله أكثر فأكثر والحياة تزداد ظلمة في عيني ...
هند:- الحياة تخف وطأتها ، ومن الممكن أن تخف وطأتها أكثر ، فلا يعود شيء يثقل كاهلك لو لا ما تشعر به من الم ، فألمك هو عبئك أنتَ وحدك ..

يزيد:- إن وضعنا لا يمكن قبوله ، لم اعد استطع الحياة في هذه البلاد سجيناً ، لم اعد استطع الحياة في قصرنا سجيناً ، إنني ابغضُ القصر ، كل القصور ، إنهم يسجنونا ، لا أريدُ العودة إلى القصر ، ومع ذلك فانا اعرف أني سأعود ...

هند:- ليتكَ عرفتَ ما كنتَ تبحث عنه ، انكَ لم تعرف ذلك أبداً ، كم أتألم بسببك ، أني أكرهك ...

يزيد:- ما تقولينهُ عين الصواب ، لم أكن اعرف ما ابحث عنه ولا زلت كذلك ، بل إنني سأبقى هكذا ، لم اذهب إلا إلى نهاية التعب ، إلى نهاية الأزمان ، لماذا يعبس العالم بوجهي (صمت) ، سأنصرف .
(يخرج وتبقى هي جالسة فتطفئ الإضاءة وبعد فترة قصيرة من الوقت يضاء المسرح الواقع إلى يسار المتفرجين ، فنرى يزيد وهند جالسين في عمق المسرح وعلى جانبي المرآة المشوهة (المشروخة) هند على يمين المرآة ويزيد على يسارها ، وبيد كل منهما مصباح يدوي (تورج) ويكون جلوسهما بمواجهة الجمهور ورأسيهما بين ساقيهما وبين الحين والآخر يتقابلان بجسميهما وهما جالسين ويصوبان المصباح اليدوي واحداً بوجه الآخر على أن يكون المصباح مضاءً عند الوجوه ، نلاحظ هنا الإضاءة في المسرح تنطفئ فيبقى ضوء المصباحين اليدويين فقط على وجهيهما لفترة خمسِ ثوان وبعدها يضاء المسرح فيرجعان إلى وضعهما الأول أي بمواجهة الجمهور ورأسيهما بين ساقيهما ، تتكرر هذه الحركات عدة مرات اقلها ثلاثة شرط أن توفق هذه الحركات مع الإضاءة وإطفائها في المسرح ، وفي المرة الأخيرة يصوبان المصباحين نحو المرآة ويبدآن بإضاءة المرآة من الأعلى إلى الأسفل وبالعكس وكأنهما يبحثان عن نملة صغيرة أو ما شاكلة ذلك (يفضل أن يكون لون الإضاءة في المصباحين اليدويين احمر) وبعد هذه العملية يضاء المسرح فيطفئان المصباحين ويعودا إلى جلستهما الأولى مع وضع المصباحين اليدويين على الأرض ثم يقفان ويمشيان بشكل متوازي حتى يصلان إلى مقدمة المسرح فينحنيان انحناء الجذع أمام الجمهور وهما ينظران إلى الجمهور بنظرة استغراب واندهاش فيضع كل منهما السبابة والإبهام على انفه وهما لا يزالان في حالة الانحناء ثم يدوران واحداً عكس الآخر أي هند إلى جهة اليسار ويزيد إلى جهة اليمين ثم ينتصبان انتصاب مفاجئ ويرجعان إلى الخلف بخطوات توقعية مع حركة جر الحبل بيديهما حتى يصلا تقريبا إلى وسط وسط المسرح (اقصد وسط المسرح الواقع إلى جهة اليسار) فيجلسان على الأرض وينظران إلى بعضيهما فيدوران واحداً عكس الآخر أي يرفضان بعضهما وبعد وهلة من الزمن يسمع صوت رعد وعواصف ومطر مع إضاءة برق في المسرح العلوي (مسرح خيال الظل) عندها نرى شخصية الإمام عليه السلام من خلف السايكوراما (فقط ظل الإمام كلما يضاء البرق) عندها يركض يزيد فيضع فوق رأسه مظلة تقيه الصواعق وقد تكون تلك المظلة عبارة عن (دركة) فيرجع ويقف في الوسط وساقيه ترتجفان من الخوف ، أما هند تبقى في مكانها ألا أنها تقف على ركبتيها وهي تنظر بلهفة إلى ظل الإمام عليه السلام مع رفع يدها اليسرى باتجاه الظل).

الإمام(ع):- (خلف السايكوراما) "ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين" .

(تنطفئ الإضاءة في الأعلى ويتلاشى صوت الرعد والصواعق والأمطار حتى ينتهي وتبقى الإضاءة فقط في المسرح الواقع إلى يسار المتفرجين) .

يزيد:- أنا لا أعارضكِ عن قصد عندما تقولين أشياء غير حقيقية فأني لا استطيع أن اقبلها ، إني عاشقٌ للحقيقية .

هند:- أي حقيقة ؟ ما دمتُ أقول لك ليس هناك من فارق ، هذه هي الحقيقة ، ليس هناك من فارق ، قطع الرؤوس وتفجير الأجساد هما شيء واحد .

يزيد:- أبداً إنهما ليسا شيئاً واحداً على الإطلاق ...

هند:- يا لكَ من مظلل وقح بغيض ...

يزيد:- لا تشتميني واسمعيني على الأقل اسمعيني ...

هند:- ماذا تريد أن اسمع ؟ فمنذ ألف وأربعمائة عام وأنا استمع إليك ، ألفاً وأربعمائة عام مضت منذ أن انتزعتني بجبروتكَ وظلمكَ من والدي ، من إخوتي ، من بيتي .

يزيد:- ولكن هذا لا علاقة له بالموضوع ...

هند:- أيَّ موضوع ؟

يزيد:- الموضوع الذي نناقشه ...

هند:- لقد انتهى لم تعد هناك مواضيع ، قطع الرؤوس وتفجير الأجساد هما شيئاً واحداً ...
يزيد:- كلا إنهما ليسا شيئاً واحداً ...

هند:- بلى إنهما شيئاً واحداً ...

يزيد:- الناس كلهم سوف يؤكدون لكِ ذلك ...

هند:- أي أناس ؟ السيف أليس هو من يقطع الرأس ويفصله عن الجسد ؟ اجب ...

يزيد:-  وبعد ....

هند:- السيف ، ألا يختبئ داخل قشرة غمده ؟ ...

يزيد:- نعم وبعد ...

هند:- والتفجير ، ألا يكون مخبوءاً تحت قشر العجلات ؟ ...

يزيد:- اها وبعد ...

هند:- أليسا السيف والتفجير شيئاً واحداً ؟ ...

يزيد:- نعم وبعد ...

هند:- وبعد ماذا ، ها أنتَ ترى أني أبرهن لك على ما أقول ، ألا يقول الناس قتل بسيف أو قتل بتفجير غادر وجبان ؟ ...

يزيد:- ليس ذلك بالضبط ...

هند:- ليس بالضبط ماذا ؟ هل تقصد إن السيف لا يقتل الجموع ؟ 

يزيد:-  بلى ...

هند:- إذاً فكما ترى انه والتفجير شيء واحد .

يزيد:- كلا ...

هند:- أيها اللعين فسر لماذا ؟

يزيد:- لأن ما تقولينه حماقات فالسيف أو التفجير هما جزءاً من السلطة ، والسلطة بلا سطوة السيف أو عصف التفجير لا يمكن أن تكون ........

هند:- (تقاطعه صارخة) كفى اسكت لا تتفوه بما يعمي البصيرة ، من أحقاد وحماقات ، لا أريدُ بعد ذلك أن اسمع هذا التخريف ، أين إذاً مخافة الله من رأس الحكمة التي تدعيها يا يزيد ؟ ...

يزيد:- ولا أنا أيضاً ...... لا أريدُ أن أسمعكِ بعد الآن ...
(صوت دوي انفجار)
هند:- يا ويلي ، يا ويلي ، قبل ساعة واحدة أو قبل ما يقارب سبعة أيام ، أي في الخميس الماضي ، انتُشِلَتْ من النهرِ مائة جثة بلا رؤوس ، قطعت رؤوسهم ضربت أعناقهم فتحولوا إلى سائلٍ مع جريان النهر ، يا يزيد انك لن تصبوا إلي ولو لمرةٍ واحدة ، أنا وأنت يا يزيد لن نتفق أبداً ...

يزيد:- كيف يمكن أن نتفق لن نتفق أبداً ، (صمت لوهلة من الوقت) ، اسمعي كان يجب أن تدركِ ذلك منذ زمن بعيد ...

هند:- لقد أدركتُ ذلك منذ أول يوم كان الوقت فيه قد فات ، كان من المفروض أن أدرك ذلك قبل أن أعرفك يا يزيد ، فمنذ اليوم الأول أدركتُ إننا لن نتفق أبداً (صمت) .
-  انك تزعم انك قادر على كل شيء ولم تعي إن رأيكَ فند ونهايتك مخزية أمام الله وما وعد ...

يزيد:- إنني قادر على كل شيء وسأفعل أي شيء حتى احصل على كل شيء ، فنهايتي سيان عندي بهذه أو بتلك سيبقى وجهي قبيح وأنا اعرف ذلك ، أما أنا وأنتِ فمنذ مئات السنين ونحن نتخاصم .

هند:- إنني اشعرُ بخوفٍ شديد .

يزيد:- إما أنا فاشعر بأمان شديد ...

هند:- وكما ترى فنحن لا نتفق ، إننا لا نتفق أبداً .

يزيد:- سأفتح النافذة ...(يحاول فتح النافذة) ...

هند:- (تحاول منعه من فتح النافذة) تريد أن أتجمد من الخوف ؟ أتريد قتلي ؟

يزيد:- أنا لا أريد قتلك إنما أريد قليلاً من الهواء ...

هند:- عندما اشعر بالأمان فانك تمنعني من فتح النافذة ...

يزيد:- تشعري بالأمان عندما اشعر أنا بالخوف وتشعري بالخوف عندما اشعر أنا بالأمان ، إننا لا نشعر بالخوف أو بالأمان أبداً في وقت واحد ...

هند:- إننا لا نشعر بالأمان أو بالخوف في وقت واحد ...

يزيد:- كلا إننا لا نشعر بالخوف أو بالأمان في وقت واحد ...

هند:- ذلك لأنك لستَ رجلاً كالآخرين ...

يزيد:- أنا ، لستُ رجلاً كالآخرين ؟ .

هند:- كلا انكَ لسوءِ الحظ لستَ رجلاً كالآخرين ...

يزيد:- كلا ؟ إنني لستُ رجلاً كالآخرين ؟ لحسن الحظ ؟

هند:- لسوء الحظ (صمت قليل) انك تتصور نفسك أذكى من الآخرين ، أنا أيضاً كنتُ اعتقدُ ذلك في يوم ٍ كنتُ فيه مجنونة (صمت) ليسَ هذا صحيحاً لقد تظاهرتُ بتصديقكَ لأنكَ غررتني أيها المظلل ...

يزيد:- لا تهينيني كفي عن وصفي بالمظلل ألا تخجلين ؟ ...

هند:- أنا لا أهينكَ ولكنني اكشفُ عنكَ النقاب ...

يزيد:- لن أقول شيئاً بعد الآن لن افعل شيئاً بعد الآن ستقولين دائماً إن هذا يضايقك ِ إني اعرف تماماً ما يجول براسك ِ ...

هند:- برأسي ؟ وما الذي يجول برأسي ؟ ...
يزيد:- يجول برأسكِ ما يجول برأسكِ ...

هند:- تلميحاتٌ خبيثة ...

يزيد:- فيمَ هي خبيثة تلك التلميحات ؟ ...

هند:- إن كل تلميحاتكَ خبيثة ، مثلها مثل نفسك الآثمة الميالة إلى ارتكاب الموبقات والذنوب ...

يزيد:- أولاً هذه ليست تلميحات ...

هند:- (تقاطعه) بلى ، أنها تلميحات ...

يزيد:- كلا ...

هند:- بلى ...
يزيد:- كلا ...
هند:- بلى ...

يزيد:- كلا ...

هند:- بلى ... إذاً ماذا تكون إن لم تكن تلميحات ؟ ...

يزيد:- لكي نعرف ماذا تكون يجب أولاً أن نُعّرفْ التلميحات ، إني أطالبُ بتعريف دقيق وعلمي للتلميحات ...

هند:- (مع نفسها) يا الهي إن هذا كله لا ينفع لقد وقعت بين نارين (ليزيد) أيها الخبيث إن تفكيرك خبيث أيضاً كنفسك المريضة (صمت وكأنها تستدرك) كيف استطعت أن تُسكنني في هذا القصر الهالك الذي يفصل بين حي وحي آخر ؟ .

يزيد:- أنتِ التي أردتِ العيش في هذا القصر ...

هند:- انكَ تكذب وتدّعي ما قلت ، لم أكن ارغب بالعيش معك ولا بهذا القصر الآيل إلى الهلاك منذ البداية ...
يزيد:- انك ِ عديمة الذاكرة أو تفعلين هذا عمداً لقد اخترت أنت ِ هذا القصر كنت ِ تقولين انه سيغير من أحوالك ...

هند:- لقد أجبرتني على العيش معكَ ها هنا وأنا لم أكن ارغب بشيءٍ مما تقول ...

يزيد:- وهذا هو السبب ...

هند:- أنا لم أقحم نفسي بجرائمكَ ...

يزيد:- وهذا هو السبب ، قلت لك هذا هو السبب ...

هند:- وإذا كنت قد أقحمت نفسي معكَ لكنتَ ستقتلني أيضاً ...

يزيد:- لا فارق عندي فكلانا الآن ميتين ...

هند:- إن في هذا عزاءٌ لنا ...

يزيد:- اجل فيه لنا عزاء وحسرة ، بينما هم الآن يصعدون ...

هند:- لقد كسبوا ...

يزيد:- من الذين كسبوا ؟ ...

هند:- الذين لم يخسروا ...

يزيد:- والذين خسروا ؟ ...

هند:- لم يكسبوا ...

يزيد:- (يضحك باستهزاء) يا للذكاء كنتُ اعلم دائماً إن لديك ِمنطقاً ، وماذا يفعلون أولئك الذين لم يكسبوا ؟ ...

هند:- يموتون بغيضهم من شدة البكاء ...

يزيد:- ولماذا يبكون ؟ ...

هند:- يشعرون بالذنب ، كانوا مخطئين ...

يزيد:- ولماذا كانوا مخطئين ؟ ...

هند:- لأنهم لم يكسبوا ...

يزيد:- (بغضب) والذين كسبوا ؟ ...

هند:- كانوا محقين ...

يزيد:- (بانهيار) كيف السبيل إلى إصلاح القصر ؟ ...

هند:- إني اسألُ نفسي كيف الخلاص من هذه الورطة ...

يزيد:- عليك ِ أنتِ أن تخرجي من هذه الورطة ...
هند:- (صمت قليل ، ثم تبتسم) سأنصرفْ ...
(تخرج من الباب الواقع إلى يسار المتفرجين ، فيضاء القسم الواقع إلى اليمين ، عندها نرى هند الأولى جالسة في ذلك القسم في اليمين مع بقاء يزيد الثاني جالساً في القسم الثاني في اليسار ، وبعد عشرِ ثوانِ من الزمن نلاحظ دخول يزيد الأول على يزيد الثاني الجالس في اليسار وهو يحمل بيده إبريقاً وكأساً للخمر فيجلس أمامه ويحتسي الخمر ) .

يزيد الأول :- لن استطيع العيش في الخارج أيضاً ، إنني اخرجُ لكي أعود ، وأعودُ لكي اخرج فكل مرة خرجتُ فيها لم تكن إلا لكي أعود وكل عودة كانت عودة إلى البؤس كنت ارتد إلى نفسي البائسة ، دائماً هكذا كانت حالي دائماً ...

يزيد الثاني:- (يتقدم زاحفاً على ركبتيه وهو يلهث كالكلب ليحتسي الخمر مع وجهه الآخر يزيد الأول) .
-  نعم وعلى أيةِ حال كان هناك غدو ورواح أما أنا فأشعر بأن ساقيَّ تتحطمان وذراعيَّ تهويان ، إني اسقط ... (يجمدان بمكانيهما) .

(في هذه الأثناء نرى دخول هند الثانية على هند الأولى الجالسة في القسم الواقع إلى اليمين،فتتقدمان إلى مقدمة المسرح وتنظران إلى يزيد الأول ويزيد الثاني)
هند الثانية:- كانا فاحشي الثراء ...

هند الأولى:- لقد تناولا كفايتهما من الشراب ...

هند الثانية:- بل أسرفا في الشراب ...

هند الأولى:- لم يكونا لطيفين ...

هند الثانية:- كانا في سعةٍ من العيش ...

هند الأولى:- لم يكونا يفكرا في الفقراء ...

هند الثانية:- كانا من أبناءِ العمومة بالنسبةِ لهم ...

هند الأولى:- نعم ، ألا إنهما ، قطعا ، صلة الرحم ... 

(يضاء المسرح في الأعلى ومن خلف السايكوراما يظهر ظل الإمام (ع))


الإمام(ع):- "أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب"
                                                                                                    


 نهاية ...

المشهد الخامس
في سوق المدينة

إرشادات للإخراج:-
تدور أحداث هذا المشهد في مدينة غير معلومة يسودها شيء من الخراب والدمار والغرابة وبدل الممثلين هنا نستخدم الدمى (المانيكان) فننشرهم على المسرح الواقع إلى يسار المتفرجين ، وهم كلٌ مشغول بشيء ألا أن وجوههم مصوبة نحو الجمهور وهي جامدة ويعلو عليها طابع الدهشة ، أو تتركز نظرات الدمى على المكان الذي تجري فيه أحداث المسرحية .
ويوجد أيضاً في أقصى اليسار آلة كبيرة لمزج وعجن الدقيق (عجانه) كالتي تستخدم في المخابز وفي أفران الصمون ، ويكون "يزيد" جالساً بتلك ألعجانه ، وهو يرتدي زي أفغاني وبقربهِ يقف "السيرجون"(*) بزيه الروماني كما نلاحظ وجود شخصية رجل مفكر يرتدي نظارات طبية وملابسه رثة وشعره غير مصفف بطريقة جيدة وهو محاط بأعداد كبيرة من الكتب المختلفة ويكون جالس بوسط تلك الكتب وهو غارق بقراءة احدها ، وغير مكترث بالأحداث التي تجري حوله .

(*):- السيرجون هو مستشار معاوية وأصبح مستشاراً ليزيد ، أصله روماني من الدولة              
       البيزنطية ، وهو الذي أشار على يزيد بقتل الإمام الحسين عليه السلام .
تجري أحداث المسرحية في القسم الأيسر ومن ثم تنتقل الأحداث إلى القسم الجالس فيه المفكر أي في جهة اليمين ، حتى تنتهي النهايات وتؤول إليه الأحداث وهو غارق بقراءته فلا يأبه بشيءٍ من ذلك.
يبدأ المشهد بجوٍ فيه شيء من الضباب المثار بالإضاءة المظللة باللون الأزرق والليزر الأحمر المتعاكس من الجانبين والذي ينبعث من خلف الكواليس فينعكس عند سقوطهِ على مرآة في المسرح على أن تكون المرآة ثابتة أو معلقة (يكون أفضل لو كانت معلقة وحرة الحركة فتعكس أشعة الليزر بين لحظة وأخرى كلما انعكست بوجهها لليزر) مع وضع بعض المرايا على المسرح بيد المانيكان والتي تعكس الليزر أيضاً .
يبدأ هذا المشهد بظلام تام ومن ثم يضاء شيئا فشيئا لفترة قصيرة ما عدا الليزر حيث يكون مضاءً حتى في الظلام ثم يتراجع الضوء فيخفت شيئا فشيئا مع بقاء الليزر أيضاً ، عندها يضاء المسرح العلوي بجهاز السيل وايت فنرى من خلف السايكوراما ظل لشخص الإمام الحسين (ع) يدخل من جهة اليمين ببطءٍ شديد ويقف بوسط بقعة الضوء في الوسط لوهلة من الوقت ومن ثم يكمل مسيره ليخرج من جهة اليسار ، هنا تتعاقب مع إطفاء الإضاءة في المسرح العلوي فتح الإضاءة في المسرح السفلي شرط أن يكون هذا التعاقب في الإطفاء والإضاءة تعاقباً تكنيكياً باتزان وتوافق .
يكون اغلب تمثيل الشخصيات في مقدمة المسرح إلا المفكر يكون في المسرح الواقع إلى اليمين ، أما المسرح الواقع إلى اليسار فيكون فيه ألعجانه ويزيد جالساً بداخلها وسيرجون بقربه وهو يعمل بتلك الآلة(ألعجانه) ليعجن ويصنع يزيد كما يشاء بالإضافة إلى المانيكان يكون مكانها أيضاً في اليسار .
(شابتان تدخلان من ناحية اليمين وتكونا حاملتان بيديهن سلالٍ للتبضع) .

الشابة الأولى:- ذوي البشر سيصعدون للقمر بل وأعلى من ذلك .

الشابة الثانية:- سيحتاجون إلى سلم طويل أطول بكثير من سلم الإطفاء .
الشابة الأولى:- هذا صحيح لكنها مخاطرة ، فكم يوماً يستغرق الصعود بالسلالم ؟

الشابة الثانية:- لا اعتقد أنهم يستطيعون فسوف تتقطع أنفاسهم من شدة التعب .

الشابة الأولى:- بلى إنهم يستطيعون .

الشابة الثانية:- لمَ العناد أخبرتكِ بأنهم لا يستطيعون .

الشابة الأولى:- بل بلى باستطاعتهم ذلك ...

الشابة الثانية:- كيف يستطيعون ذلك ؟ آتيني ببرهان أو دليل عقلي .

الشابة الأولى:- سيذهبون إليه من دون سلالم ...

الشابة الثانية:- من دون سلالم ؟ إذاً كيف سيصعدون ؟ ...

 الشابة الأولى:- سيصعدون إليه فوق القنابل ، يركبون عليها ، يمتطون الصهوة التي تعلو القنبلة ...

(في هذه الأثناء تدخل امرأتين عجوزين ، فتسمعان حديث الشابتين)

العجوز الأولى:- لو حدث هذا لماتوا ، فسيتعرضون لرياح هائلة وخوف هائل ...

العجوز الثانية:- اجل سيموتون لو تحقق ذلك لهم ، ستفصل رؤوسهم عن الأجساد كما يفصل المكوك في الفضاء ...

العجوز الأولى:- أراكِ تتحدثين عن يقينٍ علمي ، من أين لكِ كل هذه المعلومات ؟.

العجوز الثانية:- إنها المخيلة ، ففي مخيلتي أرى أشياءً أخرى كثيرة ومقززة أيضاً ...

العجوز الأولى:- مقززة ، مثل ماذا ؟ .

العجوز الثانية:- إني أرى أجساداً تمشي بلا رؤوس ورؤوساً تأكل بلا أجساد ... وغير ذلك كثير ... 
( تنظر فترى رجلان يدخلان من جهة اليسار ، احدهما يدفع عربة فيها طفل صغير ، فتتضجر ويبدو عليها الاستياء من ذلك الرجل)
-  (للعجوز الأولى) ما الذي أتى به إلى هذا المكان ؟ .
 
العجوز الأولى:- من يكن هذا الرجل ؟ ولمَ أنتِ مستاءة منه إلى هذه الدرجة ؟ .

العجوز الثانية:- انه صهري ، ألا أن مخيلتي تخيفني منه دائماً ومن دونِ أي سبب يذكر ...
(تذهبان إلى جهة اليمين حتى تكونا جزءاً من الدمى "المانيكان" ، يدخلان الرجل الأول والرجل الثاني ، الأول بيده عربة وفيها طفل والثاني يحمل بيده مكنسة يدوية من الخوص "مقشة" وهو لازال يعمل بها فهي غير كاملة الصنع)

الرجل الأول:- (للرجل الثاني) يوم الجمعة أنا الذي يقوم بدفع عربة الأطفال الصغيرة وزوجتي تقوم بأعمال المنزل الكبيرة ...

الرجل الثاني:- أما أنا فالعكس ، إذ أقومُ أنا بأعمال المنزل بينما تقوم هي بدفع العربة ...

(في هذه الأثناء يدخلان شابان من جهة اليسار أيضاً وهنا كل شخصين على المسرح نراهما يتكلمان فيما بينهما لكن من دون أي صوت ما عدا الشخصيتان التي لديهما حوار تسمع أصواتهما) .

الشاب الأول:- (للشاب الثاني) لم يكن الأمر على ما يرام وكأنني في دوامة لم افهم من الأمر شيءً كنت مضطرباً وخائفاً لا استطيع أن أظلُ راقداً ، وليس بمقدوري السير كما إنني لا استطيع البقاء في مكاني ...

الشاب الثاني:- كان لديك حلاً ، ألا انه ليس حلاً لطيفاً لكنه الحل الوحيد ...
الشاب الأول:- وما هو ذلك الحل ؟ ...

الشاب الثاني:- كان من الممكن جداً أن تقتل ، فيقطعوا راسك ويفصلونه عن جسدك فينتهي أمرك ويحل كل شيء ...

الشاب الأول:- انه حلٌ خطير ...

الشاب الثاني:- اجل انه خطير جداً ، لكنه الأفضل ، أما أنا فقد كان الأمر معي أشد سوءً من ذلك ...

الشاب الأول:- اشد سوءً من القتل ؟ وفصل الرأس عن الجسد ؟ ما هي وحدة القياس مع القتل في ذلك ؟ ...

الشاب الثاني:- اجل اشد سوءً ، فالاكتئاب حوّل العالم كله إلى كوكب بعيد ومغلق لا يمكن اختراقه ، كنت محبوساً ولكني محبوساً في الخارج .

الشاب الأول:- ربما كان من الأفضل أن نموت معاً ، تقطع رؤوسنا معاً فتفصل عن أجسادنا ...

الشاب الثاني:- (يستدرك قليلاً ويتصور المشهد) لا تتفوه بمثلِ هذا الكلام فهو شؤم .

(ينتقل الحوار إلى الرجل الأول والرجل الثاني ، بينما الشابين يتكلمون فيما بينهما ولكن من دون أي صوت) .

الرجل الأول:- (للرجل الثاني) ليس هناك من مستقبل ...

الرجل الثاني:- (للرجل الأول) لا يمكن في الحقيقة أن نتوقع شيئاً ...

الرجل الأول:- ولا حتى ما يمكن توقعه ؟ ...

الرجل الثاني:- وخصوصاً ما يمكن توقعه ، لا يمكن التنبؤ به .

(الرجل الأول في هذه الأثناء يدفع العربة التي تحمل طفلاً إلى وسط أسفل المسرح أي في المقدمة بمواجهة الجمهور عندها نرى يزيد يخرج من ألعجانه بأمر من السيرجون الذي يقف بقربه ويكون يزيد حاملاً بيده شريط لاصق احمر طرفه الأول مربوط بالعجانه والطرف الآخر بيد يزيد ، فيتقدم ببطء نحو العربة ويلف الشريط الأحمر على العربة والطفل لفاً عشوائياً ، هنا شخصية يزيد تكون غير مرئية من قبل الشخصيات الأخرى أي انه يسير ويتصرف من دون أن يشعر به احد ، ويصاحب نزوله من ألعجانه إضاءة السايكوراما في المسرح العلوي فيظهر لنا ظل الإمام الحسين (ع) في الأعلى وهو يتابع الأحداث في الأسفل والأحداث تسير من دون أن يلمح شخصية الإمام (ع) احد من الشخصيات الباقية) .

الرجل الأول:- (للرجل الثاني) هيا بنا نقضي أمراً وجب علينا ...

الرجل الثاني:- وإذا ذهبنا فإلى أين سيذهب طفلك بعربته ؟ ...
الرجل الأول:- أنا سأتصرف وما عليك أنت إلا أن تضع مقشتك في العربة ، هيا ضعها فان الأطفال لا يأكلون المقشات (للشابة الأولى) جارتي العزيزة هلا تتفضلي عليَّ برعاية الطفل للحظة ...

(الشابة الأولى تتبعها الشابة الثانية مقتربتان منهما)
الشابة الأولى:- كيف الحال يا جاري ؟ 

الشابة الثانية:- صباح الخير يا سيدي ...

الرجل الأول:- أهلاً ومرحباً بكما ...

الشابة الأولى:- أنا لم أرَ طفلكَ بعد ، فقد قيل لي انه جميل جداً ...

الرجل الأول:- كما تفضلتي انه جميل ، لكن لا توقضيه أرجوكِ ، لحظة فقط أصلي خلالها مع صديقي وأعود إليكِ ...

الشابة الأولى:- على الرحب والسعة ، بكل سرور ...

الرجل الثاني:- سنذهب لنصلي معاً ...
(قبل أن ينصرفا ، تميلان الشابتان على الطفل لتنظرا إليه)

الرجل الأول:- إلى اللقاء قريباً ...
الرجل الثاني:- شكراً ، العربة فيها شغلي اليدوي أيضاً ، اقصد المقشة خاصتي ...

الشابة الأولى:- (وهي تتطلع في العربة) قيل لي انه اسمر ، ألا أن بشرته ليست سمراء .

الرجل الأول:- (الذي تقدم نحو أقصى المسرح مع الرجل الثاني بخطوتين) ، ليس هناك اسمر من ذلك ...

الشابة الثانية:- (وهي تتطلع داخل العربة أيضاً) كلا ليس بأسمر بل أن لونهُ ضارب إلى الحمار ...

الرجل الثاني:-  (باستغراب) الحمار ؟ (للرجل الأول) الم تقل لي أن لونه اسمر ؟ ...

الرجل الأول:- (باستغراب أيضاً) طفلي ... لونه ... احمر ... ؟ 

الشابة الأولى:- (تلمسه) إنني المسه فلا يتحرك ...
الشابة الثانية:- (تلمسه أيضاً) إنه لا يتحرك يا الهي ...

الرجل الأول:- ماذا ، تقولين ؟ ...

الشابة الأولى:- (بذعر) آوه ، إنه ميت ....

الشابة الثانية:- (مذعورة أيضاً) آوه ، مات مذبوحاً ....

الرجل الثاني:- ماذا ؟ مقطوع الرأس ؟ ...

الرجل الأول:- إنه بصحةٍ جيدة ، (يتطلع في العربة ويطلق صرخة) بني ،انه مقتول ...

الرجل الثاني:- (ينظر في العربة ويطلق صرخة أيضاً) رأسه مقطوع ...

(تبتعد الشابتين مذعورتين صائحتين فتضطرب كل الشخصيات على خشبة المسرح) .

الرجل الأول:- لقد سلبوه روحه ، لقد قتلوا طفلي ، ذبحوه من الوريد إلى الوريد ، قطعوا أوداجه ، انتزعوا رأسه من جسده (بكاء) من فعل هذا ؟ 

(الشخصيات الأخرى تقترب ببطءٍ شديد جاحظة العيون ، حينها يلمح الرجل الأول عمته أم زوجته مع الشخصيات "اقصد العجوز الثانية")

العجوز الأولى:- من فعل هذا ؟ ...

الرجل الأول:- (يقف وينظر بنظرة غضب الى عمته العجوز الثانية) 
أنا اعرف الفاعل ، إنها عمتي كانت دائماً تحقد عليه لأنها تكرهني ...

الشابة الأولى:- (تحاول تبرير موقفها) يقول إن الجدة هي القاتلة ولستُ أنا...

العجوز الثانية:- أوه يا صهري أنا فعلاً كنتُ أخيفهُ فقط أما اقتله فلا ، فهو بالآخر ابن ابنتي ...

الرجل الثاني:- ليس هذا مبرراً لقتل طفل ...
الشاب الأول:- هذا عار ........

الشاب الثاني:- بل أكثر من عار أنها جريمة ........

الشابة الثانية:- وأمه التي لا تعلم ماذا ستصنع لو علمت بما حل بطفلها الرضيع ؟ ساعد الله قلبها ...

الشاب الأول:- آهٍ من النساء وبالأخص العجائز ، إن كيدكن عظيم ، انتن دائماً مصدراً للخطر ، سفاحات ....

الرجل الأول:- (للعجوز الثانية) أنتِ التي شرعتِ بقتلهِ .........

العجوز الثانية:- أنا لم اقتله ، اقسم لك باني لم اقتله ...

الرجل الأول:- أيتها المجرمة ... (ينقض عليها وقبل وصوله إليها نراها تقع بيد يزيد فيلف عنقها بالشريط الأحمر اللاصق المتصل من ألعجانه إلى عربة الطفل دون أن يشعر به احد) .

الرجل الثاني:- (للرجل الأول) رويدك ............

الشاب الثاني:- (للرجل الأول) إنها بريئة .............

الشاب الأول:- (ينظر إليها عن قرب) لقد ماتت (للرجل الأول) أيها القاتل ....

الشاب الأول والشاب الثاني والعجوز الأولى:- (يخاطبون الرجل الأول ويتجهون نحوه مهددين له) .
أيها القاتل ............. أيها الحقير .........

الرجل الأول:- لقد سقطت من تلقاء نفسها ، إني لم المسها حتى ......
اقسم لكم على ذلك ........

الرجل الثاني:- (وهو جالس ينظر إلى العجوز الثانية) إن وجهها احمر قاتم ، لقد ذبحها .........

الشاب الأول:- ستدفع ثمن فعلتك يا هذا .....................
(ينقض على الرجل الأول ، وقبل وصوله إليه يقع الرجل الأول فريسة أخرى بيد يزيد ، فيلفه بالشريط الأحمر ، كما فعل مع العجوز الثانية) .

الرجل الثاني:- (محاولاً صد الشاب الأول) انه ليس الفاعل لقد قُتِلَتْ من تلقاء نفسها ...

الرجل الأول:- (ساقطاً على ركبتيه بقرب الشريط اللاصق فيعلق الشريط برقبته) آه ... آه ... لقد مت ..........

الرجل الثاني:- (للشاب الأول) لقد قَتلتَ صاحبي ، أيها القاتل ، أيها الوغد ...

الرجل الثاني والعجوز الأولى والشابة الأولى:- (يتجهون نحو الشاب الاول مهددين له ، باستثناء الشاب الثاني والشابة الثانية اللذين كانا يتفحصا جثة الرجل الأول) .
يا وغد ، يا قاتل ، يا مجرم .............
الشاب الأول:- لم اقتله ، لم أصبه ،الم تنتبهوا إليه لقد سقط من تلقاء نفسه لقد انزلق .........
الشاب الثاني:- (بعد أن يتفحص الرجل الأول ومعه الشابة الثانية) .
انظروا إن رأسه مصاب بطلقٍ ناري ...

الشابة الثانية:- لا استطيع أن احتمل (ترفع يدها إلى قلبها) ، آه قلبي .... 

(تسقط على ركبتيها فيتلقاها يزيد بشريطه الأحمر ويلف عنقها) .

الرجل الثاني:- (للشاب الأول) أيها القاتل ...........

العجوز الأولى:- (للشاب الأول) أيها المجرم .............

الشابة الأولى:- (للشاب الأول) أيها الجبان .................

الشاب الثاني:- ليس هو القاتل ، لقد قتل من تلقاء نفسه ، (يشير للشابة الثانية) وهي أيضاً قُتِلَتْ من تلقاءِ نفسها .........

الشاب الأول:- ليس أنا ، ليس أنا من فعل ذلك ، اقسم لكم ، أنا بريء ...
(يحيطون به فيسقط منهاراً بيد يزيد ليتلقاه هو الآخر بشريطه الأحمر اللاصق) .

العجوز الأولى:- (وهي تنظر إلى الشاب الأول) ... لقد ... مات ....

الشابة الأولى:- الله ، هو الذي عاقبه ... بذنوبه .......

الرجل الثاني:- لعله أصيب بالإغماء فقط ....

الشاب الثاني:- أيها الأوغاد أيها القتلة لقد قتلتموه ..........

الرجل الثاني:- نحن .. لم .. نقتله .....

العجوز الأولى:- بل .. أنتَ .. من .. قتله ......

الشابة الأولى:- أيها .. الوغد .. القاتل .........

(ينقضون عليه فيسقط هو الآخر بيد يزيد ويلف عنقه بالشريط اللاصق أيضاً ، فينظرون إليه بدهشة ، ويبدؤون بتبرير موقفهم واحدا للآخر) .

الرجل الثاني:- أنا لم اقتله ........

العجوز الأولى:- ولا أنا أيضاً ..........

الشابة الأولى:- ولا أنا ...............

الرجل الثاني:- إذاً من الذي قتله ؟ ..........

العجوز الأولى:- أنا لا اعلم ، لكنني خائفة ..........

الشابة الأولى:- ولا أنا اعلم أيضاً .... يا لخوفي ، ما الذي يجري ......

الرجل الثاني:- (وهو خائف أيضاً ، ويتظاهر بعدم الخوف) .
لا داعي للخوف ، لقد تعودنا على ذلك حتى أصبح شيئاً بديهي ، يمر بنا كل يوم وليلة ... 
(صوت انفجار قوي ، نرى في هذه اللحظات إن يزيد جالس بداخل ألعجانه وسيرجون لازال واقفاً بقربه ، أما باقي الشخصيات فيحاولون الهرب راكضين في كل اتجاه على المسرح لكن من دون جدوى) .
-  أظن إن الأمر الذي آل إليهم سيؤول ألينا أيضاً ...... رحماك ربي ... اللهم إني إليك أتوب يا الله .........

الشابة الأولى:- الرحمة يا رب ........ الرحمة يا الهي ............

العجوز الأولى:- يا الهي لقد سرقت الكثير في حياتي ، فاغفر ذنوبي ، يا غافر الذنب ... يا  الله .............

الرجل الثاني:- وأنا قتلت أبي ..............

الشابة الأولى:- وأنا زنيت بالمحارم ...............

العجوز الأولى:- غفرانك ربي ......... 
(تنهار فتسقط يمين الخشبة في المقدمة ، يزيد ينظر من داخل ألعجانه وهو مبتشر) .
الشابة الأولى:- آه يا زوجي ، سامحني فاني لم اعد لك الغداء .
(تنهار فتسقط يسار الخشبة في مقدمة المسرح) .

الرجل الثاني:- أريدُ أن اكفر عن ذنوبي ، أين رجال الإطفاء ، فليطفئوا ناري ...
(ينهار فيسقط في وسط المسرح عند المقدمة) .

(هدوء نسبي ثم يضاء المسرح الواقع إلى يمين المتفرجين فنرى المفكر الجالس وسط كتبه وهو مشغول بالقراءة ، ينزل يزيد من ألعجانه فيعطيه السيرجون إبريقاً وكأساً للخمر فيذهب ويجلس خلف المفكر ويحتسي الخمر ثم يقف ويرجع إلى ألعجانه ليبحث فيها عن شيء ما عندها يقوم السيرجون بإلباسه الرداء والعمامة) .
 
يزيد:- هناك في الجانب الآخر يوجد فكرا ، فكراً مهول ، يحمل مضموناً يا سيرجون ، وأنت لا زلتَ تُلبسني شكلاً فقط ، ماذا اصنع ؟ هذا الفكر سيحطمنا سيكشف اللثام عنا يا سيرجون ، إن هذا الرداء وهذه العمامة ارتديها شكلاً ولا زلتُ خالياً من المضمون ، ماذا اصنع؟ دلني يا سيرجون ، اشر عليّ ماذا اصنع ؟ .

السيرجون:- مازلتَ تحمل مضمونكَ المزيف والمنمق بالأكاذيب فما زال باستطاعتك أن ترتدي رداء الإسلام الذي اغتصبته بسيفك وها أنت ذا مرتديه (يقدم له السيف) فبأراجيزك الكاذبة تستطيع أن تقتله ، اقتله يا يزيد اقتله وان كان متعلقا بأستار الكعبة ، فانك أضحيتَ لا تهاب قتل احد بعد قتلك الحسين....

(ثم يرجع ويضرب بسيفه عنق المفكر ويقتله ، هنا مع ضربة السيف تنطفئ الإضاءة في الأعلى (خلف السايكوراما) عندها يختفي ظل الإمام (ع) ، ومن ثم ترجع الإضاءة فنرى ظل الإمام (ع)).

الإمام(ع):-  "ولبئس ما قدمت لهم أنفسهم وفي العذاب هم خالدون" .

(تطفئ الإضاءة في الأعلى ، وبعد هذا يدخل شيخان في الأسفل ، الأول من جهة اليمين والثاني من جهة اليسار، وكل واحد منهما يدفع عربة كبيرة ، الأولى فيها كمية كبيرة من الجماجم البشرية ، والثانية فيها كمية كبيرة من الهياكل العظمية حتى يصلا بعربتيهما إلى وسط وسط المسرح وقد بان عليهما علامات التعب والانهيار) .

الشيخ الأول:- لقد أضناني السفر فأرهقتني ذلة البحث والتنقيب ........
الشيخ الثاني:- البحث والتنقيب عن ماذا ؟ ......

الشيخ الأول:- إنني ابحث منذ ألفاً وثلاثمائة عام ، ولكن بلا جدوى ......

الشيخ الثاني:- لم أسألك منذ متى وأنت تبحث ، بل سألتك عن ماذا كنتَ تبحث ؟ .......

الشيخ الأول:- أفنيتُ عمري بحثاً في قبورهم ، لكني لم أجد سوى رؤوساً محطمة بلا أجساد ، الآلاف منها تركتها خلفي وعلى مدى مئات السنين ، جبالاً من الرؤوس بلا أجساد .......

الشيخ الثاني:- أراك تقول عجباً .......

الشيخ الأول:- وما العجب في ذلك ، فعندما يريك الزمان ما رأيته حينها لا تعجب من ذلك أبداً .......

الشيخ الثاني:- ما عجبتُ على ما تقصد ، إنما العجب عجباً عندما أكون أنا أيضاً قد بحثت لألف وثلاثمائة عاماً ولم اعثر إلا على جبالاً من الأجساد بلا رؤوس ، هياكل بالية وعظاماً نخرة قد أكل الزمان عليها وشرب ...
(يتقدم لهما يزيد وهو يسترق السمع لقولهما خائفاً مما يتفوها به)

يزيد:- كانت رؤوساً لأناسٍ كانوا يرومون الصعود إلى القمر ، ألا أن أجسادهم لم تستطع حملهم إلى ذلك ، ففصلت الرؤوس عن الأجساد .....

الشيخ الأول:- إننا نبحث عن الذين تطاولوا وفصلوا تلك الرؤؤس عن أجسادها سواء أرادوا الصعود إلى القمر أم لم يروموا ذلك .............

الشيخ الثاني:- من الذي تجرأ وفرق بين الجسد ورأسه ، يجب أن يأخذ جزائه ..........

يزيد:- لا يهم من يكون أو لماذا فعل ذلك ، إنما المهم الآن هو التوفيق بين الرأس وجسده .....

الشيخ الأول:- ماذا تقصد بقولك هذا ؟ .

الشيخ الثاني:- ماذا تعني بان يوفق الرأس وجسده .......

يزيد:- عليكما أن تستخرجا من بين هذه الأجساد والرؤوس ، رأساً لجسده وجسداً لرأسه ، ومن ثم تبحثوا في كل رأس وجسد ، من هو القاتل ومن هو المقتول ، من هو النبيل ومن هو المبتذل ، من هو السارق ومن هو المسروق ، من هو ألدانِ ومن هو القاصِ ، من هو المالك ومن هو المملوك ، من هو الظالم ومن هو المظلوم ..........
(لازال يزيد يقول حواره حتى يذهب إلى ألعجانه فيجلس فيها)

الشيخ الأول:- (للشيخ الثاني) هيا أسرع لنبحث في ذلك .....

الشيخ الثاني:- نبحث في ماذا ؟ ..........

الشيخ الأول:- في الرؤوس والأجساد طبعاً ...........

(يذهبان فيقفا خلف العربتان ويمسك احدهما بالرأس والآخر يرفع احد الهياكل ويحاولوا ترهيمهما ليكونا جسداً وعليه رأس لكن من دون جدوى ، ثم يستبدلانهما برأس آخر وهيكل آخر ويجربا أيضاً ولكن بلا جدوى فيبقيا على هذا الحال حتى يشتد الصراع بينهما) .
الشيخ الأول:- (ينظر إلى الرأس بإمعان) انه رأس ملك ، كلا ، كلا ، لعله رأس فارس شجاع .............

الشيخ الثاني:- (ينظر إلى الهيكل بإمعان) وهذا هيكل لأحد أقارب الملك ، أو لعله جسد لسارق محتال .........

الشيخ الأول:- وهذا الرأس لعبدٍ اسود ..........

الشيخ الثاني:- (هيكل صغير) يبدو انه جسد لطفل صغير أو طفلة ، لا شك في ذلك ......

(يبقيا على هذا الحال حتى يهلكا على العربتين فوق الرؤوس والأجساد فتطفئ الإضاءة ويضاء المسرح في الأعلى فيظهر لنا ظل الإمام الحسين (ع) من خلف السايكوراما)

الإمام(ع):- 
تبارك ذو العـلا والكبـرياء                     تفرد بالجـلال وبالبقـاءِ
وسوّى الموت بين الخلق طراً                     وكلهـم رهائـن للفنـاءِ
دنيـانـا وان ملنـا إليهـا                   وطال بها المتاع إلى انقضاءِ
ألا أن الركون على غـرورٍ                  إلـى دار الفنـاء من الفنـاءِ
وقاطنها سريع الضعن عنها                  وان كان الحريص على الثواءِ.(1)
                                                              

 نهاية....
(أركان ألعتابي / في / 6/كانون الثاني/2012مـ / الموافق / 11/صفر الخير/1433هـ)


(1):-  ديوان الإمام الحسين(ع) : 8 / 228  .

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!