إن لحادثة تحويل القبلة أبعادا كثيرة: منها السياسي، ومنها العسكري، ومنها الديني البحت، ومنها التاريخي؛ فبعدها السياسي أنها جعلت الجزيرة العربية محور الأحداث، وبعدها التاريخي أنها ربطت هذا العالم بالإرث العربي لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، القبلة في المصطلح الديني ، هي الجهة التي يُقابلها المسلمون حال تأديتهم للصلاة ، و حين ذبح ذبائحهم ، و ما إليها من الأمور التي يشترط فيها التوجه إلى جهة القبلة .
و القبلة هي الأرض التي بُنِيَت عليها الكعبة المشرفة الواقعة في وسط المسجد الحرام الواقع في مكة المكرمة ، و هي تقع حِيَالَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ الواقع في السماء
صلى النبي ومن معه من المسلمين إلى بيت المقدس فترة من الزمن، فلمّا ازداد اذى اليهود لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ازدياد نفوذ المسلمين وانتشار الإسلام، وقول اليهود: أنت تابع لنا تصلّي إلى قبلتنا، كانوا يعيرونه في إتباع المسلمين لقبلتهم سند وافتخار لهم.
فاغتمَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لذلك وشقّ عليه، حتّى نزلت الآية: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّماء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجدِ الحرامِ وحيثُ ما كُنْتُم فَولُّوا وجوهَكُم شَطْرَه، وإِنَّ الذين أُوتُوا الكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أنّه الحقُّ من ربّهم ، وما اللهُ بغافلٍ عَمًّا يعملون) فكان تغيير القبلة واحداً من مظاهر الابتعاد عن اليهود واجتنابهم. فالنصارى يتّجهون في عباداتهم نحو الشرق، واليهود جهة الغرب، شاء الله تعالى أن تكون الكعبة قبلة للمسلمين، وكانت في اتجاه الجنوب وسطاً بين الاتجاهين.
الحادثة برواية الإمام الصادق(عليه السلام)
قال الإمام الصادق (عليه السلام): (تحوّلت القبلة إلى الكعبة، بعدما صلّى النبي (صلى الله عليه وآله) بمكّة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس، وبعد هجرته إلى المدينة صلّى إلى بيت المقدس سبعة أشهر)، قال: (ثمّ وجهه الله إلى مكة، وذلك أنّ اليهود كانوا يعيرون على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويقولون أنت تابع لنا، تصلّي إلى قبلتنا، فاغتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ذلك غمّاً شديداً.
وخرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء، ينتظر من الله في ذلك أمراً، فلمّا أصبح وحضر وقت صلاة الظهر كان في مسجد بنى سلمة، وقد صلّى من الظهر ركعتين، فنزل جبرائيل فأخذ بعضديه وحوّله إلى الكعبة وأنزل عليه: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) فكان قد صلّى ركعتين إلى بيت المقدّس وركعتين إلى الكعبة، فقالت اليهود والسفهاء: ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) (۲).
ما الغاية من تغيير القبلة
كان التغيير للقطيعة التامّة بين المسلمين واليهود، حيث كان اليهود يقلّلون من شأن المسلمين بسبب عدم استقلالهم في القبلة وتوجههم نحو القدس، والتي يعتبرونها قبلتهم.
والإعلان عن استقلالية هذا الدين، وفضل مكّة التي ينتمي إليها المهاجرون، وموطن هذا الدين ورسوله (صلى الله عليه وآله)، وكذلك تعبيراً عن انتساب الإسلام للحنفية التي جاء بها النبي إبراهيم (عليه السلام) المشيّد لأركان الكعبة.
إنّ اتّخاذ الكعبة قبلة، كان من شأنه كسب رضا العرب واستمالتهم وترغيبهم في الإسلام، ونبذ عبادة الأصنام، وخاصة أنّ الكعبة كانت موضع احترام العرب وتقديسهم منذ أن رفع النبي إبراهيم (عليه السلام) قواعدها.
فوائد تغيير القبلة
تمّ تغيير القبلة من بيت المقدس الى الكعبة المشرفة في ۱۷ رجب ۲ هـ ـ وقيل: ۸ محرم ۲ هـ ـ أثناء الركعة الثانية من صلاة الظهر، فقد أخذ جبرائيل (عليه السلام) يد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأداره نحو المسجد الحرام، فتبعه الرجال والنساء في المسجد، وقد صلّى الرسول (صلى الله عليه وآله) مع أصحابه ركعتين، واستدار معه المسلمين تجاه الكعبة وصلّى الركعتين الباقيتين، فكان أوّل صلواتهم إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة، فسمّي ذلك المسجد مسجد القبلتين، وكانت صلاة العصر من هذا اليوم أوّل صلاة كاملة صلاّها (صلى الله عليه وآله) تجاه الكعبة المشرّفة.
وقد طعن السفهاء من المشركين وأهل الكتاب وقالوا: ما وَلاَّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، فنزل قوله تعالى: (َيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)
أسرار تغيير القبلة
تغيير القبلة من بيت المقدس
إلى الكعبة آثار لدى الجميع عدة تساؤلات ، الذين قالوا أنّ الأحكام ينبغي أن تبقى ثابتة، راحوا يتساءلون عن سبب التغيير، فلو كانت القبلة الصحيحة هي الكعبة، فلماذا لم يؤمر المسلمون بأستقبالها منذ البداية وإن كانت بيت المقدس فلم هذا التغيير !
أعداء الإسلام وجدوا الفرصة وثغرة جيدة لبث سمومهم ولإعلامهم المعادي، قالوا: إنّ تغيير القبلة كان بدافع عنصري بحت ، وزعموا أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) اتّجه أوّلاً إلى قبلة الأنبياء السابقين، ثمّ عاد إلى قبلة قومه بعد تحقيق انتصاراته، ولمّا يئس منهم استبدل الكعبة بها
والله سبحانه أجاب على هذا الاعتراض وأمر رسوله (صلى الله عليه وآله) أن (قُل لِّلّهِ الْمَشرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat