جلس على ضفة النهر ليستريح، ويلتقط أنفاسه من طول الطريق، وعناء السفر.
حدق بالنهر كثيراً ،وأرخى جفنيه لفراق الأحبة، وتذكر خروجه من مدينة جده خائف يترقب. يا الله أحفاد النبي
(صل الله عليه وآله الطاهرين)مضطهدين مطاردين!
بأي لغةً تكلمت عيناك ،وأفصحت معانيها ماء مقلتاك؟
وأي حروف نطقت بها شفتاك عند رؤيتك لنهر الفرات؟
خجلت أمواجه من نظراتك ،غطت وجهها كي لا تراك،
لأنها تفهم معنى كل تلك الآهات والعبرات .
وكأن الزمان توقف يوم الطفوف،وبقيت الكلمات ترتجف عليها الحروف .
نعم؛ أدْمَتْ فؤادك غُصة كربلاء ،وقلبك من هول المصاب يحترق، وبدخان الخيام طول الوقت يختنق ،إنها ضريبة العشق الحسيني والإنتماء العلوي.
وبينما هو غارق في أفكاره ،طرقت أسماعه صفات أمير المؤمنين (عليه السلام)وقائد الغر المحجلين ،أبتهج قلبه وتعطرت أنفاسه، من إسمه المبارك ،وأستشعر الأمان من كلام الفتاة ،في ذاك المكان الذي يسمى باخمرى .وسألها عن شريف القوم وكبيرهم ، ولشيخ القبلية أرشدته ، وعرف بعدها أن صاحبة العفاف( كريمته)
وعندما سُئلتَ عن أسمك، تعثرت بالكلام ،ونطق الجُرح بِبَحة الألم ليغطي الحقيقة ،فأحببت أن يكون الغريب إسمك،كي لاتُسأل عن حسبك ،لكن وجهك الوضيئ، يشرح بوضوح جلالة شأنك،حتى وإن أخفيت عظيم قدرك ،
إيهٍ ؛ياقاسم ابن موسى ابن جعفر(عليه السلام) الطهر،وأخو علي أبن موسى ابن جعفر(ع) المطهر ،
لازالت دعوات أختك المعصومة تعطر ذاكرتها ،وصوتها الملكوتي يملئ أركانك .وبعد ذِكر إسم الغريب ،فهم الشيخ اللبيب مقصد الكلام.
فتقبلك على ذلك الأسم ،بالرغم من الشمائل المحمدية التي تنطق بين جنبيك، والأخلاق الحيدرية التي تشع من عينيك.
فطلبت العمل ،لأن الضيف يكرم لأيام ثلاث، وما زاد على الثلاث ،فالطعام صدقة ،وأنت ابن الأشراف لاترضى لنفسك الذلة ، ومحرم عليكم أكل الصدقة .
أرتأيت أن تكون سقاءاً،كعمك أبا الفضل (عليه السلام)،وكأن السقاية لكم وسام.
كل يوم تثبت لكبير القوم كم أنت هُمام،ويعلو وقت العبادة بريق سناك ،ويتجلى باليقين معدن طينتك، فأحبك الرجل، وَرَغب أن يقترن بهذه الشجرة الطيبة بغصن، فزوجك عقيلته بالرغم من جهله بهويتك ،لكن قلبه الطاهر المفعم بحب أهل البيت (ع)كان دليله لمنبع العسل من أصلك.
وبعد أن رُزِقَت بفاطمة الصغيرة ،لم يمهلك الأجل ،وعاجلك المرض وهنا بدأت خيوط الحقيقة تنكشف، نظر بعينين قد ملئتا بالحزن والدموع ،وأوصى الشيخ بإبنته وزوجته، وكان قلب الشيخ يضطرب ،يخشى أن يكون هذا الصهر، من الأشراف وقد صدق ضنه،فبعد أن عَرَّفَ عن إسمه ونسبه ،أسلم الأمانة لله رب العالمين ،ورحل مظلوماً كآبائه الطاهرين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat